هل بإمكان «يسار الوسط» الأوروبي النجاة من أزمة أخرى؟
وضعت أزمة 2008 الاقتصادية الأحزاب الديمقراطية- الاشتراكية الأوروبية في حالة من الفوضى، حيث كشفت التناقضات الموجودة في نموذجها السياسي. والآن يواجهون ضغط ركودٍ اقتصاديّ آخر قبل أن يتعافوا من الأزمة الماضية، ودون أن يطوروا أيّة رؤية جديدة مقنعة.
مرّ ما يقرب من عقد من الزمن منذ أن دخل مصطلح «البسوكة Pasokification» في المعجم السياسي، كتحذير من أنّ أحزاب «يسار- الوسط» في جميع أنحاء أوروبا قد تعاني من نفس مصير الحركة الاشتراكية اليونانية التي كانت قويّة في يوم ما. الكلمات الطنانة تأتي وتذهب، لكنّ الظاهرة التي وصفها هذا المصطلح الجديد لم تكن مجرّد حالة عابرة.
بعض أحزاب يسار- الوسط سقطت بمثل سقوط حزب «باسوك Pasok» اليوناني، حيث لم يعد مؤيدوها «يكفون لملء حافلة». وحتّى الأحزاب التي تدبرت أمر زيادة عدد مؤيديها في السنوات القليلة الماضية، لا تزال أضعف بكثير ممّا كانت عليه قبل أزمة 2008. سيتعين على هذه الأحزاب اليوم مواجهة فترة اضطرابات اقتصادية حادة أخرى قبل أن يتعافوا من آثار الفترة الماضية.
حذّر المؤرّخ الاقتصادي آدم توز مؤخراً من أنّ الاقتصاد الأوروبي في وضع ضعيف بشكل ينذر بالخطر مع خروجه من أزمة فيروس كورونا: «وفقاً لبيانات منظمة التعاون والتنمية، تراجع الناتج الإجمالي المحلي في منطقة اليورو في عام 2020 بنسبة 7,6%. أي: أسوأ بكثير من التراجع في أزمة 2008، وكذلك أسوأ من الولايات المتحدة التي تراجع فيها الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 3,5%... وانخفض تكوين إجمالي رأس المال الثابت في منطقة اليورو بأكثر من 10% بالمقارنة بانخفاض بنسبة 1,7% في الولايات المتحدة... وفقاً للأوضاع المالية الحالية، فلا يمكن تكوين نظرة مستقبلية أقلّ من محبطة عن اقتصاد الاتحاد الأوروبي».
تجاهلت رئيسة البنك المركزي الأوربي كريستين لاغارد الدعوات المطالبة لإلغاء ديون منطقة اليورو للمساعدة في التعافي، واصفة إياها بأنّها: «غير واردة». من المستحيل التنبؤ بالتداعيات السياسية المترتبة على الانكماش المستمر. لكن إذا أردنا التعرّف على ما يمكن أن تجلبه الأزمة القادمة، فإلقاء نظرة فاحصة على ما حدث في المرة الأخيرة سيكون تمريناً نافعاً.
عيّنة واسعة
يجب الحذر من الوقوع في التسطيح عند تكوين رأي ناتج عن التقلبات الانتخابية قصيرة المدى في عدد قليل من البلدان. ولتجنّب هذا المحذور دعونا نجمع عيّنة من ثماني دول: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا واليونان والسويد والبرتغال. تشمل العيّنة أكبر أربع دول في الاتحاد الأوروبي، ويبلغ عدد سكانها مجتمعين قرابة 260 مليون شخص، إضافة إلى أربع دول أخرى يبلغ عدد سكان كلّ منها عشرة ملايين نسمة على الأقل.
أجرت هذه الدول عمليتي انتخاب على الأقل منذ أزمة 2008. تستبعد العيّنة دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد بعد توسعه، حيث إنّ جذور أحزاب يسار- الوسط في هذه الدول أضعف بكثير من نظيراتها في أوروبا الغربية.
في جميع بلدان العيّنة كان تيار يسار- الوسط محركاً رئيسياً طويل الأمد في الحكومة عند حدوث أزمة 2008. خلال العقد الأول من القرن في هذه البلدان، احتلّ يسار- الوسط المرتبة الأولى في الانتخابات الوطنية مرّة واحدة على الأقل، باستثناء دولتين. والاستثناءان – هما الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب العمال الهولندي– لا يزالان يحتلان موقع ثاني أكبر لاعبين في أنظمتهم الانتخابية.
قبل النظر في تأثير الأزمة الاقتصادية على هذه الأحزاب، نحتاج لتثبيت بضع الملاحظات العامة. أولاً: لم تختبر هذه البلدان الأزمة بذات المستوى. ألمانيا وهولندا ينتميان «لمركز» منطقة اليورو، بينما فرنسا تقبع بين المركز والطرف الذي يحوي بلداناً، مثل: اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا. السويد التي انضمت للاتحاد الأوروبي في 1995 بقيت خارج العملة الموحدة بشكل كلي.
ثانياً: الآثار الكليّة للأزمة لم تفرض نفسها فوراً عشيّة انهيار بنك ليمان بروذرز. لم تخرج أزمة ديون منطقة اليورو إلّا بدءاً من 2010 وصاعداً، عندما تمّ إجبار اليونان والبرتغال على اتباع برامج التقشف، بينما وُضعت إسبانيا وإيطاليا تحت رقابة مُحكمة. في الدول الطرفية، أدّت إهانة إملاءات التقشف في الإنفاق العام من قبل المسؤولين الأوروبيين إلى مفاقمة الحنق العام. بينما تركّز عدم الرضا في بلدان المركز على «المساعدات» المزعوم تقديمها لبلدان الجنوب.
الانهيار
يبقى حزب باسوك اليوناني المثال الأبرز على ما يمكن أن يحدث للأحزاب المهيمنة سابقاً. خلال أربعة انتخابات بين 2000 و2009، حقق الحزب فوزاً بمعدل وسطي 41,6% من الأصوات، ليعود إلى السلطة بآخر منافسة بنسبة 43,9%. بعد ثلاثة أعوام هبطت أصواته إلى 13,1%، لتنزل أكثر في الجولة الثانية في 2012. بحلول 2015 لم يتلقّ باسوك إلّا أقلّ من 5% من الأصوات. في الجولة الثانية دخل الحزب في تحالف مع حزب آخر ليرفع أصواته لتصل إلى 6,3%. أعاد الكرّة بعد أربعة أعوام ليحصد أقلّ من خُمس ما كان يحصده في بداية الألفية.
لدينا حالتان أيضاً هبطت أصوات الحزبين فيهما إلى أقلّ من 10%. السياسة الانتخابية الفرنسية «خارجيّة» بالنسبة لأوروبا الغربية تبعاً لنظام البلاد الرئاسي. منذ تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2002، كان الحزب الفائز في الرئاسة يكتسح دائماً مقاعد الجمعية الوطنية، ولهذا فأفضل مؤشر على صحّة الحزب هو أداء مرشحه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
كان هناك بالفعل مؤشر تحذيري بالنسبة للحزب الاشتراكي «PS» في 2002، عندما عانى مرشحه ليونيل جوسبان من إذلال استبعاده من الجولة الأولى، ليخسر أمام حاملة لواء اليمين المتطرف جان ماري لوبان، رغم أنّ ذلك حدث بأقلّ من مئتي ألف صوت. مع ذلك بدا بأنّ الحزب قد تعافى بعد خمس سنوات، عندما لم تواجه سيغولين رويال أيّة مشكلة في الوصول إلى الجولة الثانية ضدّ نيكولا ساركوزي لاستعادة الاحتكار الثنائي التقليدي.
ثمّ في 2012 في أوّل انتخابات تالية للأزمة الاقتصادية، كان مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند هو الأول في الجولة الأولى، ليتغلب على ساركوزي في الجولة الثانية. فاز الحزب في تلك الانتخابات لأول مرة منذ عام 1988 والانتخابات التشريعية لأول مرة منذ 1997.
لكنّ الصدمة كانت كبيرة في 2017 عندما تراجع مرشّح الحزب الاشتراكي بينوي هامون إلى المركز الخامس في الجولة الأولى، مع نسبة 6,4% من الأصوات على شاكلة باسوك. مجموع ما حققه الحزب في الانتخابات التشريعية والرئاسية بقي أقلّ من 10%. ولا يُتوقع أن يتعافى الحزب في الانتخابات التي ستجري العام القادم، ففي الانتخابات الأوروبية لم يفز التحالف الذي يقوده سوى بـ 6% من الأصوات.
المثال الثالث: يأتي من هولندا حيث حزب العمّال «PvdA» الذي ثبت نصيبه من الأصوات عند الربع تقريباً بين عامي 2003 و2012، لينهار في انتخابات 2017 إلى 5,7%. لا يمكننا أن نعتمد في تشخيص حالة الحزب على انتخابات واحدة، لكنّ علامات التعافي كانت متذبذبة في الفترة الماضية. فمن جهة أتى الحزب في المركز الأول في الانتخابات الأوروبية 2019 بنسبة 19% من الأصوات، ومن جهة أخرى نسبة الأصوات التي فاز بها الحزب هامشيّة جداً، ليتم أخذها كمؤشّر على التعافي.
التراجع والتعافي
بعض الأحزاب عانت من تراجعٍ حادٍّ في الدّعم الشعبي لها دون أن تصل إلى مرحلة باسوك اليوناني أو الاشتراكي الفرنسي. الحزب الاشتراكي- الديمقراطي الألماني «SPD» انتصر في انتخابات 2002 واحتل المركز الثالث في انتخابات 2005 بعد قضاء ثمانية أعوام في الحكومة. منذ ذلك الوقت بدأ يختبر انكماشاً حادّاً ليسقط ويخسر أكثر من 10% من 2009، ثمّ ليرتفع قليلاً في 2013 بزيادة 2,7%، قبل أن يعود للانخفاض مرّة أخرى في 2017. متوسط ما حصل عليه من الأصوات منذ عام 2009 وصاعداً هو أقلّ بمعدل 13% ممّا كان يحصل عليه في أولى عمليتين انتخابيتين في هذا القرن.
يسار- الوسط الإيطالي، لا يملك تاريخاً تنظيمياً يشبه ما لدى «SPD» الألماني الذي تعود جذوره إلى القرن التاسع عشر. الحزب الديمقراطي الإيطالي أُنشئ فقط في 2007، وهو ناتج اندماج حزب دايزي والديمقراطيين- اليساريين التاليين للشيوعي. لكنّ حداثته لم تقف عائقاً أمام تراجعه، فبين عامي 2001 و2008، كان متوسط الأصوات التي حصلت عليها هذه القوى ما دون 32%. تهاوت هذه النسبة في العمليتين الانتخابيتين الأخيرتين بقرابة 10%.
السويد، تعبّر عن رأس الاشتراكية- الديمقراطية الأوروبية، مع تاريخ مذهل في الإصلاح والنجاح الانتخابي. الحزب الاشتراكي- الديمقراطي «SAP» أتى في المركز الأولى انتخابياً منذ 1914. ومنذ 1932 وحتّى يومنا هذا لم يكونوا في المعارضة سوى لعقدين. ورغم أنّ خسارات الحزب لم تكن بذات دراميّة خسارات الأحزاب الشقيقة له، فلا تزال تمثّل اتجاهاً واضحاً: منذ الانهيار الاقتصادي 2008، كان متوسط حصّة الحزب من الأصوات أقل بمعدل 7,5% ممّا كان عليه الأمر قبل ذلك. كان أداء الحزب في 2018 هو الأسوأ منذ عام 1911.
أخيراً، لدينا حزبان تمكّنا من تدبّر استعادة بعض الخسائر الحادة في إثر الانهيار. حزب «PSOE» في إسبانيا الذي بدا في خطر محاكاة باسوك خلال الأعوام الأولى لأزمة 2008. حصد وسطياً 40% من الأصوات بين عامي 2000 و2008، ليخسر النصف تقريباً في 2015 و2016. ثمّ عاد الحزب قليلاً في انتخابات 2019، لكن لتبقى نِسبهُ أدنى من 30%، أي: أقلّ بمعدل 14% من فترة ما قبل الأزمة الاقتصادية.
أمّا الحزب الاشتراكي البرتغالي، فقد كان المثال الذي استخدمه يسار- الوسط على قدرتهم على التعافي ضمن المشهد الأوروبي الكئيب. فقد خسر 17% من أصواته في أوّل عمليتين انتخابيتين تاليتين لأزمة 2008، بينما استعاد الكثير من زخمه في انتخابات 2019. لكن لتبقى نتائجه رغم ذلك أقلّ بمعدل 7% ممّا كانت عليه قبل 2008.
مؤسسات متعفنة
يُظهر هذا الاستطلاع لنتائج الانتخابات دليلاً واضحاً على وجود ميلٍ للانخفاض يمكن تمييزه بشكل عام، رغم كونه أكثر حدّة في بعض البلدان من غيرها، وحتّى بالنسبة للأحزاب التي حققت تعافياً جزئياً. لكن كيف يمكن تفسير ذلك؟
عند أحد المستويات، تثبت هذه الصورة بوضوح الحجج التي قدمها النقاد اليساريون للاشتراكية- الديمقراطية عند تطورها على مدى الجيل الماضي. تخلّت هذه الأحزاب منذ فترة طويلة عن فكرة استبدال الرأسمالية بالاشتراكية. بعد نهاية فقاعة ما بعد الحرب العالمية الثانية في السبعينات، والهزائم التي عانت منها الحركات اليسارية في العقد التالي لذلك، تخلت الأحزاب الاشتراكية- الديمقراطية أيضاً عن فكرة إدارة الاقتصاد الرأسمالي بطريقة جوهرية.
بدلاً من استخدامهم واقع انهيار الاتحاد السوفييتي لتبرير تفضيلهم لرأسمالية دولة الرفاه المنظمة والدفاع عنها، استسلمت هذه الأحزاب للإيديولوجيا السائدة، وقبلت بأنّ الملكية العامة والتخطيط الاقتصادي من أي نوع بات أمراً غير موثوق به. لجيل كامل قبل 2008 كانت الإصلاحات الداخلية الاشتراكية- الديمقراطية قليلة ومتباعدة. كان أكثر ما قامت به هذه الأحزاب هو عرض الحفاظ على المكاسب الموجودة لمؤيديها من الطبقة العاملة. لكن في التجربة العملية كان التراجع التدريجي عن هذه المكاسب موجوداً ومقبولاً بالنسبة لها، رغم عدم قدرتهم على الاعتراف بذلك.
علاوة على القفزة الكبيرة للوراء فيما يتعلق بالسياسة والإيديولوجيا، كان هناك أيضاً تراجع عن المشاركة الاجتماعية والتعبئة في المؤسسات السياسية بحيث باتت معزولة بشكل متزايد عن الجماهير. أشار بيتر ماير إلى هذا الميل قبل انهيار 2008. لم تعد أحزاب الحكومة تملك تأييداً جماهيرياً، ولم تعد لها صلات قويّة بالمنظمات، مثل: النقابات. أثّرت ذات الظاهرة على الأحزاب المحافظة البارزة، لكنّ أثرها وقع بشكل خاص على الاشتراكيين-الديمقراطيين.
انتهز سياسيو يسار- الوسط كلّ فرصة ممكنة للتقليل من تأثير أعضاء الحزب عليه، ونأوا بنفسهم عن أيّة حركات اجتماعية قد تتحدى سلطة رأس المال. كانوا سعداء بالتواصل مع الناخبين من خلال مؤسسات الاقتراع والإعلام السائد، ولم يروا أيّة حاجة لقنوات تأثير بديلة.
أظهرت أزمة 2008 عيوب هذا النموذج السياسي وكشفت حقيقتها. نفذت أحزاب يسار- الوسط برامج التقشف– وهو التعبير الملطف لنقل عبء الأزمة إلى الطبقة العاملة، وأحياناً شكّلت تحالفات مع خصومها التقليديين لضمان إمكانية تنفيذ هذه السياسات.
في الوقت الذي دفعت فيه الأحزاب التي تحملت مسؤولية جدول الأعمال التقشفي ثمناً انتخابياً باهظاً، كانت الأحزاب الاشتراكية- الديمقراطية هي الأضعف، لأنّ مؤيديها تحملوا وطأة تخفيضات الإنفاق العام. فدون وجود احتياطي من الولاء لها أو نظاماً بيئياً- سياسياً داعماً يمكنها الاعتماد عليه، أثبت يسار- الوسط الأوروبي بأنّه الخاسر الأكبر بعد عام 2008.
اليسار الجذري
حققت أحزاب اليسار الجذري بعض المكاسب الانتخابية بالتزامن مع تراجع يسار- الوسط، رغم أنّها لم تكن دوماً البديل السياسي بالنسبة للناخبين. فإذا ما أردنا أن نأخذ فرنسا مثالاً، فالكثير من الناخبين الاشتراكيين القدامى تحولوا ناحية ماكرون، وليس ناحية ميلانشون.
وفي البلدان حيث يسار- الوسط لم يسقط بشكل كبير واستمرّ بتحقيق حضور قوي، دخل اليسار الجذري في تحالفات معه مثلما حدث في إسبانيا والبرتغال. لكنّ هذا النموذج الإيبيري– إن صحّت تسميته كذلك– لا يمكن تصديره إلى بقيّة أوروبا حيث يسار- الوسط هامشي أو متراجع وبالكاد قادر على الحياة.
علاوة على أنّ هذا النموذج الذي تحقق نتيجة عدد من الظروف شديدة الخصوصية، ليس من المتوقع أن يطول. السبب الأهم: أنّه يتطلب من قوى اليسار الجذري أن تخفض أفقها وتقبل بنوع من السياسات التي تجعل شركائها الاشتراكيين- الديمقراطيين مرتاحين. وهذا سيعني عدم وجود قطع حقيقي مع النموذج الاقتصادي السائد في الأربعين عاماً الماضية.
يحتاج اليسار الجذري إلى منح شيء محسوس لجماهيره جرّاء دخوله الحكومة من أجل الحفاظ عليهم، وتوسيع قاعدة دعمه في الانتخابات التالية. عدم القدرة على تحقيق تحول جذري في السياسة الاقتصادية سيعني بأنّ «الإصلاحات الصغيرة» التي يمكن تحقيقها من الشراكة مع يسار- الوسط لا قيمة لها.
الأمر الواضح والحقيقي، رغم أنّه يبدو كمهزلة، لم يفعل الاشتراكيون- الديمقراطيون الأوروبيون أيّ شيء يعارض مصالح النخب، ويخدم مصالح الطبقة العاملة خلال العقدين الماضيين. وحتّى الإصلاحات الصغيرة، بما في ذلك في إيبيريا، أتت بضغط من اليسار- الجذري. وتبدو إمكانية إصلاح هذه الأحزاب من الداخل أقرب للوهم، بدلالة ما حدث في الدولة التي من خارج عينتنا: بريطانيا. تجربة جيرمي كوربين والمقاومة الحادّة التي لقيها من داخل حزبه تخدم كدليل. من الواضح أنّ النهج الحالي لهذه الأحزاب يبشّر بمستقبل سيء قد يصل حدّ الزوال، وخاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أنّ الأزمات تكشف معدن هذه الأحزاب المخاتل والضعيف، والأزمة القادمة قد تكون بمثابة الضربة القاضية.
بتصرّف عن: Can Europe’s Center Left Survive Another Crisis?
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1007