التعاون الروسي الصيني المتنامي... إقرارٌ غربي وتشويهٌ للحقائق
تقوم مراكز الأبحاث الغربية بمراقبة التغيرات في التوازنات العالمية بحذر وبدقّة شديدة، وهي تنشر تقاريرها وآراءها بما يخدم مصالح مموليها في دول المركز الغربي، وتساهم في إدامة هيمنتهم العالمية. ومن هنا تنبع أهميّة هذه التقارير في كونها تعبّر عن الرؤية الاستراتيجية العامّة لدول المركز هذه.
تعريب: عروة درويش
يتنامى التعاون بين الصين وروسيا، وهما بذلك تنافسان وتتحديان سلطة المركز، الذي يقرّ بهذا التعاون، لكنه يسعى إلى تشويه الحقائق، بغية زرع الشقاق بين الحليفين، ونحن ننشر هنا جزءاً من ورقة بحثية نشرها مركز «كارنيغي» للسلام الدولي، حول العلاقات الروسية الصينية مع آسيا الوسطى، سعياً منّا لاستكمال الصورة، ولفهم الطريقة التي سيتحرك بها المركز الغربي في المنطقة، وفي العالم، من أجل محاولة منع القوى الصاعدة من ضرب هيمنته، رغم عدم توافقنا مع كل ما ورد ذكره.
آسيا الوسطى: تكامل أم تنافس؟
تشهد آسيا الوسطى إعادة توازن كبير للقوى مع تقلّص قوّة الروسي وصعود الصين كواحد من أكثر اللاعبين المؤثرين في المنطقة. يعود صعود الصين في آسيا الوسطى إلى نظرتها الأوسع لوصل المنطقة، ولشهيتها المفتوحة لمصادر الطاقة في آسيا الوسطى ولاحتياطيها الغزير، حيث تتوسع في آسيا الوسطى من خلال الاستثمارات التجارية والقروض ومصرف الاستثمار الآسيوي في البنى التحتية وعدّة كينونات أخرى. ولا تطلب الصين، وذلك خلافاً للغرب، أيّ نوع من الإصلاحات السياسية من حكومات آسيا الوسطى. وهي على خلاف روسيا، لا تستخدم الضغط السياسي لإبقاء المنطقة ضمن توجهها العام. إنّ عدم وجود أجندة سياسية معلنة، باستثناء الاستقرار الإقليمي الذي ترى بكين إمكانية تحقيقه عبر التنمية الاقتصادية، يجعل من الصين جذّابة بشكل خاص للحكومات المحلية.
وفي حين أنّ الوجود الصيني يتوسع على طول أوراسيا السوفييتية سابقاً، فإنّ ازدياد تأثيرها الجيوسياسي والجيواقتصادي يبدو مركزاً بشكل هائل في آسيا الوسطى، وهنا حيث تعلمت الصين كيف تتدبر مخاوف الروس من نمو تأثيرها في المنطقة. ومع توقّع زيادة «مبادرة الحزام والطريق» للنفوذ الصيني على طول أوراسيا، ومن ضمنها روسيا، فإنّ الحفاظ على ديناميكية إيجابية مع موسكو في آسيا الوسطى سيبقى واحداً من أكثر الاختبارات أهمية، التي ستواجهها الدبلوماسية الصينية. وقد استطاعت بكين حتّى الآن أن تضطلع بهذه المهمة.
تتعامل الصين بفطنة في تدبر أمر روسيا، لأنّ بكين تنخرط بشكل أساس في آسيا الوسطى في المسائل الاقتصادية دون القيام بأيّ دفع علني تجاه القضايا السياسية، أو العسكرية. ورغم تنامي القوّة الناعمة لبكين في آسيا الوسطى فهي لا تزال غير قادرة على منافسة الحضور الإعلامي الروسي في المنطقة، أو حقيقة أنّ الجامعات الروسية، وتحديداً تلك الموجودة في سيبيريا، لا تزال أكثر شعبية من مثيلاتها الصينية. رغم أنّ عدد الطلاب من آسيا الوسطى الذين يدرسون في الجامعات الصينية، والذين يتلقون غالباً رواتب كبيرة من الحكومة الصينية، هو في ارتفاع. فما بين 2005 و2015 ازداد عدد الطلاب الكازخيّين الذين يدرسون في الصين من 781 طالباً إلى 13198 طالباً، وذلك في الوقت ذاته الذي تقوم به الحكومة الصينية الآن بتقديم ثلاثة وعشرين نوعاً من المنح الأكاديمية للمواطنين القرغيز الذين يرغبون بالدراسة في المؤسسات التعليمية الصينية العليا.
كانت بكين فاعلة في تدبر أمر مخاوف الروس من مكانتها في آسيا الوسطى بشكل جزئي، لأنّه ليس بيد روسيا حيلة بخصوص التأثير الذي تمارسه الصين في المنطقة. ولا يمكن لموسكو أن تنافس الصين اقتصادياً، وقد عزلت المسألة الأوكرانية نخباً سياسية بارزة في آسيا الوسطى. ولكن رغم ذلك فلا تزال الأهداف الصينية في المنطقة (التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي وإبقاء الغرب بعيداً) إمّا متوافقة مع الأجندة الروسية، أو على الأقل غير متعارضة مع المصالح الروسية على المدى القصير.
قوة ناعمة وقوة صلبة؟
إنّ الأولوية المطلقة للصين في آسيا، هي: تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي من خلال التنمية. فتبعاً للفوضى التي عصفت شرق المتوسط منذ 2011 وأوكرانيا منذ 2014، فإنّ الصين وروسيا كلتاهما تخشيان من عدم استقرار سياسي ومن تظاهرات شعبية محتملة تجتاح المنطقة، وكلتا الدولتين تسعيان للحفاظ على الوضع السياسي القائم وتناهضان تغييره. ولا يزال كلا البلدين أيضاً قلقين من التطرّف الذي ينتقل من أفغانستان، أو من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، التي تحاذي بحدودها كلاً من الصين وروسيا. ورغم أنّ لكلا البلدين مصالح متناظرة متمثلة في الحاجة إلى احتواء المتطرفين، فإنّ مقاربتهما للاستقرار الأمني في المنطقة مختلف. تركز روسيا عموماً على القوّة الصلبة في آسيا الوسطى (القواعد العسكرية وصفقات الأسلحة والتعاون لمكافحة الإرهاب عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعيCSTO).
بينما تركّز الصين جهودها لاستقرار المنطقة عبر القوّة الاقتصادية، وليس الأدوات العسكرية أو الأمنية. فعلى عكس موسكو، ليست بكين راغبة بتسليط الضوء على تأثيرها الجيوسياسي، أو أن تدّعي بأنّ المنطقة جزء من «مجال نفوذها المميز». فالحفاظ على تأثيرها في بحر الصين الجنوبي هو أكثر أهميّة بكثير بالنسبة لبكين من استعراض قوتها في آسيا الوسطى. ولذلك وبدلاً من ذلك تسعى الصين لإنشاء منطقة استقرار حول إقليم جيانجيانغ النامي الفقير وغير الهادئ في غربي الصين، حيث يقطن مسلمو الأوغور الأتراك.
خيار إستراتيجي أم تنافس تجاري؟
إن الهدف الصيني الإستراتيجي الثاني في آسيا الوسطى، هو: إيجاد أسواق خارجية للشركات الصينية الناشطة في مجال الإعمار وتنمية البنية التحتية، وذلك كجزء من «إستراتيجية الانطلاق خارجاً». يساعد هذا في تقليل السعة الفائضة في هذه القطاعات في الصين، ويخلق فرصاً للشركات الصينية والعمّال في الخارج.
وكذلك تسعى الشركات الروسية للمنافسة على مشاريع بنى تحتية متنوعة في آسيا الوسطى، وهو القطّاع المزدحم أساساً باليابانيين وبالكوريين الجنوبيين وبالأتراك وبغيرهم، ومعظمهم أكثر قدرة على التنافس من نظرائهم الروس. يساعد ازدحام هذا المجال على تقليص إمكانية حدوث شرخ تجاري مباشر بين روسيا والصين بسبب برامج بكين الخارجية في آسيا الوسطى.
«مبادرة الحزام والطريق» كحافزٍ
أمّا ثالث أهداف بكين، وهو الذي يمكن لمسه بشكل واضح في «مبادرة الحزام والطريق، فهو أن يتم بناء شبكات للنقل يمكنها أن تساعد في دعم تدفقات الصادرات الصينية. ترى الصين، في هذا الأمر مشروعاً طويل الأمد سوف يساعد على تنمية معظم أقاليم غربي الصين، عبر وصلها بالأسواق العالمية من خلال شبكة سكك حديدية وطرقات سيارات في الأعوام التالية.
لقد جُذبت روسيا بشكل مباشر إلى هذا المشروع عبر «ممر الصين- روسيا- منغوليا الاقتصادي»، والخطة التي أُعلن عنها صيف 2017 لتضمين القطب الشمالي في «مبادرة الحزام والطريق». إنّ تمّ إنشاء شبكة النقل هذه، فسوف تعصرن وتوسّع شبكات الطرق والسكك الحديدية بين البلدان. كما أنّ الصين ناشطة في مشاريع سكك حديدية روسية أخرى، وهو الأمر الذي يشير إلى أنّ الكثير منها، إن تمّ إنشاؤها، سوف تصبح جزءاً من رؤية «مبادرة الحزام والطريق».
عندما يتعلق الأمر بـ«الحزام والطريق» فإنّ الصين مهتمة بخصوص الأرباح قصيرة الأجل، وتتوقع أن تخسر ما يصل إلى 30% من استثماراتها في آسيا الوسطى. ورغم ذلك فهي تستمر في بناء الطرقات والجسور والقنوات والطرقات السريعة على طول الإقليم، مع خطط طموحة بوصلها بغيرها من مشاريع البنى التحتية القريبة من أوروبا، وهي الوجهة النهائية للمبادرة حيث الاستثمارات الصينية هي أيضاً في تصاعد في قطاعات النقل والخدمات اللوجستية.
إنّ «مبادرة الحزام والطريق» هي رؤية دافعها الرئيس هو تدفق المعلومات والتجارة من الصين، وليس من الولايات المتحدة أو أوروبا. وإن نجحت المبادرة فسوف تساعد على تسهيل تحقيق الأهداف الروسية- الصينية المشتركة، في تسريع نقل القوّة العالمية من الغرب إلى الشرق.
إن معظم الروافع الثقيلة لخطّة البنى التحتية قد تمّت. الخطوط الثلاثة الأولى لأنابيب الصين- آسيا الوسطى التي تجلب الغاز من آسيا الوسطى إلى الصين، تمّ الانتهاء منها بشكل كلي عام 2014. وفي حين أنّ مبادرة الحزام والطريق قد أصبحت إطاراً واسعاً لتوحيد مشاريع الاستثمار المستقبلية والحالية في المنطقة، فإنّ التجارة هي ما تقود علاقات الصين بآسيا الوسطى. لقد ازدهر حجم التجارة بين الصين والدول الخمس الإقليمية منذ التسعينيات عندما انتقل من 350 إلى 750 مليون دولار سنوياً. ووصل حجم التجارة في عام 2016 إلى 30 مليار دولار وهو الرقم الذي يقزّم حجم التجارة السنوية الروسية مع الإقليم. شكّلت صادرات الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية الأساس لهذا النمو، لتشمل مليارات الدولارات في مشاريع البنى التحتية المتعلقة بالطاقة، وبالاستحواذ على أصول الطاقة في آسيا الوسطى.
لقد غافل النمو الاقتصادي للصين في المنطقة روسيا والغرب على السواء. ففي الوقت التي كانت فيه موسكو تسعى في بداية الألفية للتصدي للخطط الغربية بإنشاء خطّ أنابيب يعبر البحر الأسود لينقل الغاز التركماني وغيره من آسيا الوسطى إلى أوروبا، دخلت الصين على الخط وهيمنت بسرعة على السوق التركماني. واليوم تعدّ السوق الرئيس للبلاد فيما يخصّ الغاز، وفي النهاية مصدرها الأساس لرأس المال الأجنبي. تعتمد تركمانستان اليوم بشكل كلي على الصين لبيع غازها، وهو الاعتماد الذي نشأ من الصفر عام 2007 عندما تلقت شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) رخصة التنقيب واستخراج الغاز في برّ تركمانستان، لتصبح الشركة الأجنبية الوحيدة التي تحوز مثل هذه الحقوق.
الصين تسعى لتقليل النفوذ الروسي؟
إنّ لصعود الصين كلاعب مهيمن في مجالات طاقة المنطقة وبناها التحتية، بالتزامن مع حضورها المتنامي كمقرض تختاره آسيا الوسطى (وكذلك روسيا)، عواقب سياسية عميقة قد تقلق موسكو بشكل نظري. فمنذ عشرة أعوام كانت تعتمد المنطقة غير الساحلية على روسيا لتصدير سلعها ومواردها الطبيعية إلى الأسواق الدولية. منح هذا الأمر موسكو امتيازاً كبيراً للحفاظ على قبضتها محكمة حول ما تعتبره منطقة نفوذها المميز. لكن في النهاية قامت الصين، وليس الغرب، بكسر احتكار موسكو لطرق تصدير الطاقة من آسيا الوسطى من خلال خطوط أنابيب الصين- آسيا الوسطى، والتي بدأ إنشاؤها في عام 2007. علاوة على ذلك فإنّ مبادرة بكين للحزام والطريق، وليس مبادرة واشنطن، هي التي تحمل تأثيراً أكبر في المنطقة، وفرصة جيدة لوصل آسيا الوسطى بالأسواق الخارجية غير الروسية.
لطالما كانت روسيا تقليدياً هي الشريك التجاري الرئيس لآسيا الوسطى، لكنّ الروابط التجارية بينها وبين الإقليم قد ضمرت على طول العقد الماضي. وصل حجم التجارة الثنائية بين روسيا والإقليم إلى 18،6 مليار دولار في عام 2016 بالمقارنة مع 30 مليار دولار للصين في الفترة ذاتها. سرّعت المشاكل الاقتصادية لروسيا منذ 2014 تضعيف موقعها في المنطقة. ففي 2016 على سبيل المثال: ألغت قرغيزستان مشروعاً مع عدّة شركات روسية من أجل بناء خمسة معامل طاقة كهرومائية بسبب عدم قدرة الشركات الروسية على تأمين التمويل. وهو ما أثار الأسئلة حول قدرة روسيا الحقيقية ورغبتها في الاستجابة إلى مشاكل الأمن في المنطقة وممارسة النفوذ هناك.
لكنّ روسيا وبأيّة حال تسعى جاهدة للحفاظ على قوتها الناعمة، عبر الروابط الثقافية والتلفاز الناطق بالروسية والأفلام وغيرها من وسائل الإعلام. كما أنّها تسعى إلى الحفاظ على تأثيرها السياسي والعسكري في المنطقة، وإلى وضع حدود للدور الغربي في هذه الفضاءات. والهدف الأخير مشترك مع أهداف بكين في آسيا الوسطى، رغم أنّها تتعامل بحذر من أجل مراعاة موسكو فتمتنع عن إظهار قوتها العسكرية في الإقليم وتترك غالبيّة القضايا الأمنية لموسكو.
فعندما يحدث تعاون ثنائي في القضايا الأمنية بين الصين ودول آسيا الوسطى يتم ذلك بهدوء شديد، وينحصر بالتهديدات الأمنية الواقعة على المؤسسات الدبلوماسية والاقتصادية الصينية، أو بتهديدات المتطرفين من جماعات الأوغور ضدّ الصين وهي القضيّة غير الجدلية بالمرّة بالنسبة لروسيا. وتتم معالجة المسائل الأمنية الأوسع عبر «منظمة شنغهاي للتعاون»، وهي المنصة التي تهيمن عليها روسيا والصين منذ إنشائها عام 2001.
وبدعم قويّ من روسيا توسعت المنظمة لتشمل الهند وباكستان في عام 2017. يمكن للمرء أن يجادل بأنّ هدف هذا التوسع كان الجهد الروسي الرامي لتليين التأثير الصيني في المنظمة، وتركيز اهتمامها على أفغانستان بدلاً من آسيا الوسطى. بأية حال، فإنّ ضمّ قوتين آسيويتين جنوبيتين رئيستين قد حوّل «منظمة شنغهاي للتعاون» إلى منظمة متعددة الأطراف أكبر، تخدم الهدف الروسي- الصيني في خلق نظام عالمي ذي أقطاب متعددة.
الحفاظ على النفوذ أم تطوير الإقليم؟
رغم ترحيب دول آسيا الوسطى بـ«مبادرة الحزام والطرق» فإنها، باستثناء كازاخستان، لم تطوّر أيّة خطط واسعة النطاق من أجل تحديث بنيتها الداخلية، أو من أجل خلق فرص اقتصادية وصناعية جديدة يمكنها أن تنتفع من رؤية المبادرة. يثير هذا الأمر السؤال حول ما إذا كانت المبادرة ستقوم ببساطة بتحويل دول آسيا إلى سلسلة من دول الترانزيت، أو إن كانوا قادرين حقاً على التطوّر إلى اقتصادات أكثر ديمومة تستفيد من مشاريع البنى التحتية الجديدة.
ليس في مصلحة روسيا أن يقوموا بذلك، حيث سيقلل هذا من التأثير الروسي على الإقليم. والصين لا تدفعهم للقيام بذلك بشكلٍ نشطٍ أيضاً: فأولوية بكين هي ضمان إطلاق المبادرة لعملية التصنيع على الجانب الصيني من الحدود، رغم أنّ بعض المحللين الصينيين يتوقعون أن تصبح هذه الأقاليم الحدودية مراكز صناعية كبرى في القريب العاجل. ويثير هذا سؤالاً جوهرياً حول الأهداف الكليّة لـ «مبادرة الحزام والطريق»، وعن كونها ستفعّل الاستقرار في جيانجيانغ أو في آسيا الوسطى السوفييتية سابقاً أو ستحسن معايير العيش الإقليمية.
علاوة على ذلك، فإنّ الاستثمارات الصينية في آسيا الوسطى غالباً ما تتمّ بطرق غير شفافة ينتفع منها النخبة عموماً. إنّ نموذج التنمية الاقتصادية الصينية في المنطقة يعزز الفساد ويفضّل الصينيين على حساب العمّال المحليين، وهو الأمر الذي يخلق استياءً محلياً، ويخاطر بعدم معالجة أحد مشاكل الإقليم الأمنية الرئيسة: أي المستويات المرتفعة من البطالة أو البطالة المقنعة.
ورغم ذلك فلا تزال الحكومات المحلية ترى في الوجود الصيني ضامناً محتملاً لأمن الأنظمة. ليس لدى الصين أيّة توقعات باللبرلة السياسية التي يمكن أن تليّن سطوة أنظمة آسيا الوسطى على السلطة. كما لا تقوم الصين بأيّ جهد علني لمساءلة الدور الروسي في الإقليم، متفادية بذلك الديناميكية الصفرية التي أدّت إلى صراعات ضخمة بين روسيا والغرب، وقد تتسبب في التوتر في الإقليم. حتّى أنّ آسيا الوسطى ترى الصين كاحترازٍ ضدّ عدوان روسي محتمل، فهم واعون تماماً بأنّ الاستثمارات الصينية وتنامي اعتماد موسكو على بكين يزيد من تكلفة قيام موسكو بأيّ نوع من الحملات التي قد تضعف الاستقرار في المنطقة.
وبما أنّ القوّة الاقتصادية للصين في آسيا الوسطى ليست متناظرة عموماً مع خططها الطموحة لتعزيز أمنها أو بصمتها السياسية في الإقليم، فقد كانت قادرة على منع حدوث أيّ توتر عام مع روسيا. عقدت الصين بضع صفقات سلاح صغيرة، وكانت نشطة في تقديم مساعدات أمنية حدودية وعسكرية لبعض بلدان آسيا الوسطى، لكنّها ركزت جهودها على أضعف دول الإقليم: قرغيزستان وطاجكستان، وكلتاهما دولتان هامتان بالنسبة لروسيا. لكنّ الجهود الأمنية الصينية هناك صغيرة جداً بالمقارنة مع روسيا التي تملك قاعدتين عسكريتين في كلتيهما. كما أنّ بيع الصين السلاح لتركمانستان لم يزعج موسكو أيضاً تبعاً للتوتر التاريخي، وبسبب الروابط الاقتصادية الوثيقة بين عشق آباد وبكين من خلال مبيعات الطاقة والقروض. كما قامت الصين بدعم جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان.
في كانون الثاني 2017 بدا بأنّ الصين تتوجه نحو إنشاء وجود أمني دائم أكثر في الإقليم، بما يشير إلى رغبة الصين المتزايدة بالعمل بنفسها، وتحديداً في مناطق جيرانها الأضعف، كي تقارع خطر الإرهاب وتخدم هدف الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك فإنّ الصين تبدو مهتمة بأقصى ما يمكن بمعالجة التهديدات المباشرة لإقليم جيانجيانغ أكثر من اهتمامها بزيادة وجودها الأمني في عموم منطقة آسيا الوسطى. ولكن ليس من الواضح إلى متى ستستمرّ بكين في التنازل لموسكو عن معظم قضايا الأمن في آسيا الوسطى. في الوقت الحالي تبدو الصين راضية بدعم مصالحها من خلال القوّة الناعمة بدلاً من القوّة الصلبة، وهو النهج الذي أبقى على الخلاف بين موسكو وبكين في أدنى مستوياته في آسيا الوسطى.
ترى النخب السياسية في آسيا الوسطى عموماً في تنامي الوجود الصيني في المنطقة عامل استقرار. يؤمنون بأنّ الاستثمار الصيني في البنى التحتية سوف يساعد على تنويع اقتصاداتهم ويعزز التنمية الاقتصادية الأوسع ويخلق الوظائف، وهذا كلّه سيساعد على استقرار الاقتصادات التي تعاني، والتي تعتمد في الوقت الحاضر إمّا على استخراج الموارد الطبيعية، أو على التحويلات النقدية من العمالة المهاجرة. إنّهم يرحبون بـ«مبادرة الحزام والطريق» بوصفها جزءاً من رؤية أكبر لزيادة وصل المنطقة بعضها ببعض.