«وِزْر الإنجاب»... بعيون الرأسمالية
ألم تملّوا من كثرة ما سمعنا في العقدين الماضيين عن أننا همج وغير متحضرين لأننا ننجب الكثير من الأطفال؟ لابدّ أنّ أحدنا قد سمع من قبل بهذه العبارة أو بشبيهها: «شوف الأوربيين والأمريكان يا بيخلفوا ولد يا ما بيخلفوا، ولهيك اقتصادون أحسن مننا ولهيك مجتمعاتون أنضف مننا».
تعريب وإعداد: عروة درويش
ألم تملّوا من كثرة ما سمعنا هؤلاء «الليبراليين بالتبعية» وهم يعظوننا في أننا نحن من ندمر الاقتصاد والبيئة لكوننا غير «مثقفين» ونرغب بإنجاب الأطفال؟ يا لنا من مهملين لأننا نحبّ الطفولة! إنّ هؤلاء القائلين بهذه العبارات هم إمّا مغرر بهم لكثرة الضخّ الإعلامي الذي تعرضوا له، وإمّا أصحاب مصلحة يريدون إدامتها على حسابنا، وهم الذين يدفعون ويمولون الآخرين. وهم في كلتا الحالتين يبيعوننا مبادئ اقتصادية واجتماعية زائفة لا تمتّ للإنتاج والتنمية والرفاه بصلة.
تناقض بين الرأسمالية والبشرية
عندما ننادي بحريّة الأم والأب في الإنجاب، فيجب علينا أن نمنحهم أسس ممارسة الاختيار بحريّة قبل كلّ شيء، وليس أن نضعهم في ظروف الفقر المدقع والبطالة، وعدم التنمية الحقيقية، وعدم تأمين الرعاية الصحية، وعدم تأمين السكن، وعدم تأمين الرعاية النهارية للأطفال... إلخ ثمّ نتشدّق بأننا «حددنا النسل». إنّ مسألة الإنجاب من عدمه ذات حساب بسيط: النظام الرأسمالي القائم يرى في إنجابنا للأطفال دون تحكّم منه تهديداً له بكل المقاييس، والجنس البشري يعتمد على الإنجاب حتّى يستمر ويحقق رفاهه، وهنا يبدأ تناقض المصالح، وهنا يجب أن يبدأ البحث عن حلول للمشاكل التي خلقها نظام الأثرياء فيما يخصّ قدرة البشر على الإنجاب، وأن نبدأ بحلّها لمصلحتنا وليس لمصلحة القلّة الثريّة.
يجب أن ندرك بأنّ منطق الرأسمالية يريد أن يلقي بعبء وتكاليف إنجاب وتربية «عمّال ومستهلكي المستقبل» على عاتق الأفراد والأسر. وهذا هو السبب الجوهري، وليس الغيرة على التقاليد كما يدّعي المحافظون، الذي يدفع بهذا النظام إلى محاولة الحفاظ على أكثر أنماط الأسرة النواة رجعية، وإلى إحلال التبعية بين الزوجين محلّ التفاهم والود الذي لا يمكن أن يوجد دون تمكينهما اقتصادياً، وتوفير الظروف التي يمكن من خلالها أن يحبا ويحترما بعضهما البعض.
الإنجاب جريمة؟!
إنجاب الأطفال سيء على البيئة! أم أنّه خلل؟ أو انتظروا، إنّه شيء أناني لأنّ العالم في حالة جحيمية. اختر ما شئت، فمن المهم أن نتذكر بأنّه، وفقاً لليبراليين الذين يتحفوننا دوماً، فإنّ إنجاب المزيد من نوعنا هو بمثابة تشغيل مكيّف الهواء البارد والنافذة مفتوحة.
أو ربّما إنجاب الأطفال هو بمثابة... دعونا نحزر... وضع الإسمنت في المستوطنات الصهيونية غير الشرعية؟ تقول الروائية شيلا هيتي في نقد لاذع في كتابها (الأمومة): «تشبه أنانية الحمل بطفل، أنانية استعمار دولة ما. كم أشعر بالإهانة عندما أسمع بأنّ شخصاً ما قد أنجب ثلاثة أطفال أو أربعة أو خمسة... يا لهم من طماعين ومتغطرسين ووقحين».
إذا ما نظرنا إلى صـحيفة «الغارديان» وحدها، فسنجد على طول العامين الماضيين عناوين مثل: «هل يمكن أن تتخلوا عن الإنجاب من أجل إنقاذ الكوكب؟ قابلوا الثنائي الذي فعل ذلك» و«حان وقت كسر المحرّمات: الأهل الذين ندموا على إنجاب أبنائهم» و«أتريد إنقاذ زواجك؟ لا تنجب أطفالاً». وفي «النيويورك تايمز»: «دون أطفال من أجل التغيّر المناخي؟ بعض الناس بدأوا يأخذون الأمر باعتبارهم». وفي «بزنس إنسايدر»: «سبعة أسباب تجعل الناس لا ينجبون الأطفال، وذلك وفقاً للعلم». وقد وجد هذا المنطق الجديد دربه بسرعة ليدخل جميع مناحي الثقافة الليبرالية من أوسع أبوابها. تقول النسوية «الطريفة» كايتلين موران: بأنّ «الكوكب ليس بحاجة لأولادك». يبدو من الصعب عدم تلقيك لهذه الرسالة، ورغم ذلك فهي كما يبدو تقع على آذان صمّاء!
وفقاً لدراسة حديثة لمركز السيطرة على الأمراض والأوبئة، فإنّ الهوّة بين عدد الأطفال الذي ترغب النساء الأمريكيات في إنجابهم والعدد المحتمل أن ينجبنه: «قد ارتفع إلى أعلى درجة له في أربعين عاماً». لم يزد عدد النساء اللواتي يردن الإنجاب في المستقبل إلّا منذ عام 2002، والفئة العمرية الوحيدة التي شهدت تنامياً طفيفاً في معدلات الخصوبة هي ما بين الأربعين والخامسة والأربعين.
الفقر وحلم الإنجاب
كما صاغت «النيويورك تايمز» الأمر: «الأمريكيون يطورون قدرتهم على تجنّب الحمل غير المرغوب به بسرعة أكبر بكثير من تطويرهم لقدرتهم على تحقيق حمل مرغوب به». فمع معاناتهم من أكثر رعاية صحيّة باهظة في العالم - وعشرات الملايين لا يزالون غير مُؤَمنين- ومن عقود من الأجور الراكدة والارتفاع الهائل في تكاليف التعلم والسكن، لم يكن الإنجاب مكلفاً مثلما هو الآن. قدّرت وزارة الزراعة الأمريكية بأنّ التكلفة الوسطية لتربية طفل ولد في عام 2015 وحتّى يصل إلى عامه السابع عشر هي 233 ألف دولار، ولا يشمل هذا حتّى تكاليف التعليم الجامعي. لقد بات الحمل والإنجاب في هذا العالم حلماً لا يمكن للكثيرين أن يتحملوا تكلفته.
هنا تماماً في هذه المناهضة البغيضة للإنجاب تجد الليبرالية حليفاً لها في المحافظة. لقد وضعت «بروكينغز إنستيتيوت» تأجيل الأبوة كواحد من «ثلاثة قواعد بسيطة يمكن من خلالها للمراهقين الفقراء أن يصبحوا من الطبقة الوسطى». لا يختلف هذا السطر عن السطور التي كنّا نسمعها من المحافظين أمثال جورج ويل على مدار عقود: أنت فقير بسبب القرارات اللاأخلاقية التي اتخذتها.
إنّها تذكرنا بالحملة الأمريكية العنصرية دون خجل في منتصف التسعينيات حين انضمّ الجمهوريون إلى إدارة كلينتون للتنديد بكارثة: «الأمهات المراهقات غير المتزوجات» بوصفها تهديداً مهلكاً لصحّة الأطفال والقيم العائلية، أو كما صاغها اقتراح كلينتون في 1994: «قضيّة أساسية في المسؤولية الذاتيّة والتي تقرر الشخصية». فقد مضى في ذلك الوقت مجموعة من الديمقراطيين أبعد من ذلك حتّى في محاولة إصدار قرار يمنع جميع المعونات الغذائية وغيرها عن العائلات التي تعيل أمّا غير متزوجة وأطفالها.
رغم إشاعة الخوف من هؤلاء الأمهات الشابات اللواتي يفترض بأنّهن أنانيات ومخزيات، فقد كانت هؤلاء النسوة في حقيقة الأمر يسلكن الطريق الوحيد المتاح لعائلاتهن. جادلت الدكتورة آرلين جيرونيموس بأنّه، وعلى الرغم من محاولة المحافظين والليبراليين إلصاق العار بهؤلاء الأمهات المراهقات الفقيرات، فإنّ خيار النساء المنتميات لطبقة المداخيل المنخفضة بأن ينجبن طفلاً في عمر صغير يمثّل قراراً منطقياً تبعاً للقيود التي تكبلهن لكونهن فقراء في أمريكا:
«فإن استطاعت إيجاد عمل، فإنّ الأجور والمنافع التي ستحصل عليها لن تعوّض تكاليف كونها أمّاً عاملة. لا يمكنها أن تنتظر منحها إجازة أمومة، ولا يمكنها الحصول على رعاية نهارية مقبولة التكاليف لطفلها لتحررها من الاعتماد على أقربائها لحين عودتها من العمل... وستكون فرصتها الأكبر في سياق ارتباطها بالقوى العاملة، إن تزامنت سنوات طفلها ما قبل المدرسية مع سنوات ذروة حصولها على الدعم الاجتماعي والعملي الذي يقدمه لها أقاربها المتمتعون بصحة جيدة نسبياً».
الليبرالية تضيق
على الجماهير الكادحة
مع وجود هذه الهوّة بين رغبات النساء بالإنجاب والواقع المرهق لكونهن نساء عاملات، فما الذي يبرر أن يكون الكثير من الليبراليين الجدد مناهضين غريبين للإنجاب؟
فحتّى في فرنسا، وهي الشهيرة منذ وقت طويل بكونها دولة رفاه كريمة مع الإنجاب، فإنّ وزيرتها للمساواة الجنسية البالغة من العمر خمسة وثلاثين عاماً تشير إلى رغبتها في إعادة النظر في التزامات الدولة أمام الأمهات لتجعلها مبتذلة بقدر المستوى الأمريكي. قالت الوزيرة الفرنسية ميرلين شيابا مؤخراً لصحيفة «النيويوركر»: «فيما يخصّ النساء، فإنّ ردّة الفعل اللاإرادية في فرنسا أن تقول: ما الذي ستفعله الدولة لي؟ يا له من أمر مرعب، أليس كذلك!»
آفاق ضئيلة وتوقعات متقلصة وأن تفعل الكثير مقابل القليل: هذا هو برنامج الليبراليين في القرن الحادي والعشرين من أجل الجماهير الكادحة. أي: بكلمات أخرى: الاستمرار ببرامج الأربعين عاماً الليبرالية الخاصة بالتقشف، وهي التي نتج عنها الهجر التام لنضالات الحركة النقابية. لقد بات العيش الكريم وأن تملك منزلك وأن تحصل على تقاعد مريح مجرّد وعود مهجورة. والآن انضم إليها بكل تأكيد أن تحظى بطفل تربيه بشكل حسن.
بل الأكثر من هذا، يجد الليبراليون أنفسهم غير قادرين على تخيّل وجود أيّ طريق للخروج من جحيم هذه الحياة التي وصلنا إليها، ونحن في عام 2018. لقد بدأوا عوضاً عن ذلك يرون دورهم بوصفهم نوعاً من الحراس الأخلاقيين، حيث يقومون فقط بالمراقبة والإدارة الصارمة للانهيار. إنّهم «الليبراليون- اليساريون» الذين لم يعودوا يؤمنون بقدرتهم على تغيير العالم، بل باتوا على حدّ تعبير أدولف ريد يلمسون: أكثر مهامهم أهميّة في «كونهم شهوداً على المعاناة». فهم إمّا يعتقدون بأنّ التغيير الشعبي السياسي للانهيارات الرأسمالية والمناخيّة هو أمر مستحيل، أو ببساطة هم لا يرغبون بهذا التغيير. وفي كلتا الحالتين فإنّ جوابهم هو واحد: لا إحياء للحركة العمالية، بل اعتماد أخلاق التقشف والتضحية بالذات.
منطق الإنجاب وإملاءات السوق
يعني هذا بشكل حتمي: الطلب إلى الأسر أن تتأقلم مع منطق تربية أطفاله في ظلّ إملاءات السوق، وذلك بدلاً من تحدي هذه القيود غير الطبيعية. دعونا ننحني ونذعن وندّعي بأنّ هذا انتصار!
كان هذا السلوك ليربك رجال ونساء ألمانيا الشرقية على السواء لو فرض عليهم. فرغم الاتهامات التي كانت تكال للنظام في ألمانيا الشرقية بأنّه نظام شمولي، فقد كانت النساء يتمتعن أولاً: بدولة رفاه تساعدهن على تربية أطفالهن، فقد كانت الرعاية النهارية تبدأ بعد أسابيع من ولادة الطفل وتشمل من بين ما تشمل الإفطار والغداء. وثانياً: معدلات اشتراك في القوى العاملة أكبر بكثير من مثيلاتها في ألمانيا الغربية. تمّ تشريع الإجهاض في عام 1972، أي: قبل ألمانيا الغربية بوقت طويل جداً. وكان الطلاق بالنسبة للنساء في ألمانيا الشرقية أمراً سريعاً وسهلاً ودون تكاليف. وقد أثبتت الاستطلاعات بأنّهن كنّ يشعرن بالثقة بأنفسهن وبمظهرهن الخارجي وبالرضى الجنسي في زيجاتهن وعلاقاتهن بنسب أعلى بكثير من قريناتهن في ألمانيا الغربية.
والآن، عندما ننظر إلى ألمانيا الموحدة، نرى بأنّ الرعاية النهارية باهظة التكاليف وتنافسية، حيث هنالك نقص وطني في عمّال مراكز الرعاية النهارية يصل إلى 120 ألف عامل، وجميع هذه الأعمال هي من صنف الأعمال ذات الأجور المنخفضة بكل تأكيد.
في الشرق، وبعد انهيار جدار برلين على الفور، هوت معدلات الولادات بشكل رهيب. ورغم ذلك فلا تزال النساء في شرقي ألمانيا اليوم لديهن أطفال أصغر بكثير، وكذلك هوّة أجور أقل مع الرجال، من قريناتهن في الغرب. أمّا الهوّة في الأجور بين الجنسين في غرب ألمانيا فهي شبيهة بشكل كبير بتلك الموجودة في الولايات المتحدة.
إذا ما حاولنا أن نجد في عالم اليوم دولاً لديها التزامات قريبة من التي كانت ألمانيا الشرقية تقدمها لمواطنيها، فسنجد بأنّها الدول التي استطاعت فيها الطبقة العاملة المنظمة أن تحقق اختراقات ناجحة للترتيبات الرأسمالية. فالنساء الهولنديات، خلافاً لغيرهن من النساء «المذعنات»، وفقاً لعددٍ هائل من الدراسات هنّ الأسعد في العالم، وبالكاد تعمل أيّ منهن دوام عمل كامل. ويعود الفضل في ذلك للحشد النقابي، فقد استطاعت طبقتهن العاملة أن تربح وضع حريتهن كأولوية تعلو أيّ «واجب» تجاه وظائفهن أو تقييدهن بالأسرة النواة.
الأطفال كعمال ومستهلكي المستقبل
إنّ المنطق الجوهري للرأسمالية يدرك بأنّها بحاجة لوجود عمّال ومستهلكين، لكنّها لا تريد أن تدفع مقابل تربيتهم. فمن وجهة النظر الرأسمالية يجب إلقاء عبء وتكاليف هذه التنشئة على الأفراد وعلى الأسر.
وهذا المنطق هو الذي يجعل أجهزة الأمن والشرطة تلاحق بشكل حرفي الآباء البيولوجيين من أجل جمع أموال إعالة الأطفال. فعوضاً عن قيام الدولة برعاية مواطنيها وأبنائها بشكل جمعي، بأن تقدّم لهم رعاية الطفولة والرعاية الصحية والتعليم، فمن الأفضل للرأسمالية أن تجبر الأسرة النواة على البقاء مع بعضها. يشبه هذا تحويل الزواج إلى سجن بإلصاق الإكراه به.
لقد انتقلت الرأسمالية من الخطاب المحافظ في حقبة ما بعد الحرب، والذي تقول فيه للنساء بأنّهن مجرّد ماكينات حمل تؤدي واجبها، إلى إخبارهن بأنّ عليهنّ تأخير الحمل أطول فترة ممكنة كي يتمكّن من الحصول على مهنة ترقيهن في السلم الاجتماعي، وقد يطول هذا الأمر للأبد. وفي حين أنّ الطبّ الإنجابي يحقق خطوات هائلة، فإنّ الإخصاب المخبري وأدوية تعزيز الإباضة وتخزين البيوض هي مكلفة للغاية. ولهذا فدون وجود نظام رعاية صحّي عام فعّال فستكون هذه التطورات العلمية دوماً حكراً على الأثرياء.
إنّ الطلب إلى المرأة أن تؤجل إنجاب الأطفال حتّى تنطلق في مهنتها وتوفّر ما يكفي من المال هو الوجه الآخر للعملة التي نأمر فيها المرأة بالبقاء في المنزل، والتحوّل إلى ماكينة إنجاب لصالح زوجها. فمن يطلب من المرأة هذا يقوم في كلتا الحالتين بأنّ تمتنع عن الاستجابة لرغبتها والانقياد وراء الأفكار التجريدية القوية: السوق أو البيئة أو السلطة الأبوية أو حتّى النسوية المراوغة المنافقة.
يجب علينا أن نتذكر دوماً بأنّ الغالبية من الطبقة العاملة هي ليست في موقع يسمح لها بالاختيار في سوق العمل، ولن يكون لها هذا الاختيار مطلقاً. فالعمل بات مكاناً تقايض فيه ثلث حياتك من أجل أن تحافظ على حياتك ولا تموت فقط. لقد بات شعار «اعمل بما تحب» ونحن في 2018 مجرّد شعار فارغ ليس متاحاً إلّا للأثرياء. لم يعد أحدٌ يتوهم بأنّ إنجاب طفل وتربيته بشكل كفؤ في ظلّ نظام رأسمالي يحرم الناس من حقوقها الأساسية هو أمرٌ سهل.
في حين أنّ الليبراليين لا يرون في الرغبة بإنجاب الأطفال أكثر من رغبة باللهو في فيغاس: أي: استثمار مكلف وأحمق ومبتذل يقوم به السذّج في الغالب، فإنّ علينا أن نقف قبالتهم ونجبر رأس المال على تحمّل تكاليف إنجاب الأطفال وتربيتهم، ويتم ذلك بأنّ ننشئ برامج على نمط «صناديق الأطفال الفنلندية» و«الرعاية الصـحيّة للجميع»، والتي لا تغطي كامل تكاليف الرعاية ما قبل الولادة وفي مرحلة الطفولة وحسب، بل وتجعل كذلك التلقيح الصناعي حقّاً وليس ترفاً فقط.
إنّ الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نحصل على برامج توظف وتدرّب مئات آلاف الأشخاص للعمل في مهن الرعاية النهارية عالية الجودة، بهدف تسهيل عملية الإنجاب ورعاية الأطفال، هو عبر إطلاق وإعادة إحياء الحركة العمّالية، وليس عبر الأفكار الساذجة التي تهدف «للسيطرة على النسل»، وليس عبر العنصرية كذلك دون أدنى شك. إنّ الحرية الحقيقية للمرأة يجب أن تعني: قدرتها على تجنّب صيغة التخيير الخاطئ: «إمّا طفل أو تعليم أو مهنة» بشكل كلي. لكنّ هذا الخيار محصور في الوقت الحالي بالأثرياء فقط. وهذا ليس تطوراً ولا تقدماً بكل تأكيد... إنّه مجرّد لا مساواة.