الشركات الخاصة تستهدف مياهنا... تسليع حاجات الإنسان!
«اعتدنا القول بأنّ المياه مقدسة، لكن عليك الآن أن تكون ثرياً لتستعملها... أشعر بالغباء لكوني مضطرّة للدفع مقابل شرب المياه» سيفغي ديمير_ ربّة منزل من إسطنبول_ كيف بالإمكان تخيّل شخص يعيش في منطقة غنيّة بالمياه، وهو يستخدم مياهً أكثر من أجل الصرف الصحي، من المياه التي يستخدمها شخص يعيش في منطقة تعاني من ندرة المياه، من أجل الشرب وتحضير الطعام والنظافة والغسيل ليوم كامل؟
كيف بالإمكان تخيّل امرأة تعيش في منطقة غنيّة بالمياه تقوم فقط بفتح الصنبور للحصول على مياه تكفيها هي وعائلتها، بينما امرأة أخرى تعيش في منطقة تعاني من ندرة المياه تضطرّ للمشي أميال وأميال من أجل الحصول على كميّة مياه أقل بكثير وذات نوعيّة أسوأ؟ لمَ هذا؟ هل هو حظّ عاثر؟ أم لا مساواة؟ أم القدر؟ أم عدم الاستحقاق؟ أم أنّه جَوْر؟ أم أنّه كلّ ما سبق وزيادة؟
المياه: وجهات نظر مهيمنة
ليس هنالك ما هو آمن في عالم اليوم، من أن يتمّ استغلاله تجارياً من قبل رأس المال العالمي، ولا حتّى الموارد الحيويّة لنجاة البشريّة، واللازمة ببساطة لاستمرار الحياة والنظام البيئي. إنّ موارد المياه العذبة العالمية بالكاد تشكّل 2,5% من كميّة المياه الكليّة. ويتم اليوم التعامل مع موارد المياه المحدودة هذه بتلويثها وتغيير مساراتها واستنزافها بمعدلات مرتفعة، ممّا يترك عدداً متزايداً من المناطق التي تعاني من ضغط مائي. وفي ظلّ الظروف النيوليبرالية السائدة، حيث يحكم الاقتصاد الربحي ويسيطر على حساب البيئة، يحقق بعض مالكي الشركات أرباحاً هائلة من المياه، بينما يواجه الجميع صعوبات تهدد الحياة.
وفي ظلّ هذا الطلب المتزايد عليها، تفقد المياه كامل معانيها المجازية والمقدسة وتتحوّل إلى سلعة، أو منتج، أو بضاعة. حوّلت الرأسماليّة الطبيعة من مورد شائع إلى سلعة ربحيّة. ومن هذا المنظور، تعتبر الطبيعة غريبة عن البشر ومليئة بالمنتجات الماديّة الصالحة للاستهلاك والكسب. هنالك دون شكّ ارتباطٌ بين الانحطاط البيئي واللامساواة الاجتماعية: فالكيفيّة التي يتعامل فيها البشر مع بعضهم البعض، والكيفيّة التي يتعاملون فيها مع الطبيعة، هما أمران متشابكان دون القدرة على فصلهما.
الحلّ الذي تقدمه العولمة هو دوماً: الخصخصة. هذه الوصفة الشموليّة لجميع المشاكل العالمية تجدها لدى المنظمات الدوليّة، مثل: صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوربي. يقود البنك الدولي عملية تحويل المياه لسلعة من أجل المتاجرة بها عبر الضغط على الدول من أجل خصخصة وإعادة تخصيص الحقّ بالوصول إلى موارد المياه لصالح الشركات العملاقة. ويجب علينا في هذا السياق أن نتذكر أنّ كلمة «خصخصة» أصلها اللاتيني هو «privare» والتي تعني: «أن تحرم من».
وسيكفينا أن نعطي مثالاً من الإعلانات التجارية الشائعة الآن لندلل على هذا الحرمان. فالبنك الألماني التجاري «commerzbank» يترجم كلمة ماء إلى: «نفط القرن الحادي والعشرين». إنّه يشير إلى أنّ وجود 90% من موارد المياه في العالم تحت سيطرة العامّة، هو العقبة الرئيسة في مجال خدمات التزويد بالمياه، ويهلل البنك الألماني لكون المزيد والمزيد من المدن والبلدات تتجه نحو خصخصة موارد مياهها وأنظمة توزيعها، وأنّ تقديرات الأرباح المنتظرة تتجاوز 300 مليار يورو، فيقول: «المياه هي سوق محتمل التوسع مستقبلاً. عدد كبير من الشركات المتنوعة سوف تتربّح من الازدهار المتوقع في قطّاع المياه».
وكان بنك «دويتشه» بدوره جشعاً جدّاً ليعزز هذا «التوجّه الكاسح»، بالقول: «المياه، الذهب الأزرق، باتت شحيحة. وحتّى اليوم فإنّ المياه سلعة نادرة، إذا ما أخذنا النمو السكاني في الدول النامية والانتقاليّة بالاعتبار، ويبدو بأنّ الوضع مهيأ ليصبح أكثر حرجاً حتّى. ونقص المعروض من هذه السلعة هو في حدّ ذاته شرطٌ أساسيّ لتحقيق عوائد ممتازة». إنّ التهليل والفرح بشحّ المياه، وخاصة إذا ما اقترن بالنموّ السكاني، هو أمر مروّع، وهذا أقلّ ما يمكن قوله.
والتركيز العالمي في مجال موردي المياه الخاصين هائل، ويولّد أرباحاً مركزة. فقد سيطرت الشركتان الفرنسيتان «سويز» و«فيوليا» حتّى وقت قريب على ثلثي قطّاع خدمات المياه العالمي. فلدى «سويز» 160 ألف موظف حول العالم، 72 ألفاً منهم في قطّاع المياه. بينما لدى «فيوليا» 272 ألف موظف، 70 ألفاً منهم في قطّاع المياه. وتأتي بعدهما الشركة البريطانية «تاميس ووتر»، وهي التي تمّ إنشاؤها بعد خصخصة مارغريت تاتشر لخدمات المياه في المملكة المتحدة، ولديها 12 ألف موظف. لقد تخطّت الأرباح الكليّة لشركة «سويز» في عام 2007 (ويشمل ذلك أرباح جميع القطاعات) 130 مليار دولار، ليبدو أمامها الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول التي تعمل فيها مجرّد قزم.
عواقب خصخصة المياه
إنّ الوصفة الجاهزة التي تعطيها المنظمات العالمية لجميع المشاكل هي: الخصخصة ورفع القيود التشريعية، والمياه ليست استثناءً بالنسبة لهذه المنظمات: سواء أكان الأمر شحّ المياه، أم مياه الصرف الصحي، أم الاستهلاك الزائد، أم إنهاء التلوّث المائي، أم تطوير البنية التحتيّة، الذي سيجعل المياه سهلة المنال للجميع.
لكنّ الواقع يبدو مختلفاً في حقيقة الأمر. فقد كانت عواقب خصخصة المياه مدمّرة: فلا يمكن إعادة تجديد المياه بناء على «العرض والطلب». فقد أظهرت الدراسات: أنّ الخصخصة لم ترفع قدرة الفقراء في الوصول إلى مياهٍ نظيفةٍ، ولا قادت إلى نوعيّة مياهٍ أفضل أو خفضت أثمانها. بل على العكس، أدّى تسليع موارد المياه إلى مشاكل لا تنتهي.
فعلى سبيل المثال: عندما فتحت شركة تعبئة مياه مصنعاً لها في جافا في إندونيسيا عام 2002، استهلكت كميّة كبيرة من مياه النبع الواقع على بعد عشرين متراً فقط من مصدر المياه الرئيسيّ في المنطقة، ممّا أدّى لحصول الفلاحين على مياه أقلّ فأقلّ من أجل الري، وبدأت بعدها آبارهم بالجفاف. وخسر العديد من المزارعين مصادر رزقهم وتوقفوا عن ممارسة الزراعة. وكذلك قامت شركة «كوكا كولا» باستغلال احتياطيّ المياه الجوفيّة في ولاية كيرالا في الهند، والتي اشترت فيها أنهاراً بكاملها، لتحوّل أجزاءً كاملة من الولاية إلى صحراء مقفرة. والنزعة العامة التي تُقلق في خصخصة المياه ورفع القيود عنها، هي في عدم الحصول على المياه من قبل أولئك الذين لا يستطيعون دفع ثمنها. فالاستخدام الأمثل للمياه في نظام السوق المخصخص هو في نشاطات توليد الدخل: فبالفعل يتمّ استخدام 70% من المياه من أجل الزراعة، وحوالي 20% منها في الصناعة، وتذهب 10% إلى الاستخدامات المنزلية.
ففي حين أنّ موردي المياه في القطّاع العام لا يوجههم السعي نحو تحقيق الربح، ولا حتّى تغطية كامل تكاليف توفيرها، بل يتعاملون مع المياه بوصفها خدمة عامّة ضرورية، فإنّ الشركات تسعى بشكل حتمي إلى تغطية نفقات التوريد وتعظيم أرباحها لتستطيع النجاة داخل المنافسة القاسية. بالنسبة للناس العاديين فإنّ الحاجة العامّة للمياه هي من تحتاج إلى تغطية، بينما يتعامل معها القطّاع الخاص باعتبارها سلعة كباقي السلع.
يسعى موردو المياه من القطّاع العام إلى حماية أولئك غير القادرين على دفع تكاليف المياه عبر تقليل الأثمان، أو الإعانات، أو حتى المياه المجانيّة، في حين لا يتشارك البائعون التجاريون هذه المسؤولية، أو الالتزام اتجاه من هم بحاجة. إنّ مزودي خدمات المياه العامّة في موقع يؤهلهم لإبقاء أثمان المياه مستقرّة لأعوام وأعوام، بينما يقوم البائعون الخاصون برفع الأسعار بسرعة وسهولة، وذلك من أجل ضمان تحقيق هامش ربحٍ واسعٍ.
يعزز موردو المياه من القطّاع العام النقاشات والإجراءات بهدف تقليل الاستهلاك، بينما تتوق شركات المياه التجارية لتعزيز الإفراط في الاستهلاك من قبل أولئك القادرين على تحمّل كلفتها، طالما هم قادرون على توليد المزيد من الشحّ الذي يزيد من نموهم وأرباحهم. لكنّ الاستهلاك المفرط يؤدي إلى الاستنزاف السريع لأحواض المياه الجوفية وعدم الاستقرار البيئي. ويولي موردو القطّاع العام العناية بما يتعلق بنوعيّة المياه، وبالحماية البيئيّة، وبعمليات التوريد، التي يعتمد عليها وبأفضل المعايير وبالصالح العام، بينما تهتمّ الشركات الخاصة_ بطبيعتها_ بأمر واحد: تعظيم الربح والمكاسب، وكلما كان ذلك أسرع كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لها.
بعد عمليات الخصخصة، عانى الزبائن في جميع أنحاء العالم من زيادة في الأسعار، تراوحت ما بين 15% إلى 50%. مثال: شركة ««EnBW التي حصلت على عقود خصخصة المياه في شتوتغارت في ألمانيا. فرغم بقاء أسعار المياه مستقرّة لأعوام، فأول شيء قامت به الشركة بوصفها «المالك» الجديد للمياه، هو: زيادة الأسعار، لتبدأ بزيادة بنسبة 6%، ثمّ تلتها زيادة بنسبة 7,5%. حققت شركة ««EnBW نتائج قياسيّة في عامها المالي ذاك، حيث وصلت أرباحها إلى 42%.
ومن أبرز النتائج الثانويّة لخصخصة المياه، هي: الزيادة الهائلة في مبيع المياه المعلّبة. فرغم أنّ هذه السلعة لا تختلف كثيراً عن مياه الصنبور المعالجة، فإنّ المزيد والمزيد من الناس يتجهون، كنتيجة لخوفهم على أنفسهم، وعلى عائلاتهم، وبسبب الحملات الإعلانيّة الناجحة، يشترون المياه بأسعار عالية لا تتناسب مع ما تستحقه. وهنالك كذلك شكوك في أنّ ترك شبكات البنية التحتيّة تترهل وتفسد قد تمّ عمداً من أجل تعزيز أرباح الشركات، بالترويج لعدم إمكانيّة شرب مياه الصنبور. والمياه المعلّبة متوفرة بأحجامٍ وأشكالٍ متنوعةٍ، ولكن دوماً بعبوات بلاستيكية. وملايين العبوات البلاستيكية هذه تنتج آلاف الأطنان من الفضلات التي تثير نوعاً شديد التلويث البيئي. وإذا ما أخذنا بالحسبان نقل المياه المعلبة من مكان لآخر، والذي يقطع في بعض الأحيان مسافات طويلة جدّاً، يمكننا أن نقول: إنّ المياه المعلبة تسبب كمّاً هائلاً من الانحلال البيئي.
وهنالك مشكلة أخرى، تتمثّل في حقيقة رغبة شركات المياه باستنزاف مصادر المياه حتّى آخر قطرة، وذلك دون التفكّر بالبيئة، أو بإعادة تجدد المياه العذبة، أو بعواقب الأمر على السكان المقيمين، أو بالتصحّر الذي يصيب مناطق بأكملها.
موقف الأمم المتحدة من المياه
إنّ مسألة كون المياه التي لا غنى عنها للحياة «حقّاً بشرياً» أم «حاجة عالميّة» أم «منتجاً اقتصادياً»، كانت موضوعاً للجدل لفترة طويلة جدّاً. وقد شدّدت إحدى الحجج المقنعة بأنّ من صاغ تشريعات حقوق الإنسان الأصليّة، لم يضع فيها الماء كحقّ بشري، لأنّه افترض بأنّ المياه مثلها مثل الهواء، أساسيّة للحياة بشكل واضح، بحيث أنّ كونها من حقوق الإنسان لم يحتاج لإشارة خاصّة. وقد اعترفت «اتفاقيّة الأمم المتحدة حول إلغاء كامل صيغ التمييز ضدّ المرأة» و«الاتفاقيّة بشأن الإنسان والإعاقات» و«الاتفاقيّة بشأن حقوق الطفل» جميعها اعترفت بحقّ الإنسان بالحصول على المياه.
بأيّة حال، فقد أعلن بيان دبلن عن المياه والتنمية المستدامة، وهو الذي تمّ تبنيه في كانون الثاني 1992 في المؤتمر الدولي للمياه والبيئة، بأنّ المياه «منتج اقتصادي» ذو قيمة اقتصاديّة. أي أنّه أعلن بأسلوب الشركات النموذجي: «لقد أدّى الإخفاق في الماضي في الاعتراف بالقيمة الاقتصادية للمياه، إلى استخدامات مسرفة ومضرّة بالبيئة والموارد. إنّ إدارة المياه بوصفها منتجاً اقتصادياً هي طريق هامّ لتحقيق استخدام فاعل وعادل، وكذلك لتشجيع الحوار وحماية موارد المياه».
أعلن منتدى الأمم المتحدة للمياه عام 2000 بأنّ المياه «حاجة» أساسيّة. رغم ذلك، فالحاجة في الاقتصاد الرأسمالي ليست حقّاً. فإن كانت المياه حقّاً، فالحكومات مسؤولة عن توريد المياه لمواطنيها. لكن بوصفها حاجة، فبإمكان الشركات الخاصة أن تستمرّ في تسليعها على مستوى العالم.
ولهذا كانت خطوة مهمّة قيام لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية، في تشرين الثاني 2002، بالاعتراف بأنّه: «وفقاً للتصريح العام رقم 15... فإنّ حقّ البشر في المياه هو مطلق من أجل قيادة الحياة إلى الكرامة الإنسانيّة. وهي شرطٌ لازمٌ لتحقيق جميع حقوق الإنسان». وعلى الدول أن تضمن: «تخصيص موارد المياه والاستثمار فيها وفي منشآتها بحيث تحقق وصول كامل أفراد المجتمع إليها». هنا تمّ اعتبار الوصول إلى المياه حقّاً إنسانياً، واعتبار المياه منتجاً اجتماعياً وثقافياً، وليس فقط سلعة اقتصادية، حيث يملك الجميع حقّ الوصول إلى: «المياه بشكل فعّال وبكلفةٍ يمكن تحملها وبشكلٍ متاحٍ مادياً، وذلك للاستخدام الشخصي والمنزلي».
وأعلنت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق المياه التي تشكلت للإشراف على تنفيذ ما اتفق عليه، بأنّ على إدارة المياه أن تكون خاضعة للسيطرة العامّة، وبأنّ «الدول ملزمة عموماً بأن تتخذ الإجراءات التي تسهّل الوصول إلى المياه وأنظمة الصرف الصحي». ولكنّ صندوق تمويل تنمية المرأة في الأمم المتحدة قد أضاف: «في حين أنّ هذا لا يعني ضمنياً أنّ على الدولة أن توفّر وصول جميع الأشخاص والمنازل إلى مياه الشرب الأمنة بشكل مباشر، فهذا يعني أنّ على الدولة أن تتحمّل المسؤوليّة القصوى لضمان وصول كلّ شخص إلى كميّة المياه المطلوبة لإدامة الحياة وتحقيق الاحتياجات الأساسيّة».
وكانت الخطوة الأهم في طريق تعزيز الحقّ العالمي بالمياه هي: قرار الجمعيّة العامّة الصادر في 28 تموز 2010 «بتصويت 120 لصالح القرار، ولا أحد ضدّه، و41 امتنعوا عن التصويت»، والذي أعلن أنّ الوصول إلى المياه الآمنة والصرف الصحي هو «حقّ إنسانيّ أساسيّ للتمتّع بحياة كاملة وبجميع حقوق الإنسان الأخرى». وقد التمست الجمعية العامّة كذلك من عدّة دول أعضاء ومنظمات دولية أن «تقدّم التمويل والتكنولوجيا وغيرها من الموارد من أجل مساعدة الدول الأفقر على رفع جهودها في توفير مياه شرب وصرف صحي نظيفة وقابلة للوصول ويمكن تحمل نفقتها للجميع».
ما هو المفقود في وجهة النظر المهيمنة؟
حتّى نلبي الحدّ الأدنى من مياه الشرب والصرف الصحي، فنحن بحاجة إلى ما بين 20 إلى 40 لتراً من المياه النظيفة العذبة لكلّ شخصٍ يومياً. لكنّ استهلاك الفرد للمياه في ألمانيا هو 130 لتر لكل شخصٍ يومياً، وتتجاوز الـ 200 لتر في الولايات المتحدة. وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإنّ المياه غير النظيفة، والصرف الصحي السيء، هما السببان الرئيسان في الصحّة السيئة حول العالم. يفتقد 184 مليون شخص، أو 1 من أصل كلّ 8 أشخاص، للوصول إلى مياه شربٍ آمنةٍ، ويتجاوز عدد من لا يمكنهم الوصول إلى خدمات الصرف الصحي الرئيسة 2,6 مليار شخص، أو 40% من سكان العالم.
يموت كلّ عام 3,5 مليون شخص من أمراض متعلقة بالمياه. الإسهال الذي يسببه نقص مياه الشرب الآمنة والتعقيم والصرف الصحي، ووضع التغذية والعناية الصحية السيئة، هو ثاني أكبر مسبب للموت بين الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة من عمرهم. يموت حوالي 1,5 مليون طفل من الإسهال كلّ عام. ويموت طفل كلّ 25 ثانية من مرض متعلق بالمياه، مثل: الإسهال والكوليرا والزحار والتيفوئيد والدودة الغينيّة والتهاب الكبد الوبائي. يعيش قرابة 40% من سكان العالم في مناطق فيها ضغط مياه ما بين المتوسط والمرتفع. من المقدّر أنّه بحلول عام 2025، سيعيش ثلثا سكان العالم، أو 5,5 مليار شخص، في أماكن تواجه ضغطاً في المياه.
تضاعف استخدام المياه العالمي ستّ مرّات في القرن الماضي: ففي الكثير من الأماكن، يتمّ استهلاك المياه الجوفيّة بسرعة أكبر من قدرتها على إعادة التجدد، ولهذا فقد تقزّم حوض المياه الجوفية. بحلول عام 2020 يمكن أن يموت أكثر من 135 مليون شخص من الأمراض المتعلقة بالمياه، وهو رقم أعلى بكثير من الذي تمّ توقّع موتهم من جائحة مرض الإيدز. وحتّى في هذه الجائحة، فإنّ نقص المياه يشكّل سبباً رئيساً فيها: فالكثير من الوفيات التي أضعف الإيدز جهازها المناعي، قد أصيبوا به ضمن عوامل متعلقة بالمياه القذرة.
بصيص أمل
مهما كانت الحال سيئة فيما يتعلق بالمياه، فنحن لم نخسر كليّاً بعد. لقد انتصر حقّ الإنسان في عدّة مواقع على الشركات. فقد تمّ تحريم خصخصة المياه في دول، مثل: هولندا والنرويج وأورغواي. وتمّ في مدن، مثل: بوتسدام الألمانيّة وغرينوبل الفرنسيّة وكوتشابامبا البوليفيّة_ المشهورة بحرب المياه فيها_ وإعادة موارد المياه إلى سيطرة القطّاع العام، بعد فشل الخصخصة فيها. لكن تبقى هذه الحالات المتفائلة هي الاستثناء وسط الزحف الخبيث نحو خصخصة المياه. لم يكن أحد ليتخيّل منذ عقود أنّه سيدفع ثمناً للمياه. أتساءل: كم سيطول الأمر حتّى تغتنم الشركات الكبرى الفرصة لتبيعنا الهواء الذي نستنشق، وتجني منه أرباحاً كبيرة؟ وكمال قال ماود بارلو: «هذه هي مهمتنا: ألّا نرضى بأقلّ من إعادة المياه لشيوعها من أجل الأرض وجميع البشر، الذين يجب أن يتشاركوها بحكمة واستدامة من أجل بقائنا. لكنّ هذا لن يحدث ما لم نتحضّر ونرفض مبادئ العولمة المبنيّة على السوق».