جويل ليكسين تعريب: عروة درويش جويل ليكسين تعريب: عروة درويش

الصناعات الدوائية والرأسمالية المعاصرة... فليمت الناس ويستمرّ الربح!

بقيت الصناعات الدوائية على الدوام قريبة من رأس القائمة فيما يخصّ تحقيق الأرباح. وتقول الأسطورة: أنّ أساس هذا الربح هو إنتاج وبيع التطوير العلاجي الذي ولّدته الأبحاث، التي تقوم بها هذه الصناعات، لكنّ الحقيقة مختلفة عن ذلك بشكلٍ كلي. ففي واقع الأمر، لا تتجاوز نسبة ما يذهب إلى الأبحاث من الأموال التي تنفقها هذه الصناعات بعد الاقتطاعات الضريبية حوالي 1,3% من هذه الأموال.

 

علاوة على أنّ المنتجات الدوائية الجديدة، التي تعرضها الشركات، لا تضيف شيئاً في الغالب على الخيارات العلاجية المتاحة. مثال: تمّ في العقد ما بين 2005 و2014 إدخال 1032 عقاراً دوائي جديد ذو استعمالات جديدة إلى السوق الفرنسية، وقامت جمعيّة الوصفات الدوائية الدولية بفرز هذه العقارات، وخلصت إلى أنّ 66 عقار منها فقط كان ذو نفع مطوّر، بينما تمّ تصنيف أكثر من نصفها بأنّه «لا يحمل أيّ شيء جديد»، وحكم على 177 منها بأنّها «غير مقبولة» لأنّها تؤدي إلى مشاكل جديّة على الصحّة ولا تقدّم بالمقابل أيّ نفع.
التحايل لزيادة الأرباح
تقوم الصناعات الدوائية بتبرير مستويات الربح المرتفعة لديها بالادعاء: أنّ تطوير العقاقير أمر خطر بطبيعته. ولهذا تقول الشركات بأنّ نسبة التوصل إلى دواء جديد هي واحد من كلّ ألف محاولة. ورغم أنّ هذه النسبة قد تكون صحيحة، فإنّ التوصل لتطوير دواء جديد يحدث غالباً في المراحل الأولى من التطوير، أي عندما تكون الكلفة منخفضة جدّاً.
إنّ التكلفة المعلنة اليوم لتطوير دواء وإنزاله إلى السوق، هي 2,6 مليار دولار، تتأتّى عن بيانات سريّة، وطرق حسابها والوصول إليها تتعرض لانتقادات واسعة النطاق. لو كان تطوير العقاقير أمراً خطراً لهذه الدرجة، لتوقّع المرء أن تعاني الشركات من فترة لأخرى من هبوط ونزول في ثروتها. لكن على العكس، فمنذ عام 1980، حققت جميع شركات الأدوية العملاقة نجاحات ماليّة باهرة. فكما أشار الطبيب ستانلي فينكلستين والاقتصادي بيتر تيمين، وكلاهما من معهد «ماساشوستس» للتكنولوجيا: «لا يهمّ عدد المرات التي حذر فيها محللو الصناعات الدوائية من أنّ شركة ما سوف تختفي بانتهاء فترة صلاحية براءة اختراع دواء ما، فإنّ هذا لم يحدث أبداً».
ورغم استمرار مستويات الأرباح المذهلة، تعاني الشركات الدوائيّة من أزمة ثلاثيّة الأسباب، السبب الأول: هو انتهاء صلاحيّة براءة الاختراع، الذي أدّى إلى خسارتها لعائدات تقدّر بحوالي 75 مليار دولار ما بين 2010 و2015. أمّا الثاني فهو: التراجع في خطوط إنتاج أدوية جديدة. والثالث هو: الضغوط التي تتعرّض لها من تحديد الأسعار في الكثير من البلدان، ومنها: الولايات المتحدة.
وتنعكس هذه الأزمة في تمدد «رأس المال المالي»، وانتقال جاذبيّة النشاطات الاقتصادية من الإنتاج إلى التمويل بوصفه سمة رئيسة في الرأسمالية المعاصرة. يقول، بيدرو كواتيركاساس، من قسم علم العقاقير والدواء في جامعة كاليفورنيا: «يضع حاملو الأسهم والمصارف المستثمرة والمحللون، وهم الذين لا يعلمون الكثير عن اكتشاف الأدوية، ضغوطاً شديدة على مدراء الشركات التنفيذيين، وعلى مجالس إدارتها، من أجل تحقيق عائدات سريعة».
ولتحافظ على جاذبيتها بين مجتمع الممولين، طورت شركات الأدوية عدّة استراتيجيات. فإن أخذنا بالاعتبار أنّ نموذج اكتشاف الدواء الواسع الذي يفجّر قنبلة في الأوساط الطبيّة في طريقه للزوال، بدأت الشركات بالتحوّل إلى نموذج «الأدوية المحدودة nichebuster». فمع تقلّص احتمالات الوصول إلى منتج صارخ عبر مسار الأبحاث والتطوير، بات من الضروري والحاسم أن نضمن مرور تطوير المنتج عبر العملية القانونية السليمة. لكنّ الصناعات الدوائية قد عمّقت بالفعل علاقاتها مع الوكالات التشريعية من أجل التحايل أو إفساد القوانين، وغالباً ما يتمّ ذلك بالتواطؤ مع الحكومات.
فمن أساليب نجاة الصناعات الدوائية الرئيسة، هي قدرتها على تمديد فترة احتكارها لبيع المنتجات، ويترجم هذا الأمر بقوانين حماية ملكيّة فكرية أكثر صرامة، في كل من العالم المتقدم، والبلدان النامية التي تمثّل مواقع النموّ الجديد. ومع تهديد الشركات الدوائية بالسيطرة على الأسعار الذي يلوح في الأفق، كان على الشركات الدوائية من أجل توسيع عائداتها أن تزيد من نسبة الأدوية الموجودة والجديدة التي تحتاج إلى وصفة. تتمّ مقاربة هذا الهدف عبر السيطرة على كيفيّة وزمن عمليّة وصف الأدوية.
من الأدوية الواسعة
إلى الأدوية المحدودة
حتّى قبل عدّة سنوات، كانت شركات الأدوية تعمل وفق نموذج الأدوية الواسعة. فكانت تستهدف تطوير عقار طبي لعلاج داءٍ مزمنٍ شائعٍ في البلدان النامية، مثل: أمراض القلب والسكري. ثمّ تقوم بتسويق هذه العقاقير بكثافة بغية الوصول إلى مبيعات سنوية تجاوز المليار دولار. وتمّ تجاهل الأمراض الحصريّة بالبلدان النامية بشكل كبير، بسبب عدم تمتّع المصابين بهذه الأمراض بالقوّة الشرائيّة اللازمة لتحقيق ربح للشركات. فمن بين 850 عقارٍ علاجيٍ تمّ التسويق له بين عامي 2001 و2011، هنالك فقط 37 عقار أي 4%، تمّ تخصيصها لهذا النوع من الأمراض الحصريّة.
لكن مؤخراً، ومع استنزاف جميع الأهداف السهلة، بدأت الشركات تتحوّل من نموذج الأدوية الصارخة إلى نموذج «الأدوية المحدودة»، حيث تستهدف الشركات الأسواق العلاجية بعقاقير يمكن بيعها بمئات آلاف الدولارات سنوياً للمريض الواحد. وبهذا تكون الشركات الدوائية قد حولت أسلوب عملها ليتناسب مع متطلبات الاقتصاد الرأسمالي.
فاستنزاف الأسواق هو شرطٌ لازمٌ للرأسمالية التي تتطلّب «تمييزاً في المنتجات»، والتمييز في حالتنا، هو: الميل نحو علاجات ذات أثمان مرتفعة أكثر فأكثر، تستهدف أسواقاً أضيق فأضيق، ممّا يضمن النموّ الضروري. ففي الولايات المتحدة مثلاً، ارتفع ثمن عقاقير علاج التصلّب المتعدد من وسطي 8 إلى 11 ألف دولار سنوياً في أوائل التسعينيات، إلى 60 ألف دولار سنوياً في منتصف التسعينيات. وفي عام 2013، اجتمع 120 اختصاصياً في أمراض السرطان من أكثر من 15 دولة، للتنديد بأسعار عقاقير الأورام الجديدة، التي وصلت إلى أكثر من مائة ألف دولار سنوياً.
يجب التوقّف عن الادعاء بتبرير الأسعار المرتفعة بتكاليف الأبحاث والتطوير. فكما أكّد هانك ماكينل، المدير التنفيذي السابق لشركة فايزر: «إنّها لمغالطة أن نشير إلى أنّ أثمان المنتجات في صناعتنا، أو في أيّة صناعة أخرى، يتم إعادة توظيفها في ميزانيّة الأبحاث والتطوير». تعتمد الأثمان على ما تحتمله السوق. فكّلما أصبح المرضى يائسين أكثر، كلما ارتفع الثمن الذي يستعدون لدفعه.
السيطرة على المعرفة
يمكن للاختبارات السريريّة التي تبيّن عدم فاعلية منتج ما، أو تثير مخاوف تشكيله لخطورة جديّة على السلامة، أن تؤثر بشكل هائل على المبيعات. ففي تموز 2002، وجدت «منظمة صحّة المرأة» في اختباراتها السريرية بأنّ خلائط الأستروجين والبروجستين التي تستخدم كعلاج هرموني بديل، قد تزيد في خطر الإصابة بأمراض القلب، وبسرطان الثدي لدى النساء اللواتي توقف لديهن الطمث. ثمّ في حزيران 2003، انخفضت مبيعات منتج «بريمبرو»، خليط الأستروجين والبروجستين واسع الشهرة، بنسبة 66% في الولايات المتحدة.
ومن أجل تفادي مثل هذا السيناريو والاستمرار في توسيع العائدات، انتقلت الشركات من السيطرة على تطوير عقاقير جديدة إلى السيطرة على المعرفة بشأن هذه العقاقير، لتضمن أنّ رسالتهم هي الوحيدة التي ستصل إلى الأطباء والمرضى.
تموّل شركات الأدوية جميع الاختبارات السريريّة السابقة للتسويق، وهي الاختبارات التي تستخدم كأساسٍ للموافقة على دواء جديد أو على صيغة جديدة لدواء موجود. هذه الاختبارات هي أساس المعرفة المتعلقة بالعقار، وبالتالي فإنّ نتائجها مهمّة بشكل هائل. تقوم الشركات، بوصفها ممولة، بالسيطرة على جميع مناحي الاختبارات، بدءاً بالتصميم الأولي ووصولاً إلى المنهج المعتمد لإجرائها وتحليلها، وللكيفيّة التي سيتمّ فيها إدراج نتائجها في التقارير المقدمة للوكالات المختصة، مثل: إدارة الأغذية والدواء الفدرالية. وتنسحب تلك السيطرة على كيف سيتمّ نشرها، ولحدّ كبير كيف يتم تقديمها للأطباء.
يبدأ الانحياز للشركات مع تصميم الاختبارات. تتمّ مقارنة الدواء المطلوب اختباره بدواء آخر موجود في السوق بالفعل، ويتم بشكل احتيالي اختيار جرعة أعلى أو أدنى من الدواء الذي تمّت المقارنة به، وذلك من أجل إمّا التقليل من شدّة فاعليته أو المبالغة في آثاره الجانبية. ففي الثمانينيات، كان السبب الأكثر شيوعاً لإلغاء الاختبارات على الأدوية التي وصلت لمراحل متقدمة من الأبحاث، ويتضمن ذلك علاجات السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والإنتانات الولادية، هو: السبب التمويلي بنسبة 43%، بالمقارنة مع 31% بسبب الفاعلية، و21% بسبب الاستخدام الآمن. يتضمن السبب التمويلي محدودية الأسواق التجارية، والتوقعات بعدم كفاية عائدات الاستثمار، والتغييرات في أولويات البحث الناجمة عن اندماج شركات الأدوية.
تعترف الشركات بوجود شرخ في مصداقيّتها عندما تتمّ مواجهتها بالأدلّة من قبل الأطباء. ومن أجل الالتفاف على هذه المشكلة، يقومون بتوظيف أطباء وباحثين يطلق عليهم تسمية «موجهي الرأي الرئيسيين KOL». إنّه لأمرّ حيوي بالنسبة للشركات أن تحافظ على الصورة الخياليّة لهؤلاء الأطباء والباحثين «الموجهين» بأنّهم مصادر مستقلّة للمعلومات، وذلك لأجل الإبقاء على ثقة الأطباء الذين يستمعون لآراء ومحاضرات «الموجهين».
إفساد عمليّة قوننة العقاقير
قبل أن تبدأ الشركات بجني الأرباح من العقاقير التي تصنعها، يجب أن تحظى هذه العقاقير بموافقة من أجل تسويقها. لكنّ هذا الشرط مجرّد أمر شكلي في معظم البلدان النامية، حيث أنّ ثلث هذه البلدان إمّا لا تملك، أو تملك قدرة تشريعية قليلة جدّاً بما يخصّ الأدوية. فحتّى في بلدان، مثل: الهند، يعدّ تشريع العقاقير الطبيّة أمراً مخزياً، وذلك كما تبيّن من الفحص الذي تمّ عام 2011-2012 على مجموعة من المنتجات المختلطة التي تحوي اثنتين أو أكثر من المواد الفعّالة. لقد وجدت الدراسات التي أجريت مؤخراً بأنّ الشركات تستغلّ تهلهل معايير التشريع من أجل بيع «ملاين المنتجات المختلطة التي تحوي على مواد مقيدة أو محظورة أو غير حاصلة على الموافقة في بلدان أخرى، وهي المنتجات المرتبطة بشكل وثيق بعدّة آثار خطيرة من بينها الموت».
لقد تمّ إفساد التشريعات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي عبر ممارسة شركات الأدوية لتأثيرها. فكما لاحظت كورتني ديفيس وجون أبراهام، بروفسورا الصيدلة في جامعة الملك في لندن: «شهدت الأعوام الثلاثون الماضية مجموعة من الإصلاحات التي قللت عدد التشريعات بشكل كبير، والتي كانت تهدف في ظاهرها لتعزيز الابتكار الصيدلاني. لكنّها في حقيقة الأمر كانت تهدف لتعزيز المصالح التجارية للصناعات الطبيّة». ويفسّر أبراهام الأمر: «تسمح نظريّة التحيّز للشركات بتفسير نفوذ الصناعات الدوائية على الدولة القويّة، ممّا يسمح لها بالتواطؤ مع الشركات لتقليل عدد التشريعات». حتّى أنّ أبراهام يجادل بأنّ للشركات القدرة ليس على التأثير على الوكالات الحكومية فقط، بل كذلك على الحكومة الأوسع بشكل مباشر، وذلك عبر مجموعات الضغط والتبرعات المالية وغيرها من النشاطات التأثيرية. وكمثال على ذلك، تعيين ممثلي الشركات في فرق العمل من أجل المساعدة في صياغة السياسات الحكومية العامّة. وكانت النتيجة الحتميّة لذلك، هي: دعم الدولة بشكل نشط التشريعات التي تخدم الشركات.
والتجلي الواضح للانحياز للشركات في التشريعات الصيدلانية، هو التبني الحكومي واسع النطاق للاعتماد على الشركات ذاتها في تمويل نشاطات السلطات التشريعية، مثلما هي الحال مع إدارة الأغذية والدواء الفيدرالية الأمريكية، ووكالة الأدوية الأوربية، ووكالة المنتجات الصحيّة والدوائية في المملكة المتحدة.
في بريطانيا، كانت وكالة المنتجات الصحيّة والدوائية تتلقى قبل عام 1989 حوالي 65% من تمويلها عبر «أجور فحص الدواء» و35% عبر الضرائب، تحولت بعدها لتحصل على كامل تمويلها من الشركات. ويبدو أنّ هذه المسألة قد لاقت استجابة حسنة من نخب أوروبا ووكالاتها التشريعية عموماً.
وتظهر الأدلّة، أنّ مسألة التمويل عبر الشركات قد حملت معها عواقب وخيمة على الصحّة العامّة. مثال: إنّ وقت الفحص النموذجي للمنتج في أمريكا هو 300 يوم، وفي ظلّ «قانون أجور الفحص» يجب أن تكمل إدارة الأغذية الفيدرالية 90% من فحص الطلب في هذه الفترة. وإن لم تتمّ الموافقة على الطلب تتمّ إعادة عمليّة الفحص مع تحميل الشركات مقدمة الطلب كامل التكلفة. لكن في واقع الأمر فقد ارتفعت نسبة الموافقة على المنتجات قبل الميعاد النهائي بشهرين خمسة أضعاف، بالمقارنة بما قبل القانون، وقلّت نسبة سحب المنتجات لأسباب صحيّة 4,5 أضعاف.
هل الملكية الفكرية «حق»؟
إنّ حقوق الملكيّة الفكريّة هي المفتاح الرئيس في تحريك العائدات والأرباح لصالح الشركات الدوائية. ففي السياق الدوائي المعاصر، ارتكزت الملكية الفكرية بشكل رئيس على براءات اختراع المنتجات نفسها، وعلى البيانات التي تجمعها الشركات عندما تطلق اختبارات تسويقيّة أوليّة من أجل تقدير جدوى وفاعلية منتجها. وكلما كانت حقوق الملكية في بلد ما أكثر صلابة، كلما احتكرت الشركات المنتجات لمدّة أطول، وكلما جنت مالاً أكثر من بيعها. وعليه فليس من المفاجئ أن تمضي الشركات للنهاية ليس في حماية الملكية الفكرية وحسب، بل أيضاً في تعزيزها.
وأحد التجليات المبكرة على هذه الجهود، هو: الضغط الذي مارسته الشركات الدوائية، والذي قاد إلى إصرار الولايات المتحدة أن تفكك كندا نظام الترخيص الإجباري لديها، في مقابل توقيع اتفاق التجارة الحرّة بين البلدين عام 1987، والذي أصبح اتفاقيّة التجارة الحرّة في أمريكا الشمالية عام 1994. وكان نظام الترخيص الإجباري يوفّر على كندا 15% من الإنفاق العام على الأدوية، حيث كان يسمح لمصنعي الأدوية التي لا تملك اسماً تجارياً «generic» بإنتاج وبيع العقاقير حتّى لو كان هنالك براءة اختراع سارية على المنتج.
وآخر نصر لتشديد الحقوق الفكرية في الولايات المتحدة، هو: الحصريّة السوقيّة للمنتجات البيولوجية لمدّة 12 عاماً، وتقسم إلى: أربعة أعوام حصريّة لحماية البيانات، وثمانية غيرها لبيع المنتج البيولوجي. وحماية البيانات أهم من براءات الاختراع حتّى بالنسبة للشركات، فهذه الحماية غير قابلة للتحدي أمام المحكمة كما هو الحال في براءات الاختراع. ورغم أنّ المنتجات البيولوجية تمثّل أقلّ من 1% من الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة، فهي تحظى بنسبة 28% من الإنفاق، ويميل هذا الرقم للزيادة في المستقبل. مثال: منتج «سيريزايم cerezyme» المخصص لعلاج مرض غوشو النادر، ثمنه أكثر من 200 ألف دولار سنوياً للمريض الواحد.
وعلى الصعيد الدولي، تقوم حكومة الولايات المتحدة، وتحركها في ذلك مصالح الصناعات الدوائية، بالتأكد من إدراج آلية «حلّ النزاعات بين المستثمرين والدول ISDS» في جميع اتفاقياتها التجارية الدولية. وتسمح هذه الآلية للشركات بمقاضاة الحكومات. واستخدمت شركة «إيلي ليلي» هذا الشرط الوارد في اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا من أجل طلب 500 مليون دولار من الحكومة الكندية، لأنّ المحاكم الكندية قامت بإبطال اثنين من براءات اختراع منتجات الشركة.
وقد أدّت شروط الملكيّة الفكرية في الاتفاقات مع البلدان النامية إلى تأثيرات هائلة على قدرة الوصول إلى الأدوية، لتتسبب في تأخير وصول الوصفات الدوائيّة العامّة المتحررة من الأسماء التجارية إلى الأسواق. لقد كانت عواقب مثل هذه الشروط في البلدان النامية أكثر تدميراً، مثال: في ظلّ قانون براءات الاختراع الحاليّ في فيتنام، يتلقى 68% من مرضى الإيدز علاجات مضادة للفيروسات القهقرية. لكنّ هذه النسبة كانت لتنخفض إلى 30% فقط لو نجحت اتفاقيّة «الشراكة العابرة للمحيط الهادئ».