إدراك الخطر

لقد حضر مؤتمر قبائل الشرق، الذي انتهى إلى إعلان ولاية برقة، أكثر من ثلاثة آلاف من ممثلي هذه القبائل، حتى كاد التمثيل أن يكون كاملا لكل القبائل، من بينهم كل المسلحين الإسلاميين، وعناصر القاعدة، في إطار هذا التحالف إلى جانب مجموعات من أبناء القبائل، يمثلون جبهة قديمة هي «الجبهة الليبية المقاتلة» وهي أقرب إلى فكر القاعدة منها إلى فكر الإخوان المسلمين، كما حضر عدد من قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا، وشارك دبلوماسيون يمثلون الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وإنجلترا، وإيطاليا وتونس وقطر، بينما رأس المؤتمر – ثم الولاية – أحمد زبير السنوسي، ابن عم ملك ليبيا السابق، وكان ضابطا في الجيش الليبي، قبل انقضاض القذافي ومجموعته على السلطة، حيث تم تسريحه من الجيش، وسجنه بعد سعيه إلى القيام بمحاولة انقلابية، حيث تم إطلاق سراحه بعد سنوات بوساطة مصرية .

غير أنه في إطار هذه الظاهرة وهذا المؤتمر ونتائجه، ما يستحق التوقف عندهما: أولاً: إن الحديث الذي تضمنه الإعلان عن ولاية في إطار فيدرالي، هو حديث عار تماما عن الصحة، فمضمون الإعلان ذاته، يؤكد أننا بصدد نزعة استقلالية كاملة عن ليبيا، تأخذ شكل تأسيس مملكة مستقلة في الشرق، تمتد من حدود مصر شرقا، إلى سرت غربا، فقد تضمن الإعلان الاستناد إلى دستور عام 1951، أي أنه دستور «برقة» وحدها، قبل أن تتوحد ليبيا في إطار دستور جديد، تم بموجبه إعلان ليبيا دولة اتحادية، تحت اسم «المملكة المتحدة الليبية» في عام 1963 وهو ما يعني أن الحديث عن الفيدرالية هو مجرد غطاء زائف لانقسام جزء من ليبيا مشع بالثروات، ككيان سياسي مستقل، يتمدد بمكوناته الجديدة الفاعلة والمتفجرة، على الحدود مع مصر.
يؤكد على ذلك أن العلم، الذي رفع بعد الإعلان هو علم «السنوسية» المكون من اللون الأسود يتوسطه الهلال الأبيض والنجمة، أي ليس علم المملكة المتحدة الليبية المكون من الأحمر والأسود والأخضر، والذي اتخذته الثورة راية لها حتى سقوط الحكم.
ثانيا: إن البيانات التي صدرت عن عدد من المؤسسات و الدول الغربية عن رفضها لإعلان ولاية برقة، و تمسكها بوحدة ليبيا، هي بدورها مجرد تغطية على أدوار غربية و عربية، ساهمت في بلورة هذا الإعلان كمقدمة لمشروع غربي كامل لتقسيم ليبيا، و الواقع أنه من بين الدول الغربية و العربية التي شاركت بمندوبين عنها في المؤتمر لم يصدر رد فعل عملي  مضاد للإعلان، إلا من جانب تونس التي سحبت قنصلها من مدينة بنغازي، بعد مشاركته في المؤتمر، ومن جانب إيطاليا التي تقدم سفيرها باعتذار عن مشاركة سفارتها في المؤتمر، على اعتبار أنها كانت «غير مقصودة».
ثالثا: إن المؤتمرات التي انعقدت في ليبيا مناهضة للإعلان، والبيانات التي صدرت من عدة جهات تشجبه وتتمسك بوحدة ليبيا، إذا لم تكن بدورها تغطية على أدوار ساعدت في إنضاج الحدث، فقد كانت في الحد الأدنى، أداة لتمريره، وتخفيض الإحساس بنتائجه.
يستوي في ذلك موقف جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي كانت الأعلى صوتا والأقوى رفضا، رغم أن أحد قادتها «فوزي أبو كتف» لعب دورا قياديا في المؤتمر، باعتباره منسق ثوار 17 فبراير في الشرق، ويستوي في ذلك بيان اتحاد ثوار 17  فبراير، للسبب السابق ذاته، إضافة إلى بيان الجماعة التي تحكم قبضتها على مصراتة، والذي تضمّن رفضها المبدئي للفيدرالية، رغم أنها ساهمت عمليا وبقوة، في تمويل عملية انفصال الشرق، في انتظار دورها المرتقب.
رابعا: إن تعليق السيد «مصطفى عبد الجليل» رئيس المجلس الانتقالي على الإعلان، يدعو بدوره إلى الدهشة، كما يدعو إلى البحث عن تفسير، فقد هدد باستخدام القوة المسلحة لتصفية هذه النزعة الانفصالية، وهي قوة لم يعد يملكها في الداخل، بينما كانت نتيجة الاستعانة بها من الخارج، وبالاً كاملا غير محدود على ليبيا وعلى الإقليم ذاته، وهو يتهم دولا عربية بتذكية وتغذية الفتنة التي نشأت في الشرق، حتى تهنأ في دولها ولا ينتقل إليها طوفان الثورة، بينما لا تطول اتهاماته دولا غربية مؤثرة للغاية في صياغة المشهد الليبي الراهن، وهو لا يزال في موضع تحالف مكين مع الذين شملهم اتهامه، والذين خلا منه وجودهم، في آن واحد.
وفيما يبدو فإن التعليق بما تضمنه وما خلا منه، إنما يعكس إحساسا عميقا بالخذلان، لكنه خذلان ينصب على التوقيت والإخراج، وليس على المبدأ، فقد التقط الإعلام الليبي في أوج المواجهة، وثيقة في صورة رسالة  موجهة منه إلى حاكم إحدى الدول العربية التي يتهمها بتذكية وتغذية الانفصال في الشرق، تسوق الشكر جزيلا على ما قدمه لليبيا على طريق الإطاحة بالنظام السابق، وعلى أشياء شخصية أخرى، طالبا إرجاء موضوع برقة لأن الوقت ليس مناسبا لإعلانه، أي هناك خطوط تم وضعها ثم تعميقها منذ الوهلة الأولى، على خرائط التقسيم. وأن هذه الدول الخليجية بذاتها التي يشير إليها، كانت متوافقة بل و داعمة لتثبيت هذه الخطوط عمليا فوق الخرائط، لكنها تصرفت بمنطق المتعجل لإنجاز المشروع، ربما تحت ضغوط مباشرة من الغرب، خاصة من جانب إنجلترا بجذورها القديمة المتجددة في المنطقة، مع الخشية من أن يكون تأخر حصاد النتائج قابلا لأن يلحق أضرارا بالمحصول النهائي.
خامسا: إن خطوط التقسيم التي يجري تفعيلها وتعميقها فوق الخريطة الليبية، ليس أبرز ما فيها وضوحا وانشغالا بموضوع الفيدرالية أو الاستقلال، ما أعلن في الشرق، ذلك أن ما يجري في مناطق أخري قد تجاوز الفيدرالية عمليا إلى أشكال مبتكرة من الاستقلال الوظيفي و هو التأهيل الطبيعي لبلورة كيانات جديدة، تستبق الإعلان عن ولايتها المستقلة على إقليمها بتهيئة عملية على الأرض، تأخذ في اعتبارها النفوذ و الثروة و الشريك الأجنبي، الذي يساهم في إعادة شحن البيئة، بما يعزز الخصوصية، ويقوي نزعة الاستقلال، ويمهد لها سبل القبول والقدرة على البقاء، وفرض الأمر الواقع.
فمصراتة – على سبيل المثال – بتركيبتها العرقية، وطبقاتها الرأسمالية المتخمة ومناطقها الرأسمالية الصناعية، وقواعد بنيتها الأساسية بما تضمه من ميناء ومطار وشِقة ساحلية واسعة، إضافة إلى دورها المشهود في تغذية التمرد المسلح بالمال والسلاح، ودورها عند المفصل الأخير في قطع عنق النظام، ثم نزوعها الواضح إلى استقلال ساحتها، وتفّردها بالتحكم في مواردها، وقواعد بنيتها في المرحلة التالية، وسعيها مع استقلالها الوظيفي لأن تكون مركز الغرب الليبي كله، بما في ذلك طرابلس نفسها التي تحولت إلى معسكر مقسّم، بالطول والعرض والعمق، بين مجموعات متنافرة من المسلحين، وإلى مستودع لسجن المغضوب عليهم والضالين، ولذلك فإن مصراتة قد بلورت بذاتها وفي إطار الغرب كله تقريبا، كيانا أقرب إلى الاستقلال الذاتي  عن الاندماج الوظيفي، في إطار ما كان يسمى بالجماهيرية الليبية
غير أن الأمر في الواقع، ليس أمر الشرق الليبي وإعلانه، ومصراتة والغرب كله، ولكنه يبدو نزوعا نمطيا يتم شحنه من قوى الخارج وعناصر الداخل المدججة بالسلاح، موزعا نفسه على الخرائط الليبية الواسعة، تغطي 2 مليون كم، أي ضعف مساحة مصر، بينما كانت تضم قوة سكانية لا تتجاوز 6 ملايين مواطن، غادرها منهم حسب تقدير الاتحاد الأوروبي، 2.5 مليون مواطن، هربا من حرائق الثأر والانتقام، حيث كادت أن تصنف ضمن أقل مناطق العالم على مستوى الكثافة السكانية، بينما تصنف ضمن أكثر مناطق الإقليم تمتعا بالثروات، وبينما يبدو النفوذ البريطاني هو الأكثر تأثيرا في دولة الشرق الجديدة، ويبدو النفوذ الأمريكي هو الغالب في دولة الغرب البازغة، ويبدو النفوذ الفرنسي هو الذي يعيد بناء دولة فزان القديمة للصحراء الكبرى، الممتدة من سرت وسبها عبر الصحارى حتى تشاد، بينما يسعى الأمازيغ لدعم فرنسي مباشر، إلى استخلاص كيان سياسي آخر، يرونه استحقاقا تاريخيا  موروثا، يمتد من الحدود الجزائرية إلى جبال نفوسه عبر الزندان و اجدابيا، وصولا إلى واحة سيوة، التي يعتبرونها محطة الوصول إلى قلب هذا الإرث التاريخي، وإن كانت جزءا أصيلا من الكيان الوطني المصري، عبر كافة فصول التاريخ، والمدهش أن مصر قد سمحت بمظاهر احتفال فوق أرضها برأس السنة الأمازيغية قبل أسابيع، رغم أنه احتفاء باحتلال قادش لمصر، والذي اتصل في أوج انحلال الدولة المصرية القديمة، لمدة مائة عام، وهو موصول بهذا الإرث التاريخي المزور الذي يدّعي الأمازيجغ بموجبه حقا تاريخيا في واحة سيوة.
ويضاف إلى ذلك كله، وجود إسرائيلي متنام في الجبل الأخضر، وتحديدا في منطقة البيضا، في إطار منطقة كانت مرشحة لإقامة دولة إسرائيل، منذ أن بدأ«هرتزل» في طرح فكرة الدولة القومية لليهود، قبل أن يقع الاختيار نهائيا على فلسطين، كما جرى التاريخ أعنته بعد ذلك.
 سادسا: يبدو أن ما طرحه السيد رئيس الوزراء الليبي، في المؤتمر الوزاري الإقليمي حول أمن الحدود، والذي عقد مؤخرا في طرابلس، لا يخرج بدوره عن فكرة تصدير المخاطر والتهديدات المتنامية والمتصادفة، في الداخل الليبي إلى الخارج، بتحذيره المباشر لدول الجوار الليبي، من خطورة المؤامرات التي يحيكها أتباع النظام السابق، ومن خطورة تواجد ما أطلق عليه مجموعات إرهابية تتحرك بين دول الجوار، وتجد مناخا مناسبا للتغوّل، وزعزعة الأمن، بينما يبدو مفهوم الأمن ليبياً، وقد استقر تفسيره بين حملة السلاح، حد أن المعارك بينهم تنشب يوميا، حول التقسيم الخاص بكل فريق، لا عبر المناطق أو المدن، وإنما عبر الشوارع الجانبية، التي تختص كل مجموعة بها، وتعتبر أن تجاوزها من قبل المجموعة المجاورة، في الشارع المجاور، هو اختراق لحدود السيادة الوطنية.
سابعا: لقد تطلب إسقاط النظام السابق من جانب حلف الناتو، سبعة أشهر من الغارات الجوية، شاركت في عملياتها مئات الطائرات، وأعداد من البوارج، أسقطت وقذفت البنية الليبية، بقنابل وصواريخ وصلت أعدادها إلى 7700 صاروخ وقنبلة، كان من بين ضحاياها من المدنيين، ما يتجاوز 50 ألف قتيل، وفق بعض التقديرات الغربية، رغم أن العملية من أولها إلى آخرها، كانت تدميرا إبداعيا، لما كانت تملكه الدولة الليبية من أسلحة حديثة، وفق أولوية على قاعدة الأحدث فالأقل حداثة، فتدمير طائرات الميراج، استبق تدمير الميج، وتدمير الدبابات تي 72، استبق تدمير تي 62، وهو ما ينسحب على الرادارات الساحلية ، وقواعد الدفاع الجوي، الخ ..
إضافة إلى ما لحق بالبنية الأساسية من تدمير ملحوظ، مقصودا كان أو غير مقصود، والمدهش أن قناة الجزيرة استأجرت خبراء عسكريين، كان خطابهم منصبا على جدارة حلف الأطلنطي في تحقيق  مهمته، بغير أضرار إنسانية، وعلى القلق البالغ الذي ينتابه حدّ الألم العميق، إذا أظهرت صور الاستطلاع بعد القذف، أن مدنيا واحدا، رغم العمليات النظيفة، قد أصابه قرح أو جرح كمنتوج جانبي، لإحدى هذه العمليات.
والشاهد مع ذلك، أن توقيع خطوط التقسيم فوق الأرض، من الخرائط المعدة سلفا، يجري في بيئة مشحونة، بطاقات هائلة من الثأر والانتقام، وبرغبات متأججة في الهيمنة والاستحواذ، وبانقسامات عميقة، أعلى من منسوب السلطة السياسية الطافية فوق بركة السلاح، وهو ما يعني أن مطلب الاستقرار ليس قريبا، وأن منطق المصالحة الوطنية، سيظل غريبا، وأن سير الانفجارات والصدامات بين الخطوط، ستكون له الغلبة لوقت طويل .

ثامنا: بالنسبة لنا في مصر، فإن طبيعة التحولات التاريخية  الراهنة في ليبيا، في إطار إدراك الخطر، تتوزع على عدة صور لم تتبلور ملامحها النهائية بعد.

1.إن طاقة هائلة لعمليات التقسيم والانقسام، ستنطلق سائبة في الفضاء الداخلي، وفي فضاء الجوار، وقد تأخذ أشكالا وصورا مختلفة، لا قبل لأحد بتحديدها أو احتوائها، لأن عمليات الانقسام الجبري، في الكيانات الموحدة تاريخيا، تشبه إلى حدّ بعيد، عمليات الانقسام والانشطار في نواة الذرة الواحدة، التي تشكّل القاعدة العلمية والعملية لإطلاق طاقة نووية، غير أن مستوى الطاقة هنا، ومكان انفجارها، وطبيعتها، وصورها، يستعصي على التحديد المسبق، لكنها في كل الأحوال، شأنها شأن كل صور الطاقة، لا تفنى ولا تخلق من العدم.
2.إن الخطر الحقيقي، لا يكمن – فقط – في كيان سياسي مستحدث على الحدود، تبلور بفعل عملية تقسيم كبرى، موصولة بمصالح أجنبية  ستتواصل معه، ولا باستحقاقات لهذه المصالح الأجنبية، قد تجد فرصة لأن تعبر عن نفسها في أشكال من التواجد العسكري المباشر في الجوار، ولا في محاولات جارية يمكن أن تتواصل، لإحداث اختراقات بالسلاح عبر الحدود، ولا بأطماع قادمة  من متحف التاريخ، تريد أن تمد يدها إلى داخل الحدود، فكل ما يمكن أن يترتب على ذلك، من منظور الأمن القومي، هو إعادة تحصين الحدود عسكريا، وإعادة ترتيب مستوى الإنذار بكل مفرداته على الجبهة الشمالية، وهو عمل يضيف دون شك أعباء جديدة، ويحتاج إلى قدرات إضافية، كما أنه دون شك في ضوء الأوضاع والتهديدات القائمة المحيطة، ببقية الجبهات المصرية، يمثّل إجهادا مضافا، في وقت شدة وعسر، لكن مصر في كل الأحوال كفيلة به، وقادرة على الوفاء بالتزاماته.
3.أما الوجه الآخر للخطر الحقيقي، فيظل كامنا في طبيعة الحدود المصطنعة نفسها، لقد تم حرمان مصر من امتدادها الطبيعي في ليبيا، في وجود النظام السابق، ومع التداخل البشري الطبيعي على جانبي الحدود، فقد تركت مصر للجانب الليبي، ما من شأنه خلق حالة من التهدئة بينه وبين القبائل المصرية، التي تمتد أعراقها وصلاتها عميقة بين الجانبين، والتي كانت عبر التاريخ منطقة مفتوحة للتفاعل واللقاء المشترك، وقد كانت الموازين بين البلدين تحول دون نشوء حساسية وطنية من جراء ذلك، ولكن اختلاق موازين قوى جديدة، تتركز على تمركز الثروة على جانب، وزيادة المكوّن الأجنبي في القرار على ذات الجانب، وربما بروز تواجد أجنبي مباشر على الجانب نفسه، قد يشكل طاقة لتوظيف هذه الأوضاع، بما يشكل ضغوطا مباشرة، ليس على جانب من السكان المصريين، وإنما على جانب من الأراضي المصرية، فعوامل الشد والجذب الجديدة في المنطقة، ستكون أكثر فاعلية وتأثيرا، من الغرب إلى الشرق، على حساب عوامل قديمة وتاريخية، كانت فاعليتها وتأثيرها، تأخذ الاتجاه المعاكس، فضلا عما يمكن أن تستحضره الذاكرة من سوابق، لتوظيف مضاد مباشر، حين استخدمت قاعدة " العدم " في الشرق، أثناء الاحتلال البريطاني  مرتين لضرب مصر، كانت الأولى خلال فصول العدوان الثلاثي في عام 1956، من قبل الطيران البريطاني، وكانت الثانية، في أوج فصول عدوان يونيو 1967، حين انتظر المصريون الطائرات الإسرائيلية من الغرب، فجاءت بقنابلها من الشرق.
4.ثم  أن هناك ما يمكن أن يضاف، في إطار التهديدات الاستراتيجية البازغة أيضا، سواء على مستوى ارتباط المسرح الاستراتيجي المصري غربا، بالمسرح الاستراتيجي المصري جنوبا، وبعقدة الاتصال المباشرة بينهما، والتقائهما بمثلث متصل الأضلاع، يطل على شرفة بالغة الأهمية على البحر الأحمر، أو سواء على مستوى جانب، لا يقل أهمية في محيط هذه التهديدات، يتعلق بضغوط استراتيجية مضافة على الهيكل المصري، في بعده الخاص بالبحر الأبيض المتوسط، مع نشوء صراعات جديدة تطول حوضه الجنوبي كله، سعيا إلى الثروة والنفوذ.
ثمة شرق أوسط جديد يتخلّق، من المؤكد أنه سيكون أكثر تعقيدا من ذلك التبسيط القديم، وثمة تهديدات وتحديات استراتيجية  تسوق مخاطر مستجدة، يتحتم إدراكها فدون إدراك الخطر، ستظل الفجوة تزداد اتساعا، بين ما تتطلبه الحقائق الجديدة فوق الأرض، وما تفرضه المصالح الذاتية الضيقة.