«شمال الأطلسي»: المشكلة بالوقائع.. لا بترامب

«شمال الأطلسي»: المشكلة بالوقائع.. لا بترامب

تصر بعض التحليلات اليوم على إيهام متابعيها بأن وصول المرشح الرئاسي الأمريكي، دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات المتحدة، هو ذلك «الحدث التاريخي» الذي من شأنه أن يقلب المعادلات ويغيّر الثوابت، وكأن السماء الأمريكية كانت صافية إلى أن لبّدها وصول ترامب بالغيوم..!

 

العلاقات بين واشنطن وموسكو، وطبيعة علاقة الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وأوروبا عموماً، وماهية التطورات في علاقاتها مع حلفائها في العالم.. إلخ، جميعها مسائل كانت الولايات المتحدة مجبرة على أن تضعها قيد البحث، قبل وبعد استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث الدور الأول لهذا التغير في علاقة واشنطن مع العالم يعود إلى أنها لم تعد القوة الأولى القادرة على فرض إملاءاتها السياسية الدولية.

بقلم: ستيف كوهير

     إعداد: رنا مقداد

بالطبع، سيكون من مهام الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، أن يعيد تقييم أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤدي بالتأكيد، وكمرحلة أولى، إلى محاولة خلق دور استراتيجي جديد لمنظمة حلف شمال الأطلسي- بما في ذلك زيادة التركيز على مكافحة الإرهاب في الخارج، كنتيجة للضغوط الروسية الجدّية في هذا السياق.

«عليكم أن تدفعوا»..!

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016- وحين كان يتوقع معظم السياسيين الأوروبيين والأمريكيين فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون- أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، خططه لزيادة الاستعداد القتالي لقوات الحلف في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك، قال ستولتنبرغ: إن التكتل يجب أن يرد على سياسة «الخصم اللدود: روسيا». 

لكن، وبعد فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في السباق الرئاسي الأمريكي، غيّر ستولتنبرغ «أولوياته»، داعياً حلف شمال الأطلسي لمكافحة الإرهاب «أولاً وقبل كل شيء، وإزاحة احتواء روسيا إلى جدول الأعمال الثانوي». 

هل تقوم واشنطن ومنظمة حلف شمال الأطلسي بنشر قوات الانتشار السريع؟ والأهم من ذلك، من الذي سيدفع ثمن ذلك في ظل إدارة ترامب؟ على أية حال، هناك بعض الأفكار المثيرة للجدل في تصريحات الرئيس الأمريكي قبل انتخابه حول الأمن القومي للبلاد، والمتعلقة بضرورة إعادة تقييم السياسة العسكرية للولايات المتحدة. 

وسط هذه الحسابات، تبدو تصريحات ترامب حول الأمن غير مترابطة، فوفقاً لمنطقه، الأمن ليس مجانياً أبداً، وعلى كل بلد أن يدفع ثمن ذلك بنفسه. وفي الوقت نفسه، قال: إنه يعتقد أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تفرض قيمها العالمية على أولئك الذين لا يتفقون معها.

إن ما بات يعرف بالنهج المتعجرف لترامب، سيصبح أكثر صعوبة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث أن الحسابات في هذا الإطار يجب أن تكون مدروسة بشكل متقن. ومع ذلك، وصف الرئيس الأمريكي الجديد نفسه بأنه «براغماتي»، وقال: أنه لا يستبعد أن ينطلق في حساباته الدفاعية من منظور براغماتي، وإقامة نظام الدفاع الأوروبي، لكن إذا طلب الأوروبيون مظلة دفاعية بقيادة الولايات المتحدة، فسيكون عليهم دفع ثمنها. 

ووفقاً لترامب، إذا رأى الاتحاد الأوروبي أن موسكو تشكل تهديداً لأوروبا الشرقية، فعلى بروكسل إنشاء البنية التحتية اللازمة لنشر القوات الأمريكية. كما يجب على حلف الناتو نفسه أن يكون أكثر اعتماداً على الذات في تعزيز الأمن الأوروبي. لذلك، يبدو ترامب النموذج الواقعي والساخر الذي يعبّر عن مدى التراجع الأمريكي وفقدان القدرة على حمل حلفاء الولايات المتحدة العالميين. 

الاستفادة من

 إخفاقات الإدارة السابقة

ربما يتوقع ترامب من الاتحاد الأوروبي لعب دور أكبر في «التحالف الدولي» ضد «داعش»، بطريقة تجعله يتحمل عبء الحرب في الشرق الأوسط. ولا يستبعد أن الرئيس الأمريكي الجديد سوف يقاتل الإرهاب بمثابرة أكبر، مجبراً وليس مخيّراً، وسيحاول إشراك أصحاب المصلحة الآخرين، بما في ذلك روسيا. 

مثل هذا النهج سيسمح لترامب بتعزيز موقفه في ظل إخفاقات الإدارة السابقة في عملية التصدي للإرهاب. وقبل كل شيء، يمكن أن يفسر ذلك على أنه الحسم في الدفاع عن المصالح القومية الأمريكية. من المحتمل جداً أن يوافق ترامب على التعاون البناء واسع النطاق مع الكرملين في سورية، وسوف يحاول جلب قوات حلف شمال الأطلسي إلى العملية. 

روسيا لا تحتاج 

عمليات عسكرية أوروبية

إن التجهيز الفوري لقوات إضافية من قوات الانتشار السريع ستكون قادرة على المشاركة في معارك المنطقة بحلول ربيع عام 2017، وسوف يستفيد  ترامب بالتأكيد من هذا. وعلى الرغم من التناقض، فهيكل القوة المقترحة من قبل ستولتنبرغ لا يمكن أن يشكل تهديداً خطيراً لروسيا. 

ومن المرجح أن كلاً من الأمين العام لحلف الناتو ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، يفهمان هذا. فعلى الرغم من أن الأخير دعا مؤخراً، ومرة أخرى، لإنشاء جيش أوروبي، لكنه لن يكون قادراً على تغيير الوضع، والتأثير على ميزان القوى في المنطقة. في حالة تدخل روسيا في أوروبا الشرقية أو هجوم الناتو على روسيا، فالحرب ستكون سريعة ومتنقلة من خلال أسلحة الردع النووية التي ستلعب دوراً رئيسياً. 

ووفقاً لتوقعات الخبراء العسكريين الغربيين، قد تسقط عواصم البلطيق (التي بالأصل باتت تتجه سياسياً نحو مصالحها المرتبطة بروسيا) في يومين أو ثلاثة، بينما براغ ووارسو يمكن أن تسقط خلال 7-10 أيام بعد بداية الصراع. لكنه أمر غير محتمل أن ينشر حلف شمال الأطلسي الآلاف من قواته على الحدود الروسية للضغط على الكرملين أو تهديده في حالة التصعيد في أوكرانيا أو دول البلطيق. 

لا تملك بلدان أوروبا الشرقية ببساطة البنية التحتية لاستيعاب هذا العدد الكبير من القوات. وأكبر المناورات العسكرية التي جرت شارك فيها 100 ألف شخص من حلف الناتو في أوروبا الشرقية على مدى السنوات الـ25 الماضية، وقد تمت في بلدان مختلفة. 

قد يستغرق خلق هذه البنية التحتية، والتي ستكون عرضة للأسلحة النووية التكتيكية نظراً لقربها من الحدود الروسية، أكثر من عام. وعلى الرغم من أن ليتوانيا واستونيا تمولان بالفعل قواعد في ساليالي، فعدد الطائرات الموجودة هناك ليس كبيراً. 

وهكذا، فإن «الزعيم» الأمريكي الجديد قد ينفذ سياسة براغماتية جداً، بغض النظر عن خطابه الشعبوي. ومن المرجح أن يحاول إعادة توجيه علاقات واشنطن مع موسكو، وربما تغيير السياسة الأمريكية في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، فإنه ليس من الصحيح أن ينظر لترامب على أنه «صديق للكرملين» كما يفعل البعض. إذ أن ترامب يطرح نفسه كحامي للمصالح الأمريكية، وليس المصالح الروسية، لكن يجب أن لا ننسى أن ذلك يجري وفقاً لمبادئ السياسة الواقعية، والواقع نفسه قد تغيّر..! 

يعمل ترامب على تخليص بلاده من النفقات غير الضرورية، ومن مخاطر تهديد الإرهاب، وتعزيز الاقتصاد الأمريكي. ترامب لا يريد أن يلقي بأوروبا بعيداً، لكنه مجبر على ذلك، وعليه، يتصرف بأسلوب عملي، لأن التعاون مع بروكسل في الشرق المتوسط مهم لمحاربة الإرهاب.