دراسة: بصدد العوامل التي يمكن أن تقوض أمن الصين ومستقبلها 3\3

5 ـ تبدلات في النوعية السياسية لأعضاء قياديين في الحزب والحكومة
تظهر التطورات التي ذكرناها أعلاه على أنه يستحيل أن يمر العقد القادم دون وقوع حوادث سياسية ودون أن تشهد البورجوازية في الصين وفي الخارج هجوماً حاسماً على حزبنا وعلى دكتاتورية البروليتاريا.

فالتطورات الاقتصادية ليس بإمكانها وحدها إلغاء الاضطرابات السياسية أو منعها. وغداً يتطلب الأمر من مجموع قيادات الحزب والحكومة على كل المستويات الكثير على مستوى نوعية العمل السياسي والمؤهلات في مستوى القيادة.
في الفترة التي أعقبت تأسيس حزبنا وجمهوريتنا، كان لدينا عدد ضئيل من المثقفين والثوريين المحترفين، الذين كانت لهم معرفة معمقة بالفلسفة الماركسية والنضال السياسي، وكفاءة عالية بالقيادة السياسية. وكان لدينا عدد كبير من الكوادر المنحدرة من العمال والفلاحين والجنود الذين كانوا يتخذون موقفاً بروليتارياً صلباً وقدرة عملية سياسية عالية. إن تكون قيادات من أمثال هؤلاء الناس مكننا من الإمساك بزمام الأمور في تلك الفترة، وضمان تأسيس الحزب الشيوعي الصيني وإنجاز التحول الاشتراكي ومن ثم توطيد النظام الاشتراكي.

منذ بداية الإصلاح، أي منذ عدة عقود من السنين، وبعد التعديلات المتكررة في الجهاز الحكومي، ارتفع بشكل ملحوظ مستوى الوعي الثقافي والتخصصي لدى الأعضاء القياديين في الحزب والحكومة، وازدادت كفاءاتهم في إدارة الفعاليات الاقتصادية. وذلك انسجاماً مع المهمة الرئيسية لحزبنا ودولتنا في ذلك الوقت. بيد أن القدرة العامة للقيادة السياسية تراجعت؛ ففي السنوات الأخيرة، كان الجسم القيادي في الحزب والحكومة، وعلى مختلف المستويات، منهمكاً بأعمال نوعية، كالصراع من أجل الاستثمارات وتوزيعها، وافتتاح مشاريع جديدة، والمصادقة على توزيع الأراضي، وإنجاز وتشييد المباني في المدن وإدارة مناطق التطوير، والتفاوض مع رجال الأعمال الأجانب والمشاركة في مآدب العشاء. وفي خلال سفرهم للخارج وقصهم للشرائط الحريرية كان لديهم وقت قليل للتفكير، ولم يكونوا يعرفون شيئاً كثيراً عن مواضيع كثيرة مثل شروط الطبقات الاجتماعية والأفكار الشعبية والطبقات الاجتماعية.

لدينا كوادر مثقفة متخصصة بالنظرية الماركسية، لكن غالبيتهم تعمل في المدارس الحزبية، ومعاهد التعليم العالي، وفي أقسام البحث في العلوم الاجتماعية، وقليل منهم التحقوا بالأجهزة الحاكمة المحلية. وبما أن فهم الاقتصاد والإدارة هو عامل حاسم في اختيار الكوادر القيادية، لم يؤخذ ذلك بعين الاعتبار خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ أنه بنظر بعض القيادات والإدارات صار العلم والهندسة، والطب والزراعة والتجارة الخارجية والإدارة المالية، والقانون يمكن أن تعتبر كلها اختصاصات، أما الماركسية، الاقتصاد الماركسي، الاشتراكية العلمية، تاريخ الحركة الشيوعية العالمية وتاريخ الحزب الشيوعي الصيني فلا تعتبر منها.
كما لو أن العناصر القيادية في الحزب والحكومة وعلى كل الأِصعدة لم تكن بحاجة إلا إلى أخصائيين في العلم، والهندسة، والطب والزراعة أكثر من أخصائيين في النظرية الماركسية، وكأنهم ليسوا بحاجة إلا لأخصائيين في الاقتصاد والعلوم الإدارية أكثر من حاجتهم لاختصاصيين في الإدارة السياسية.
إن الكثير من العناصر القيادية (بما فيهم أولئك الذين على المستوى الإقليمي والوزاري أو في أمكنة أعلى) درسوا في مدارس الحزب، لكنهم ليسوا واضحين ومنطقيين إلاّ عندما يتحدثون عن اختصاصاتهم، وليس عندهم ما يقولونه عند التطرق إلى النظرية الماركسية. والبعض الآخر منهم يتحدث بشكل مشوه عن المفاهيم الماركسية الغربية وبعض المفاهيم الليبرالية البورجوازية كمفاهيم ماركسية. فإن استمر الوضع على ما هو عليه واتسع، سيصبح من العسير الاحتفاظ بالطابع الماركسي لحزبنا.

والعناصر القيادية المحلية والحكومية يختلفون تماماً عن أولئك الموجودين في الأقسام المتخصصة. فضلاً عن الاهتمام بالبناء الاقتصادي، يتوجب عليهم أكثر الاهتمام بسلسلة القضايا السياسية. في الظروف المشار إليها أعلاه، تستطيع العناصر القيادية المحلية في الحزب والحكومة أن تواجه الوضع في زمن الاستقرار السياسي، لكنهم سيواجهون صعوبات لدى نشوب الاضطراب السياسي. فمستوى المعارف لدى العناصر القيادية المحلية في الحزب والحكومة وعلى كل الصعد لا يتناسب مع الوضع السياسي الذي سينشأ في العقد القادم.

تقول الماركسية إن السياسة تتعلق بخاصة بمعالجة العلاقات بين الطبقات، الشرائح والشعوب. فإذا لم يستوعب حزبنا ولم يحل بشكل صحيح التناقضات الطبقية والصراعات الطبقية، لن نكون قادرين على الاحتفاظ بسلطة الدولة. وإذا ما فقدنا السلطة، لن نكون مهيئين لإدارة نشاطات المجتمع الاقتصادية وسنكون غير جديرين بجعل البناء الاقتصادي مهمة مركزية للحزب. لهذا السبب،من الضروري تغيير الوضع الذي تنحدر إليه قدرة القيادة السياسية في الحزب والحكومة، وضمن هذا الهدف، فضلاً عن الانتباه إلى دراسة القضايا السياسية وتطويرها، لابد لنا من رفع نسبة الناس المتخصصين في النظرية والسياسة الماركسية كأساس في الجسم القيادي.
من الواضح، أنه بسبب سوء قيادة بعض القياديين، نشبت بعض الظاهرات في بعض المناطق مثل رفض ومهاجمة الرفاق الذين عارضوا بحزم الاضطراب أو الاضرابات والاشتراك بنشاط بعمل هدام، والتحريض على وضع ورفع أولئك الذين تعاطفوا مع الـ«حركة المسماة ـ ديمقراطية في عام 1989» وساندوا الليبرالية البورجوازية في مراكز هامة. ودفعت هذه الظاهرة أولئك الناس الذين اشتركوا في «الحركة المسماة ـ ديموقراطية للعام 1989، على رفض تغيير الوضع وبقوا مناصرين لليبرالية البورجوازية. ويداعب هؤلاء الناس وهم دعمهم من قبل قوى مزعومة من داخل النظام من أجل تغيير تقييم حركة 1989. ومن جهة أخرى، يشعر الرفاق الذين قادوا النضال في الخط الأول بعدم التشجيع والإحباط.

إن نشب صراع مشابه في المستقبل، سيتردد بعضهم ولا شك بالتقدم والاقدام ولن يكونوا حازمين حاسمين. إن هذا الوضع غير مناسب أبداً لحزبنا ولأمن الدولة. ونحن نرى أنه، في السنوات القادمة، ستسعى قوى معادية داخلية وخارجية قلب الرأي المتكون حول «الحركة المسماة ـ ديمقراطية للعام 1989، وستهاجم قيادة الحزب الشيوعي ودكتاتورية البروليتاريا. فليس أمامنا سوى مواجهة هذه الهجمات والتصدي لها ليستطيع الجيل الثالث من القيادة المركزية في حزبنا أن يحصل على قاعدة وطيدة، وهو في وضع يمكنه من الحديث عن المستقبل. لهذا السبب، إن لم تصحح الأوضاع المشار إليها أعلاه سيتقلص عدد الناس الواقفين إلى جانب الحزب بدون ريب، في حين سيزداد عدد الذين يعارضون الحزب الشيوعي والحكومة وكذلك عدد الذين تبنوا الحياد ليحموا أنفسهم. وإذا ما نشبت عاصفة سياسية، ولم نكن في موقف قوي كالطود، فنكون تأخرنا جداً عن المهمة ولن نقدر على تغيير الوضع