الصراع على باكستان.. باكستان في عمر الستين: حرائق هائلة من اليأس (2-2)
اعتقل حافظ عبد الباسط «سجين مكتوم» بتهمة «الإرهاب» دون توجيه أية اتهامات محدَّدَة ضده. استدعى كبير القضاة المدير العام لوكالة التحقيق الفدرالية الباكستانية طارق بيرفيز، وسأله بلطف عن مكان اعتقال السجين، فأجاب بيرفيز بأنه ليس لديه أية فكرة عن ذلك ولم يسمع أبداً بهذا الاسم. عندها أصدر رئيس المحكمة العليا توجيهاته إلى رئيس الشرطة بتقديم باسط أمام المحكمة خلال 48 ساعة: «إما أن تقدم المعتقل أو استعد للذهاب إلى السجن». قُدِّم باسط إلى المحكمة بعد يومين ومن ثم أُطلِق سراحه، بعد أن فشلت تحقيقات الشرطة في إبراز أية أدلة ضده. لم يرضِ ذلك كل من واشنطن ولندن. كانوا مقتنعين بأن باسط كان إرهابياً ويجب إبقاؤه في السجن لمدة غير محدودة، ومن المؤكد في هذه الحالة سيقيم في معتقلات بريطانيا أو الولايات المتحدة.
حينئذ، بدأت المحكمة تنظر في ستة التماسات تطعن بقرار مشرَّف في بقائه رئيساً للبلاد دون التخلي عن قيادة الجيش. حاول البرلمان الالتفاف على هذه الطعون فأصدر قانوناً في عام 2004 يجيز للرئيس إضافة إلى منصبه إشغال منصب آخر، لكن برغم ذلك قبلت المحكمة هذه الطعون معللةً قرارها بعدم انسجام القانون المعدّل مع الدستور. طُرحَ أيضاً سؤالٌ حول مدة وعدد الدورات الرئاسية: يحدِّد دستور باكستان مدة حكم الرئيس بدورتين رئاسيتين فقط. تولى مشرَّف رئاسة البلاد في حزيران 2001. أعقب ذلك استفتاء في عام 2002 حيث زعم مشرَّف بأن الاستفتاء كان «تفويضاً ديمقراطياً»، على هذا الأساس، يجادل خصومه بأن الاستفتاء منح الرئيس فترة حكم ثانية. إضافة إلى ذلك كان مشرَّف قد تجاوز سن الستين، وبالتالي، وفقاً للأنظمة الحكومية، كان يجب عليه أن يتقاعد كقائد لهيئة أركان الجيش. لو فعل ذلك فإنه حينئذٍ سيواجَه بقانون يمنع موظف الدولة من الترشيح إلى أي منصب انتخابي قبل مرور سنتين على تقاعده. بعد كل هذا، لم يكن مفاجئاً وجود الكثير من الهياج والاضطراب في إسلام آباد. هدَّد مؤيدو الرئيس المحكمة بعواقب خطيرة إذا أصدرت قراراً ضده. فكَّروا بإعلان حالة طوارئ، لكن كان هذا الأمر يتطلب دعم الجيش، وعند هذه المرحلة، حالاً بعد أعمال القتل والعنف التي حدثت في كراتشي، أظهرت معلومات رسمية عدم رغبة الجنرالات بالتدخل. كانت حجتهم بأن تعهدهم الكبير بـ«الحرب على الإرهاب» لايسمح لهم تكريس قوات كافية لحفظ القانون والنظام في المدن. لكنهم بعد ذلك،بتشجيع من الولايات المتحدة، غيَّروا موقفهم هذا.
بدأ يلوح سواد أكثر في الأفق بعد انتهاء الأزمة القضائية..
الجهاديون.. واشتداد الأزمة
ظهرت معظم المجموعات الجهادية الموجودة اليوم إلى الحياة في ثمانينيات القرن الماضي كولادات هجينة للمؤسسات الاستخباراتية الباكستانية والغربية. كان دكتاتور البلاد حينذاك الجنرال ضياء الحق يشن حرباً على «الكفار» الروس، الذين كانوا يحتلون أفغانستان، وفي عهده بدأت المجموعات الإسلامية تتلقى الرعاية والدعم. كان أحد المستفيدين من هذه الرعاية رجل الدين مولانا عبد الله، الذي خُصِّصَت له أرض قريبة من الأبنية الحكومية في قلب إسلام آباد لبناء مدرسة، وهذه المدرسة التي ما فتئت أن تحولت لبناء ضخم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي أصبحت مخيم عبور للشباب الجهاديين في طريقهم إلى الأرض الأفغانية وكشمير..
بعد موت عبد الله سيطر ابناه، عبد الرشيد غازي وعبد العزيز، على المدارس الدينية، وفي كانون الثاني 2007 طلبا التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية. لم تتجاوز أعمالهما إلى حين ذلك الوقت أكثر من إدانة سياسة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، وإدانة رجل أمريكا المحلي، الجنرال مشرّف، بسبب مساعدته في تفكيك حكومة طالبان في أفغانستان. لم يدعما علناً المحاولات الثلاث لاغتيال مشرَّف، لكن لم يكن سراً بأنهما كانا آسفين لبقائه على قيد الحياة. كان الهدف من البيان الذي أصدراه في كانون الثاني هو التحريض على النظام: «إما الشريعة أو الشهادة».
تم تطبيق الشريعة في المدارس الدينية الموجودة في المباني التابعة لهما، والتي تحتوي على كتب وأقراص تسجيل وأفلام فيديو ملتهبة بتعاليم دينية على الطريقة التي يراها الإخوان. من ثم وجَّهت نساء المدرسة نيران حقدهن ضد بيوت الدعارة في إسلام آباد، كما استُهدفت قاعات التدليك في إسلام آباد، وتم اختطاف ست نساء صينيات في نهاية حزيران وأُخِذنَ الى المسجد. لم يكن السفير الصيني سعيداً وأبلغ الرئيس الصيني هو جينتاو الذي كان بدوره أقل سروراً، وأعلنت بكين بوضوح بأنها تريد أن ترى مواطنيها طلقاء في الحال. أرسلت الحكومة الباكستانية فريقاً مفاوضاً إلى المسجد مدفوعةً بأهمية العلاقات الإستراتيجية الصينية، وأطلق سراح النساء المحتجزات.
اعترى مشرّف الغضب والارتباك بسبب اختطاف النساء الصينيات، طالب بحل نهائي للأزمة. ذهب السفير السعودي، علي سيد عواد عسيري، إلى المسجد واجتمع مع الأخوين لمدة تسعين دقيقة. رحبا به لكن أخبراه بأن كل ما يبتغيانه هو تطبيق القوانين السعودية في باكستان. لم يعارض السفير هذا، بكل تأكيد، لكنه امتنع عن مقابلة الصحفيين بعد الزيارة، وبهذا بقيت إجابته من غير توثيق. بعد فشل الوساطة السعودية بدأ تنفيذ الخطة البديلة.
في 3 تموز، بدأت قوات عسكرية خاصة بوضع أسلاك شائكة في نهاية الشارع المؤدي إلى المسجد. فتح بعض طلاب المدرسة الدينية النار، قتلوا أحد عناصر الجيش، وأشعلوا النيران في مباني وزارة البيئة القريبة. ردّت قوات الأمن في الليلة نفسها فأطلقت الغازات المسيلة للدموع ونيران البنادق الرشاشة. أعلنت الحكومة في صباح اليوم التالي منع التجول في المنطقة، وتم محاصرة المسجد لمدة أسبوع كامل، وقامت شبكات التلفاز ببث صور من موقع الحدث إلى كل أنحاء العالم. بكل تأكيد ابتهج رشيد لشهرة هذا الحدث. اعتقد الأخوان بأن إبقاءهما على النساء والأطفال كرهائن داخل المبنى قد ينقذهما. تم إطلاق سراح بعض الرهائن وألقي القبض على عزيز وهو يحاول الهرب مرتدياً ملاءة، وأُطلق سراحه بهدوء بعد أسبوع وسُمح له بالعودة الى قريته.
في 10 تموز، اقتحم أخيراً جنود المظلات المبنى. قُتِل رشيد ومائة شخص آخر على الأقل في المناوشات التي حدثت. قُتِل أيضاً أحد عشر جنديًّاً وجُرِح أكثر من أربعين. بعد هذا تم تنفيذ هجمات على العديد من مراكز الشرطة، وبدأت ترد من مناطق القبائل شكاوى منذرة بسوء. أخبر مولانا فقير محمد، أحد مؤيدي طالبان الأوائل، الآلاف من رجال القبائل المسلحين «نرجو الله أن يدمر مشرَّف، لن تمر المجازر التي ارتُكِبت في المسجد الأحمر دون ثأر». عبَّر أسامة بن لادن أيضاً عن مثل هذه المواقف وأعلن بأن مشرّف هو شخص «كافر» وقال بأن «إسقاطه الآن واجب على كل مسلم».
في أيلول 2007 عندما قام انتحاريون باستهداف أهداف عسكرية للثأر لموت رشيد. كان من بينها باص يحمل مستخدمين في استخبارات الأمن الداخلي، وقامت في اليوم الثاني من مقتل رشيد مسيرة في عاصمة المقاطعة، بيشاور، ضمت حوالي ألف شخص.
طرحت حادثة المسجد المأساوية عدة أسئلة هامة بقيت دون إجابة: لماذا لم تقم الحكومة بأي عمل في كانون الثاني عندما بدأ عناصر المنظمة بالخروج أفواجاً من المسجد؟ كيف استطاع رجال الدين جمع هذه الذخائر الكبيرة من الأسلحة وتخبئتها في المسجد؟ هل كان جهاز الاستخبارات الداخلي عالماً بذلك؟ إذا كان يعرف فلماذا لم يقدم على فعل أي شيء؟ ما طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين رجال الدين والأجهزة الحكومية؟ لماذا أُطلق سراح عزيز وسُمِح له بالعودة إلى قريته دون توجيه أية تهمة إليه؟
الفراغ.. والإسلام السياسي
ربما تكون الجماعة الإسلامية هي المجموعة السياسية الأفضل تنظيماً في البلاد، فبناؤها الداخلي هو على غرار ذلك النموذج الموجود في الأحزاب الشيوعية التقليدية، حيث تحتفظ بخلية تنظيمية في كل مدينة كبيرة إلى هذا اليوم. بينما كانت جماعة علماء الإسلام أكثر تقليدية، وانحصرت في الأقاليم الحدودية، وتعتمد في بنائها على قرابة النسب. كان ولاء الجماعة الإسلامية للغرب خلال الحرب الباردة بسبب صلاتها القوية مع السعودية، بينما غازلت جمعية علماء الإسلام المجموعات الباكستانية المؤيدة للسوفييت. تدّعي كِلتا المجموعتين اليوم العداء لواشنطن، والفروق بينهما هي فروق محلية تكتيكية إلى حد كبير. على الأرجح سيكون الحزبان مستعدين لعقد صفقة جدية مع واشنطن ونظروا، مثل الإخوان المسلمين في مصر، إلى كيفية حكم الإسلاميين المؤيدين للناتو في تركيا كنموذج محتمل من أجل علاقات مستقبلية مع واشنطن. إن الانطباع بأن هذه المنظمات هي منظمات إسلامية متشددة مصممة على فرض نظام الخلافة الإسلامية هو انطباع مخادع. محرومين من أية مشاركة حقيقية في المجال الاجتماعي الاقتصادي، اختاروا للتأكيد على هويتهم الإسلامية بتهييج شعور الناس والمطالبة بتطبيق قانون الشريعة الإسلامية، مستهدِفين المؤسسات المختلطة مثل جامعة بيشاور، (حيث كانت العلاقات بين الطلبة من الجنسين علاقات طبيعية غير متوترة نسبياً منذ تأسيس البلاد)، يطلون بالصباغ فوق صور النساء في لوحات الإعلانات، يهدِّدون متاجر الفيديو، الخ...
خلق الاشمئزاز العام من السياسات التقليدية فراغاً أخلاقياً، والذي امتلأ بالأفلام والصور الإباحية والتدين المتكلف المفرط من مختلف الأنواع. كان الدين وأفلام وصور الإباحة جنباً إلى جنب في بعض المناطق: مبيعات أفلام الجنس هي الأعلى في بيشاور وكويتا، معقلي الأحزاب الدينية. استهدف قادة طالبان في أفغانستان متاجر الفيديو، لكن بقي تجار هذه الصناعة يعملون سراً. إنه من الخطأ التصور بأن شحنات أفلام الإباحة تأتي من الغرب، بل توجد صناعة سرية مزدهرة في باكستان ولها نجومها المحليون من ذكور وإناث.
اليسار الهش..
الساسة الباكستانيون التقليديون، القوميون والعلمانيون، مصابون بمرض فقدان المبادئ أو البرامج السياسية، وقاموا بعقد صفقات مع الجيش والعصبة الإسلامية من أجل تحقيق مصالح حزبية. النظرة السائدة لديهم عموماً هو أن سبب فوز الجبهة الإسلامية بمعظم الانتخابات هو دعم الجيش لها، وأن التصويت لهم إنما كان هو تصويت لمصلحة القرآن. كان هذا صحيحاً جزئياً دون شك، لكن هذا يخرج سجلهم الملطخ عندما كانوا في السلطة خارج المعادلة. كان ممكناً فهم ذلك آخذين بعين الاعتبار الموقع والظروف، لكن لا بد من الإجابة على سؤال فيما إذا كان باستطاعتهم التقدم والنجاح مرة أخرى. إن «أوامي ناشيونال بارتي» الدال عليهم، هو القوة العلمانية الوحيدة في المنطقة بكوادر موزّعة لاتزال قادرة على رؤية الصورة الأكبر. إنهم يدركون حاجتهم لخطة إستراتيجية، وبأن التذبذب بالمواقف والشقلبات السياسية المستمرة تشكل كارثة. لم تتغير برامجهم ة كثيراً على مدى السنوات: إصلاحات زراعية، عدالة اجتماعية، الخ.. لكن بُعد كل ذلك عن التطبيق العملي أدى إلى شك كبير في دوافعهم ومبادئهم. بالإضافة الى ذلك، تخلوا الآن عن اللغة الطنانة في معاداة الامبريالية، ومثل حزب عائلة بوتو (حزب الشعب الباكستاني) ، يضعون آمالهم على إطالة أمد الوجود الأمريكي في المنطقة للتخلص من المعارضة الدينية.
تتعلق بعض المشكلات الأساسية التي تواجه الاقليم الحدودي بالجارة أفغانستان. يعتقد أفراسياب خاتاك، أحد ألمع قادة أوامي ناشيونال بارتي (ANP) ذكاءً، بأن الحقبة الأسوأ في تاريخ المنطقة بدأت خلال دكتاتورية الجنرال ضياء الحق، عندما غُمرت البلاد بالهروين، والعملاء الغربيين وعملاء الموساد، وكميات غير محدودة من المال والسلاح لقتال الجنود السوفييت المعسكرين في أفغانستان. هذا صحيح، لكن دَعَم بعض قادة أوامي ناشيونال بارتي الكبار التدخل السوفييتي بإخلاص، وأقاموا في أفغانستان خلال تلك المرحلة. هذا كان، واحسرتاه، الرؤية الشائعة لما نُظِر اليه كيسار في باكستان خلال ذلك الوقت. أيًّد بعض المعلقين الباكستانيين المعروفين احتلال الناتو والولايات المتحدة لأفغانستان بالحماس نفسه الذي أيدوا فيه زحف الجنود السوفييت جنوباً عبر نهر أوكسوس في عام 1979.
باكستان وأفغانستان
أنعش فشل احتلال الناتو لأفغانستان طالبان، كما أنه أحيا تجارة الهروين أيضاً، وأدى إلى الاضطرابات وعدم الاستقرار في شمال غرب باكستان. قتلت حملات القصف العشوائية للطائرات الأمريكية الكثير من المدنيين الأبرياء، ولا تزال ثقافة الثأر متجذرة بقوة في المنطقة. انتشر الفساد والمحسوبيات الشخصية في حكومة كارازاي المنصّبة من الناتو، وأدى ذلك إلى إقصاء وعزل الكثير من الأفغانيين الذين رحّبوا بإسقاط الملا عمر واستبشروا بأوقات أفضل. شاهدوا أعمال اغتصاب الأراضي وبناء الفيلات الضخمة التي تقوم بها حكومة كارازاي ورفقائه. تحولت الأموال الغربية المخصصة لإعادة الإعمار إلى بناء بيوت فاخرة للمتنفذين الأفغان. انفجرت في السنة الثانية للاحتلال فضيحة بناء البيوت الضخمة. كافأ الوزراء أنفسهم وأصدقاءهم الحميميين باقتطاع أفضل العقارات في كابول، فالسعي المحموم للاحتلال وتابعيه للحفاظ على مستوى معيشتهم المعتاد رفع أسعار البيوت الى أعلى درجة لها. بنى رفقاء كارازاي فيلاتهم الضخمة، المحمية من الناتو، على مرأى كامل من الفقراء.
لم تعترف كل قبائل البشتون في باكستان وأفغانستان بخط دوراند الذي فرضه البريطانيون. ولذلك، عندما يلجأ الفدائيون الذين يقاتلون قوات الناتو إلى مناطق القبائل التي تحت سلطة باكستان، لا يتم تسليمهم إلى إسلام آباد، إنما يقدم لهم الطعام والملبس حتى يعودوا أو تُقدم لهم الحماية كما هي الحال مع قادة القاعدة. هذا ما يدور القتال حوله في جنوب وزيرستان، فواشنطن تريد أن ترى قتلى أكثر، ويغضبها صفقات مشرّف مع قادة القبائل التي تعتبرها استسلام لطالبان، وخصوصاً أن الأعمال التي يقوم بها الجيش الباكستاني تدفع أجرها بشكل مباشر القيادة المركزية الأمريكية التي تشعر بأنها لا تتلقى قيمة ما تدفعه من أموال. هذا إذا لم نذكر الـ10 بليون دولار التي استلمتها باكستان منذ 11 أيلول من أجل «الحرب على الارهاب».
المشكلة هي شعور البعض داخل الاستخبارات العسكرية الباكستانية بأنهم يستطيعون استعادة أفغانستان حالما تنتهي عملية تثبيت الحرية. على هذا الأساس يرفضون قطع صلاتهم مع بعض قادة الفدائيين. حتى أنهم يفكرون بأن الولايات المتحدة ربما تفضل في النهاية مثل هذا التحرك، وكما بات معروفاُ، بأن كارازاي وضع مقترحات لجس نبض طالبان ومعرفة رغبتهم. أشك بإمكانية حدوث هذا نظراً لوجود لاعبين آخرين في المنطقة. التأثير الإيراني قوي في هيرات وغرب أفغانستان. يتلقى التحالف الشمالي أسلحة روسية. الهند هي القوة الأكبر في المنطقة. التسوية الوحيدة القادرة على البقاء هي تقديم دول المنطقة الضمانات لاستقرار أفغانستان وتشكيل حكومة وطنية بعد انسحاب الناتو.
حتى لو قبلت واشنطن بطبعة طالبانية جديدة، فلن يوافق الآخرون، وستقود صراعات أهلية جديدة هذه المرة إلى التحطم والتفسخ. لو حدث هذا، فقد يختار البشتون على جانبي خط دوراند خلق دولة خاصة بهم وتقسيم آخر لباكستان. يبدو هذا بشكل كبير بعيد الاحتمال، لكن ماذا لو انقسم اتحاد القبائل الذي هو أفغانستان إلى دويلات صغيرة، كل منها تحت حماية قوة أكبر؟
كلمة السر: التفاوت الاجتماعي!
إذا عدنا إلى قلب باكستان سنرى القضية الأصعب المتفجرة هي التفاوت الاجتماعي والاقتصادي. لو كان هناك نظام تعليمي نصف معقول في الدولة، ربما لا تشعر العائلات الفقيرة بالحاجة إلى إرسال أولادهم وبناتهم إلى رجال الدين آملين بتقديم الطعام واللباس والتعليم لواحد من أولادهم على الأقل. لو وُجد أقل أثر من نظام صحي على الأقل، لتم إنقاذ الكثير من براثن أمراض أصيبوا بها نتيجة الإجهاد والفقر. لم تفعل أية حكومة منذ عام 1947 شيئا يذكر لإنقاص التفاوت الاجتماعي. فكرة أن الراحلة بنازير بوتو، التي رُفِعت على أكتاف مشّرف، هي معادِلة للتقدم، هي فكرة مضحكة كتصور نواز شريف بأن الملايين ستخرج في استقباله عندما وصل إلى مطار إسلام آباد في تموز 2007. إن المستقبل المتوقع إنما هو مستقبل كئيب.. لا يوجد هناك أي بديل سياسي جدي للحكم العسكري.
في كراتشي ما يزال الصيادون يقومون بحملات وأنشطة ضد الانتهاكات والتعديات على حقوقهم وموارد رزقهم، لكن دون جدوى. يقول أحد الصيادين مازحاً: «نحتاج إلى تسونامي هنا». وتقول إحدى النساء: «كل ما نحلم به هو مدارس لأولادنا، الدواء والمراكز الصحية في قرانا، مياه نظيفة وكهرباء في بيوتنا، هل هذا شيء كثير لنطالب به»؟. لم يأت أحد منهم على ذكر الدين بتاتاً..