كيف حمى الاتحاد السوفييتي روسيا وأوكرانيا وسورية؟
 نيكولاس نيكوليدس  نيكولاس نيكوليدس

كيف حمى الاتحاد السوفييتي روسيا وأوكرانيا وسورية؟

روسيا ليست الاتحاد السوفيتي. كان الاتحاد السوفييتي أقوى دولة في التاريخ من الناحية العسكرية، كما أنه أنتج المزيد من الأسلحة من الأنواع جميعها ضد العدو الرئيسي، الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء حاملات الطائرات فقط، والتي لم يكن الاتحاد السوفيتي بحاجة لها، لأنه لم يكن يريد استعراض قوته على الجانب الآخر من العالم عبر المحيطات، لكن الولايات المتحدة كانت تريد ذلك، وما زالت تريد إظهار قوتها في المناطق البعيدة من العالم.

 

إعداد: رنا مقداد

 كان للاتحاد السوفيتي استراتيجية ذكية بشأن حاملات الطائرات الأمريكية، تتجنب بناء الكثير من السفن المماثلة والمكلفة، وبدلاً عنها قاموا بتصنيع صواريخ الطرادات لإخراج حاملات الطائرات الأميركية من الخدمة في حال نشوب نزاع. 

من الناحية التكنولوجية، كان الاتحاد السوفيتي متطوراً أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية في بعض التقنيات العسكرية، بينما في حالات أخرى كان على المستوى ذاته مع الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات متخلفاً عنها. 

لكن بشكل عام، كان لديه مؤشرات تفوق في الاختصاصات جميعها (باستثناء حاملات الطائرات)، وخاصة بما يتعلق بالتكنولوجيا للتعويض عن تلك الحقيقة. والأهم من ذلك، كان الاتحاد السوفيتي متطوراً أكثر في الأسلحة النووية، من حيث العدد والتكنولوجيا منذ منتصف عام 1970.

لمسة العهد السوفييتي تنقذ روسيا

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي (بسبب الخيانة، دون تجاهل العوامل الذاتية)، وجدت روسيا نفسها بعد خمس سنوات متخلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية في المجالات العسكرية جميعها، سواء من الناحية العددية أو التكنولوجية مع استثناء واحد هو الأسلحة النووية. 

وكانت هذه الصواريخ السوفيتية الباليستية الكبيرة العابرة للقارات هي التي أنقذت روسيا من التقسيم. الآن، لحقت روسيا بالولايات المتحدة من الناحية التكنولوجية في المجالات كلها، وهي تتفوق عليها في بعضها. وعلى النقيض من العهد السوفيتي، لا تزال روسيا متخلفة عن  الولايات المتحدة من الناحية العددية في فئات عدة (ومرة أخرى باستثناء الصواريخ النووية). لكن روسيا لا تحتاج إلى قوتها في أماكن بعيدة كما قلنا أعلاه. لكن قوتها تكفي للحفاظ على الأراضي الأوراسية جميعها، وطرد واشنطن إلى خارج حدودها، ومن دول الاتحاد السوفيتي السابق.

الخطوة الاقتصادية 

المطلوب تعزيزها

على الصعيد الاقتصادي، حققت روسيا تقدماً كبيراً خلال العقد الماضي، بفضل صادرات النفط والغاز، ولأن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على روسيا من خلال فرض العقوبات، وحتى أكثر من ذلك، من خلال الضغط لتخفيض أسعار النفط (وساعدها في القيام بذلك الحكومة التابعة لها في السعودية). 

«شركاؤنا» الأمريكيون أجبروا بلداناً أخرى في أوروبا للانضمام إلى العقوبات، وتخفيض التجارة البينية. كما غيروا قواعد (صندوق النقد الدولي) والبنك الدولي، حيث لا تستعيد روسيا مثلاً الأموال التي أقرضتها لأوكرانيا قبل الانقلاب المدعوم أمريكياً في كييف. كما أجبر  «شركاؤنا» البنوك والمؤسسات على عدم السماح بإعطاء القروض لروسيا. هذا كله لأن روسيا لا تقبل بالمجلس العسكري المدعوم أمريكياً في كييف، وكذلك لا تقبل بالهيمنة الأمريكية. وحديث الولايات المتحدة الأمريكية كله عن «حرية الأسواق» ليس سوى وسيلة من وسائلهم لاستخدام الشركات والمؤسسات الاقتصادية للهيمنة على الدول الأخرى.

يجب أن تتخلص روسيا من بقايا التبعية الاقتصادية للغرب، فهو ليس جديراً بالثقة، وهذه حقيقة ثبتت مرات عدة، وبالتالي يجب أن يكون البنك المركزي الروسي تابعاً للحكومة الروسية، وفقط للحكومة الروسية.

حول كذبة الديمقراطية الأمريكية

روسيا أيضاً أكثر ديمقراطية من الولايات المتحدة الأمريكية التي بنت «مجدها» على دماء الأبرياء: قتلت 95٪ من سكان أمريكا الأصليين، ونصف سكان المكسيك المجاورة، أسقطت قنبلتين نوويتين على أهداف مدنية في اليابان بعد هزيمتها. غزت أو نظمت انقلابات في أكثر من أربعين دولة منذ عام 1945. خطفت بعض الروس (وغيرهم) في أنحاء العالم جميعها، وزجت بهم في سجون زائفة، وكسرت العهود الموثقة كلها.

مجرد نظرة سريعة على ما يسمى «الديمقراطية الأمريكية» تكشف أنها ليست ديمقراطية على الإطلاق. الرئيس ينتخب بنسبة أقل من 25٪ من الناخبين، وعلى الناس أن تصوت في عملية معقدة ومنحازة ضد «السود» واللاتينيين. وبالتالي، لا يحصل الجميع على فرصة للتصويت، فقط حوالي 50٪ من المسجلين يصوتون وينتخبون الرئيس مع نظام غريب وغير ديمقراطي.

هناك فقط نمطان حزبيان يتناوبان على السلطة، والفرق بين هذين الحزبين هو الحد الأدنى. في الواقع، لا يوجد أي خيار على الإطلاق: «هل يجب علينا إنفاق 100 مليار دولار على التسليح أم  102 مليار؟ هل يجب علينا غزو العراق أولاً، وإيران في وقت لاحق، أم إيران أولاً، والعراق فيما بعد؟ هل يجب علينا دعم «إسرائيل» أم يجب علينا إدانة فلسطين؟ هل بوتين «الفاشي القاتل» أو «القاتل الفاشي؟»». هذه هي «الخلافات»، وبناء عليها يتم «الاختيار» بين الحزبين الأمريكيين. 

روسيا تحمي مصالحها.. 

ومصالح الشعوب

ماذا يمكننا أن نتعلم من هذا كله؟ يقول البعض أن روسيا يجب أن تبقى ضمن «حدود روسيا»، ولكن «حدود روسيا» اليوم أقل مما هي عليه روسيا اليوم. «روسيا العادلة» تشمل روسيا البيضاء ونوفاراسيا ومالوراسيا وترانسنيستريا ودول البلطيق وآسيا الوسطى. هذه المناطق كلها ربما لا يجب أن تكون داخل الاتحاد الروسي، ولكنها يجب أن تكون إلى جانب الصف الروسي في محاربة الهيمنة الأمريكية، وداخل العالم الأوراسي.

وفي هذا الإطار، لا بد من الاعتراف أن النقلات النوعية التي جرت على صعيد السلاح الروسي، والتي بدأت موجتها منذ عام 2008، كان لها الدور الأبرز في تصاعد الدور الروسي في العالم، ولا بد من الاعتراف أنه لولا «بقايا الاتحاد السوفييتي» في هذا السياق، لما قدّر لروسيا أن تصمد خلال السنوات الماضية أمام الضربات الأمريكية. بتعبيرٍ آخر: لولا الاتحاد السوفييتي السابق لما قدّر لروسيا أن تقوم بحماية سورية وأوكرانيا، وعموم الأراضي الأوراسية، اليوم.

وفي طور صعودها العالمي، لا يجب التقليل من أهمية الدور الروسي في العالم. لا يجب الخجل مما يفعله الجانب الروسي في سورية وأوكرانيا. فما تفعله روسيا هناك هو حماية لشعبها أولاً، وحماية لشعوب العالم ثانياً. تتحمل روسيا عبء تكاليف العملية العسكرية في سورية، وهي لا تقوم بذلك من أجل نظام الرئيس الأسد، بل بهدف حماية ما يقع ضمن المنطقة الأوراسية كلها من الضربات والتدخلات الأمريكية التي لا ترحم: تفكك أجهزة الدولة، وترك شعوب بأكملها عرضة للنهب والسلب العالميين.

 

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 11:58