إيريك جيمينيز إيريك جيمينيز

الخرافات الخمس للتحوّل نحو المحروقات الزراعية

لم تكن الحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة ملحّة يوماً كما هي عليه الآن. فالنفط والفحم والغاز تساهم بتسخين الأرض، لاسيما النفط والفحم. ويعتبر بعض الخبراء أن مخزون المحروقات الجوفية لن يدوم أكثر من أربعين أو خمسين عاماً. حتى وإن أخطؤوا التقدير ببضعة عقود، فإن ذلك لن يحلّ مشكلة الطاقة في المستقبل. وفي الانتظار، تشتعل أسعار البترول، لكن كيف يمكن التحرر من الحاجة إليه؟

من دون الرجوع إلى العام 1890، عند ابتكار أول محرّك يعمل بزيت الفستق، بات معروفاً بأنه يمكن إنتاج «وقود عضوي (بيولوجي)» بواسطة مواد زراعية لا تحصى: الشجر السريع النمو، قصب السكّر، الذرة، الصويا، الخ. وملايين البرازيليين، في سلوك رائد، يستخدمون منذ غداة الأزمة النفطية الأولى في العام 1975، سيارات تعمل على الإيثانول (الكحول الإثيلي) - المستخرج من قصب السكّر. هذا ما يطرح على جدول الأعمال اللجوء إلى مصادر الطاقة هذه.

في هذا السياق، قررت الولايات المتحدة أخيراً خفض استهلاكها النفطي بنسبة 10%، عن طريق إدخال الإيثانول في البنزين المباع في البلاد. وينوي الاتّحاد الأوروبي استبدال 5.75% من استهلاك البنزين والديزل بالوقود البيولوجي حتى العام 2010، على أن يرتفع المعدّل إلى 20% مع حلول العام 2020.

لكن زيارة جورج والكر بوش إلى البرازيل، في آذار 2007، أثارت سجالاً حول «الوقود الزراعي». وقد لقي اقتراح الرئيس الأميركي بإنشاء منظمة للدول المنتجة للوقود البيولوجي - البرازيل والولايات المتحدة تسيطر على 72% من الإنتاج العالمي - ترحيباً لدى نظيره «لولا دا سيلفا». وقد دعا هذا الأخير إلى «تحالف استراتيجي (مع الولايات المتحدة) يسمح لنا بإقناع العالم بإمكانية تغيير عاداتنا في مجال الطاقة». وبالطبع هناك وراء موقف الرئيس الأميركي اعتبارات لا تقتصر على حماية البيئة، وهي خفض التبعية النفطية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وتجاه بلد «غير صديق» كفنزويلا، وإثارة الخلاف بين«لولا» وشافيز، والحدّ من مشروع التكامل في مجال الطاقة بين دول أميركا اللاتينية والذي يدعو إليه هذا الأخير. لكن السجال يتجاوز هذه النقاط.

ففي نظر المدافعين، هذا الوقود البديل لا يستنفد المخزون الطبيعي الثمين في الكرة الأرضية. فإضافة إلى تعزيز استقلال البلدان في مجال الطاقة، فهو يقدّم إمكانات مهمة للمزارعين، وخصوصاً في البلدان النامية. وهو يتيح في أوروبا الاستفادة من الأراضي «المجمّدة» بفعل السياسة الزراعية المشتركة (الزراعة المتناوبة لأغراض غير غذائية مقبولة من الاتّحاد الأوروبي).

في أوروبا، من المرتقب أن يغطي الوقود المُستخرَجَ من المواد البيولوجية 5,75% من احتياجات الوقود في العام 2010، و20% من العام 2020. وتطمح الولايات المتحدة إلى إنتاج 35 مليار غالون سنوياً. وتتخطّى هذه الأهداف بدرجات القدرة الإنتاجية للزراعة في الدول الصناعية في النصف الشمالي للكرة الأرضية. وستضطرّ أوروبا إلى استثمار 70% من أراضيها الصالحة للزراعة لتفي برهانها؛ ويجب تحويل مجموع محاصيل الذرة والصويا في الولايات المتحدة إلى الإيتانول والوقود البيولوجيّ. وتحويلٍ كهذا قد يقلب النظام الغذائيّ لدول الشمال رأساً على عقب. لهذا، تركّز الدول المنتمية إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) اهتمامها على النصف الجنوبي للكرة الأرضية، لسد احتياجاتها.

إندونيسيا وماليزيا توسّعان بسرعة زراعتهما للنخيل الذي يُستخرج منه الزيت، لتتمكَنا من تموين السوق الأوروبية بالوقود العضوي، بنسبة 20%. وفي البرازيل، حيث باتت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة المخصّصة للزراعات التي تُستخرج منها المحروقات بحجم هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وبريطانيا مجتمعة-، تتوقّع الحكومة زيادة المساحة المخصّصة لزراعة قصب السكر بنسبة خمسة أضعاف؛ وهدفها هو استبدال 10% من الاستهلاك العالميّ للوقود من الآن حتى العام 2025.

يجري تعبئة الرساميل وتركيز السلطة في صناعة المحروقات الزراعية بسرعة مذهلة. فعلى مرّ الأعوام الثلاثة الأخيرة، ارتفعت الاستثمارات المخاطِرة إلى ثمانية أضعاف. وتغمر التمويلات الخاصّة مؤسسات البحث العلمي الحكومية. يثبت ذلك نصف المليار دولار من المساعدات التي تقدّمها شركة «بريتيش بتروليوم» لجامعة كاليفورنيا. ومن ناحيتها تعقد المجموعات التجارية النفطيّة الكبيرة، وتلك المختصّة في زراعة الحبوب وصناعة السيارات والهندسة الجينيّة، اتفاقات شراكة قويّة، وتسعى تلك الشركات المتعدّدة الجنسية إلى تركيز نشاطاتها في البحث والإنتاج والتحويل والتوزيع، المرتبطة بأنظمتنا الغذائية والتموّن بالمحروقات.

وهذا سبب إضافيّ لتسليط الضوء، قبل انطلاق القطار، على الخرافات التي ترافق ضمناً عمليّة التحوّل إلى المحروقات الزراعية. 

الخرافة رقم 1:

المحروقات الزراعية

نظيفة وتحمي البيئة

نظراً لأنّ عمليّة التركيب الضوئيّ التي يجري استخدامها لتلك الزراعات تمتصّ الغازات المسخّنة من الجوّ، ولأنه يمكن للمحروقات الزراعية الحدّ من استهلاك الطاقة الأحفوريّة، يُقال إن تلك المحروقات تحمي البيئة. لكن عندما نحلّل تأثيرها من جمعها، إلى استخدامها في المواصلات البرّية، نجد بأنّ محدودية مساهمتها في انبعاث الغازات المسخّنة تُلغى بفعل اقتلاع الأشجار، والحرائق، وسحب الماء من المناطق الرطبة، وصولاً إلى الممارسات الزراعية وفقدان الكربون من الأرض. فكلّ طن من زيت النخيل يؤدّي إلى انبعاث 33 طناً من ثاني أكسيد الكربون - أي بمعدّل أكبر بعشر مرات من حالة البترول. أمّا الإيتانول الذي يُستخرج من قصب السكّر، المزروع في الغابات الاستوائية المستصلحة، فيبعث غازات دفيئة بنسبة النصف أكثر من تلك المنبعثة عن إنتاج واستخدام كمّية موازية من البنزين.

وتتطلّب الزراعات الصناعيّة المخصّصة للمحروقات موادَّ كيماويّة كثيفة مُصنّعة من البترول، يؤدي استهلاكها العالميّ حالياً (45 مليون طن سنوياً) إلى رفع معدّل الآزوت الموجود بيولوجيّاً على الأرض بنسبة الضعفيْن؛ وهذا يساهم بقوة في انبعاثات الأكسيد النتراتي، وهو غاز تفوق قدرته على التسخين العام قدرة ثاني أكسيد الكربون بـ300 مرّة. وفي المناطق الاستوائية التي سيُستخرج منها قريباً القسم الأكبر من المحروقات الزراعية، يفوق تأثير الأسمدة الكيميائيّة على تسخّن الأرض عشر مرات إلى مئة مرّة عما يحصل في المناطق المعتدلة.

يتطلّب إنتاج لِتر من الإيتانول استخدام من ثلاثة إلى خمسة لترات من مياه الريّ، وينتج 13 لتراً من مياه الصرف. ولمعالجة تلك المياه، يلزم من الطاقة ما يكافئ 113 لتراً من الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يزيد من احتمال إطلاق هذه الغازات في البيئة، ملوّثةً السواقي والأنهر وحقول المياه الجوفيّة. ومن عواقب تكثيف الزراعات الحيويّة لإنتاج المحروقات أيضاً، ازدياد خطورة انجراف الأراضي، خاصّة في حالة إنتاج الصويا 6,5 طن لكلّ هكتار من الأرض سنوياً في الولايات المتحدة؛ وحتى 12 طناً في البرازيل والأرجنتين. 

الخرافة رقم 2:

المحروقات الزراعيّة لا تؤدّي إلى اقتلاع الأشجار

يؤكّد المروّجون للمحروقات الزراعيّة بأنّ الزراعات التي تقوم على أراضٍ مُتلفة بيئيّاً تحسّن من وضع البيئة. ولربما كانت الحكومة البرازيلية مقتنعة بذلك عندما أعادت تصنيف نحو 200 مليون هكتار من الغابات الاستوائية الجافة، حقولاً ومستنقعات، بـ«أراض متلفة» وقابلة للزراعة. لكنها في الواقع أنظمة بيئية تتمتّع بتنوّع حيويّ كبير في مناطق ماتا أتلانتيكا وسيرّادو وبانتانال، التي تسكنها شعوب أصليّة وفلاحون فقراء، وتضمّ أراضي زراعية كبيرة مخصّصة لتربية الأبقار على نطاق واسع.

وبكلّ بساطة، سينتج عن إدخال الزراعات المخصّصة لإنتاج المحروقات إبعاد تلك التجمّعات إلى «الحدود الزراعيّة» للأمازون، حيث باتت الوسائل المخرّبة المستخدَمة في اصطلاح الأراضي معروفة جيداً. وتوفّر مادّة الصويا 40 % من المحروقات الزراعيّة في البرازيل: وبحسب منظّمة الناسا، كلّما ارتفعت أسعار الصويا، ازدادت وتيرة تدمير غابة الأمازون الرطبة، 325 ألف هكتار سنوياً، وفق الوتيرة الحالّية.

وفي إندونيسيا، تعدّ زراعات النخيل المنتج للزيت والمخصّصة لإنتاج الوقود البيولوجيّ المُسمَّى بـ«وقود اقتلاع الأشجار» السبب الأساسيّ لتراجع الغابة. وقرابة العام 2020، سيزداد حجم تلك المساحات بنسبة ثلاثة أضعاف ليبلغ 16,5 مليون هكتار - بريطانيا وويلز معاً-، وهو الأمر الذي سينتج عنه خسارة نسبة 98% من أشجار الغابات. ولقد خسرت ماليزيا المجاورة، المنتج العالميّ الأول لزيت النخيل، 87% من غاباتها الاستوائية حتى الآن، وهي تستمرّ في استصلاحها بوتيرة 7% سنوياً. 

الخرافة رقم 3:

المحروقات الزراعيّة ستسمح بتنمية الريف

في الغابات الاستوائية، توفّر مئة هكتار من الزراعة العائليّة خمساً وثلاثين فرصة عمل؛ في حين توفّر زراعات النخيل المنتج للزيت وقصب السكّر عشر فرص، وزراعة الكافوريات فرصتين، وزراعة الصويا نصف فرصة بالكاد. وحتى وقت قريب، كانت المحروقات الزراعية تُستهلك أساساً في الأسواق المحلّية والأسواق التابعة لها. حتى في الولايات المتحدة، كانت أغلب المصانع المنتجة للإيتانول، ذات الحجم المتواضع نسبياً، ملكاً للمزارعين. ومع الازدهار الذي طرأ حالياً، فرضت الصناعة الكبيرة نفسها، وأنشأت اقتصادات على مستويات ضخمة، وحصرت عمليّة الاستثمار.

وتقوم المجموعات التجارية النفطية، والمجموعات العاملة في إنتاج الغلال، وتلك المرتبطة بالزراعات المعدّلة جينياً، بتدعيم وجودها في جميع مفاصل شبكة القيمة المضافة للمحروقات الزراعية. فمجموعتا «كارغيل» و«أ.د.م» تتحكّمان بـ65 % من السوق العالمي للحبوب؛ أما «مونسانتو» و«سيجينتا» فتحتكران سوق المنتجات المعدّلة جينياً. وسيصبح الفلاحون العاملون في حقل الزراعات المنتجة للمحروقات أكثر ارتباطاً بتحالف من الشركات المنظّمة تنظيماً وثيقاً؛ في جميع ما يتعلّق بالبذور والعوامل المرتبطة بعمليات الإنتاج والخدمات والتحوّلات وبيع المنتجات؛ وهنالك احتمال ضئيل بأن يستفيدوا منها. كما ثمة احتمال أكبر في أن يجري طرد صغار المستثمرين الزراعيّين من السوق، ومن أراضيهم. فحتى الآن، جرى ترحيل مئات الآلاف في «جمهوريّة الصويا»، وهي منطقة تزيد مساحتها على 50 مليون هكتار تغطّي جنوب البرازيل، وشمال الأرجنتين، والباراغواي، وشرق بوليفيا!!     

الخرافة رقم 4:

المحروقات الزراعيّة لن تسبّب الجوع

بحسب منظمة الزراعة والأغذية الدولية، الفاو، هنالك ما يكفي من الغذاء في العالم لإطعام جميع السكان، بمعدّل حصّة يوميّة من 2200 وحدة حراريّة تتضمّن فاكهة طازجة وجافة وخضاراً ومشتقّات الحليب واللّحوم. ومع ذلك، ما يزال 824 مليون شخص يعانون من الجوع بسبب فقرهم. إلاّ أنّ التحوّل المُرتقَب يخلق منافسة بين الإنتاج الغذائيّ وإنتاج المحروقات في استخدام الأرض والمياه والموارد. وهنالك حالياً مثلٌ حسّي على ذلك في المكسيك. فبعد أن جرى تفكيك حواجزها الجمركيّة، ضمن إطار اتفاقية التبادل الحرّ بين دول أميركا الشمالية (Alena)، باتت المكسيك تستورد 30 % من حاجتها من الذرة من الولايات المتحدة. ونتج عن الطلب المتزايد على الإيتانول في هذا البلد ضغط كبير على سعر الذرة الذي ارتفع، في شباط 2007، ليبلغ أعلى مستوياته في غضون عشر سنوات، وأدّى إلى ارتفاع مأساويّ في سعر التورتيلا - وهي غذاءٌ أساسيّ. وفي وجه احتجاجات الغضب الصادرة عن شعبٍ فقيرٍ جائع، اضطرّت حكومة كالديرون، إلى الحدّ من ارتفاع سعر التورتيلا إلى 40 % حتى آب المقبل.

وقد استغّل مركز الأبحاث الاقتصادية، التابع للقطاع الخاصّ، الظروف ونشر سلسلة من «الدراسات» التي تؤكّد أنّ الخروج من الأزمة، في حالة المكسيك، يمرّ بإنتاج الذرة للمحروقات الزراعيّة، وبأنّ «هذه الذرة يجب أن تكون معدّلة جينياً».

وعلى مستوى الكرة الأرضية، بات أفقر الناس ينفقون من 50 إلى 80 % من دخلهم العائليّ لتوفير الغذاء. وهم يتأذّون عندما تؤدّي الأسعار المرتفعة للزراعات المخصّصة للمحروقات إلى رفع سعر المنتجات الغذائية. ولقد قدّر المعهد العالمي للأبحاث حول سياسات التغذية في واشنطن بأنّ سعر المواد الغذائية الأساسية سيرتفع من 20 إلى 33% في العام 2010، ومن 26 إلى 135 % في العام 2020. لكن، في كلّ مرة يرتفع سعر الغذاء بنسبة 1 %، يصبح 16 مليون شخص عرضة لانعدام الأمن الغذائيّ. وإذا استمرّت هذه النزعة في ارتفاع الأسعار، فقد يعاني 1,2 مليار شخص من الجوع بصورة مزمنة في العام 2025. وفي تلك الحالة، يقدَّر ألاّ تكون المساعدة الدوليّة مُسعفة، نظراً لكون الإنتاج الزراعيّ الفائض يذهب إلى خزّانات وقود الولايات المتحدة!! 

الخرافة رقم 5:

المحروقات الزراعية من «الجيل الثاني» في متناول اليد

يحبّذ المروّجون للمحروقات الزراعية طمأنة المشكّكين، عن طريق التأكيد على أنّ تلك المحروقات، سيجري قريباً استخراجها من زراعات أخرى تتناسب أكثر مع البيئة، كالأشجار السريعة النمو، وسيسمح لها ذلك بجعل المحروقات الزراعية من الجيل الأول مقبولة أكثر.

ليست هنالك، في الواقع، معرفة دقيقة بنوع الزراعات التي سيجري تحويلها إلى محروقات. ولن يكون للنباتات البرّية «تأثيرٌ بيئيٌ» أقلّ، لأنّ تسويقها سيُلغي منافعها البيئيّة. فهي ستنتقل بسرعة، بفعل زراعتها الكثيفة، من البراري والأراضي الحراجيّة إلى الأراضي الصالحة للزراعة - مع ما يترتّب على ذلك من تأثيرات على البيئة.

وتخطّط الصناعة لإنتاج نباتات سلّولوزيّة، معدّلة جينياً، خاصة الأشجار ذات النمو السريع- قادرة على التفكّك بسرعة لطرح السكّر. ونظراً للقدرة على الانتشار التي سبق إثباتها لدى الزراعات المعدّلة جينياً، يمكن توقّع تلوّثات كثيفة.

يجب أن يتم تسويق أيّة تقنيّة قادرة على السماح بتفادي أسوأ التأثيرات الناجمة عن تغيير المناخ على نطاق واسع في خمسة أو ثمانية الأعوام المقبلة. وهذا احتمالٌ ضئيل جداً للإيتانول المُستخرَج من السيلولوز، وهو مادّة لم تُظهر حتى الآن أية قدرة على الحدّ من انبعاث الكربون. وهكذا فإنّ صناعة المحروقات الزراعية تراهن حالياً على المعجزات.

وبحسب الوكالة الدوليّة للطاقة، سيتمكّن العالم، في غضون الـ23 سنة المقبلة، من إنتاج قرابة 47 مليون طن من المحروقات الزراعية، وسيترافق هذا الحجم الكبير مع انطلاق للكربون والأكسيد النتراتي، وانجراف للأراضي، وأكثر من ملياري طن من مياه الصرف. ومهما بدا الأمر مستغرباً، فهو لن يعوّض التزايد السنوي للطلب العالمي على النفط، المقدَّر حالياً بـ136 مليون طن سنوياً. فهل يستحقّ الأمر هذا العناء؟

وفي الواقع، تكمن الجاذبيّة التي تمارسها تلك المحروقات البيولوجيّة في قدرتها على إيجاد امتداد للاقتصاد المرتكز على البترول. ومع تقدير للاحتياطات المتبقّية من البترول الاصطلاحي العالمي لنحو 1000 مليار برميل، فإنّ ارتفاع سعر برميل البترول إلى 100 دولار ليس بالأمر البعيد، وكلّما ارتفع سعر البترول، ازداد احتمال ارتفاع سعر تكلفة الإيتانول، مع احتفاظه بموقع تنافسيّ. هنا يكمن، في الواقع، التناقض فيما يخص المحروقات الزراعيّة من الجيل الثاني: إذ كلّما ارتفع سعر المحروقات النفطية، أصبحت المحروقات الزراعية من الجيل الأول مجدية أكثر، ومن شأن ذلك الثني عن الاستثمار في تنمية الأجيال التي قد تعقبها. وفي حال بلغ سعر البترول 80 دولاراً للبرميل، يمكن لمنتجي الإيتانول السماح لأنفسهم بدفع أكثر من 5 دولارات للـ«صاع» الواحد (نحو 127 كغ) من الذرة، وهو ما يجعله ينافس بقوة أكبر زراعة قصب السكر. وهكذا فإن أزمة الطاقة العالمية تعّد مورد إثراء محتمل، يراوح بين 80 و100 ألف مليار دولار للمجموعات الغذائية والنفطية. فليس من المستغرب إذاً أن لا ندعى إلى مخالفة عاداتنا في «الإفراط في الاستهلاك».

ليس صحيحاً أنّ التحوّل إلى المحروقات الزراعية أمر لا يمكن تفاديه. فالعديد من الخيارات البديلة المحلّية التي أُجريت بنجاح على الأرض، والتي برهنت عن فعّالية على مستوى الطاقة مع تركيزها فقط على حاجات السكان، باتت فاعلة لإنتاج الغذاء والطاقة دون تهديد البيئة أو أساليب العيش.

لن يكون من المقبول لدول الشمال نقل العبء الذي يفرضه إفراطهم في الاستهلاك إلى جنوب الأرض، لمجرّد أنّ الدول الاستوائيّة تتمتّع بكمّية أكبر من الشمس والأمطار والأراضي الصالحة للزراعة.

إيريك جيمينيز:

مدير عام معهد الغذاء والسياسات التنمويّة Food First ، أوكلاند (الولايات المتحدة).

■ المصدر: لوموند ديبلوماتيك

آخر تعديل على الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2016 22:32