أعمال الإرهاب في كازاخستان.. أهدافها ومحركاتها
تتمتع منطقة آسيا الوسطى بأهمية استراتيجية بالغة التعقيد، فالمنطقة التي تعد نقطة وصل بين «ثلاثي بريكس»، روسيا والصين والهند، تدرج في المواد الاستراتيجية الأمريكية على أساس أنها مساحة ضرورية للمناورة الأمريكية في سياق عملية تقويض الخصوم الاستراتيجيين لواشنطن في العالم.
استولت مجموعة من الإرهابيين في 5 يونيو/حزيران 2016، على مخزن أسلحة في مدينة أكتوبي الكازاخية. ثم اختطف متطرفون مسلحون حافلة ركاب وحاولوا الاعتداء على وحدة عسكرية. ونتيجة لهذه الأعمال في المدينة، لقي 17 شخصا حتفهم. وهذه الموجة، هي أكبر نشاط إرهابي في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية. ووفقا لمسؤولي إنفاذ القانون، ينتمي المهاجمون إلى «جماعة دينية طائفية».
زامنت الهجمات الإرهابية في كازاخستان مع احتجاجات واسعة ضد الحكومة الحالية. أما السبب في تصاعد الاحتجاجات، فهو مشروع قانون بشأن نقل ملكية الأراضي للأجانب لفترة طويلة. واستغل المعارضون للنظام هذا القرار، لتأجيج المزاج المعادي للصين، مثيرين المخاوف من استيلاء الصين على أراضي كازاخستان، وذلك بالمبادرة بجمع المستائين وإخراجهم إلى الشوارع.
ثم تحول الاحتجاج على أنماط الثورات الملونة، إلى انتقاد نظام نزارباييف. وكان الشعار الرئيسي: «فليرحل الرجل العجوز!». ونظمت مظاهرات حاشدة في أكتوبي، وأتيراو، وسيميبالاتينسك وألمآتا. وبفضل الرد السريع من وكالات إنفاذ القانون، تمكن رجال الأمن من خمد الثورة الملونة في مهدها، قوى الإسلام السياسي والقوميون، إحدى القوى الدافعة للاحتجاجات، التي كان من المفترض استخدامها بمثابة قوة قتالية لتنفيذ انقلاب. وتناولت وسائل الإعلام الغربية تصاريح المتطرفين بتعاطف. وأصبحت «إذاعة الحرية» الممولة من الولايات المتحدة، منبر المتطرفين.إلا ان قولنا هذا لا يعني إنكار أحقية الاحتجاجات التي خرجت ضد الإجراءات الليبرالية التي تنتهجها الحكومة, ومنها خصخصة قطاعات واسعة من الاقتصاد الحكومي
لمحة عن مراكز الاستهداف
مدينة أكتوبي، حيث وقع العمل الإرهابي- ليست مجرد مركز للاحتجاجات وعدم الاستقرار، ولكنها أيضاً كانت لفترة طويلة مرتعاً للنشاط الإرهابي. ففي 17/أيار/2011، فجر انتحاري نفسه في مبنى لجنة الأمن القومي (المخابرات الكازاخستانية) بمدينة أكتوبي. وفي 1/تموز/2011، نفذت في منطقة تيمير بمنطقة أكتوبي عملية خاصة ضد الجماعة المسلحة، التي قتلت اثنين من رجال الشرطة وأصابت عدداً آخر. وفي 8/تموز، تم القضاء على تسعة إرهابيين.
كما أن مدينة أتيراو، أصبحت مركزاً آخر للنشاط الإرهابي. ففي 31/تشرين الأول من العام ذاته، وقع في مدينة أتيراو انفجاران. في البداية في باحة منزل سكني، في سلة مهملات، وبعد بضع دقائق، في حي عرقة ساري، إذ قام رجل مجهول الهوية بتفجير انتحاري قضى على إثره. فتح مكتب المدعي العام الكازاخستاني في الحالتين قضايا جنائية بموجب جريمة «الإرهاب». والمسؤولية عن التفجيرات في أتيراو، تحملتها مجموعة «جند الخلافة». وفي العام 2012، تم تنفيذ عملية مكافحة إرهاب، بعد وقوع العديد من الهجمات الإرهابية في منطقة أتيراو.
في أيار/2011، حاول الإرهابيون تفجير سيارة في العاصمة أستانا. وفي العام ذاته في الجنوب، في مدينة تاراز، قتل إرهابي 7 أشخاص، 5 منهم من ضباط الشرطة واثنين من المدنيين. وفي العام 2012، ارتكب إرهابيون جريمة قتل جماعي في حديقة إيل آلاتاو الوطنية، قرب ألمآتا، حيث تم قتل 12 شخصاً.
التقسيمات الجغرافية
للتنظيمات الإرهابية
نمو التطرف في البلاد، ظهر في العقد الماضي. وقد لعبت الدعاية الغربية الدور الرئيسي في ظهوره وتطوره، فهي ترافقت بالتدفقات النقدية من دول الخليج، وتأثير دول آسيا الوسطى المجاورة، حيث تحتل قوى الإسلام السياسي موقفاً قوياً تقليدياً. ومعظم الإرهابيين- كقاعدة عامة، من الشباب ذوي القومية الكازاخية. وتستخدم أوجه القصور في تهيئة الدعاة وقادة المجتمعات التقليدية بنشاط. وتضم صفوف «داعش» في سورية والعراق، 400 مواطن من كازاخستان، ويأتي هذا البلد في المرتبة الثانية بعدد مواطنيه المتورطين مع «داعش»، بعد روسيا التي تحتل المرتبة الأولى، بين بلدان رابطة الدول المستقلة.
من وجهة نظر العلاقات الدولية، ينتشر الإرهابيون الكازاخيون في منطقتين بالبلاد:
1. غرب ووسط كازاخستان – حيث توجد علاقات وثيقة مع شمال القوقاز الروسي، وحيث تعيش قبائل وشعوب المناطق الجبلية الأخرى، وحيث توجد علاقات وثيقة بالجماعات السرية الوهابية في شمال القوقاز ومنطقة الفولغا وروسيا ككل.
2. جنوب كازاخستان، أستانا وألماتا– حيث تتعزز الروابط مع آسيا الوسطى، وخاصة أوزبكستان. وإلى هذه المناطق، يتوجه المتطرفون من أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.
النشاط الإرهابي المستدام في هذه المناطق، يدل على ظهور اثنتين من كبرى المناطق الإرهابية العابرة للحدود في إقليم أوراسيا: منطقة حوض الفولغا والقوقاز، ومنطقة شمال غرب كازاخستان وجنوب كازاخستان وآسيا الوسطى. كازاخستان لها أهمية جيوسياسية كبيرة للإرهابيين الدوليين وأسيادهم الغربيين: فهذا البلد يقع في شمال أوراسيا، في الأراضي التي تتقاطع مع منطقة النشاط من شمال القوقاز، ومنطقة الفولغا والشبكات الإرهابية في آسيا الوسطى. وفي حالة عدم الاستقرار، ستلعب كازاخستان دوراً رئيسياً في خلق سلسلة متصلة من النشاط الإرهابي من القوقاز إلى آسيا الوسطى على الجناح الجنوبي لروسيا.
الخصخصة بوابة للإرهاب
في الواقع، نفذ الإرهابيون مشروع «التكامل الأوراسي» الخاص بهم. وحل هذه المشكلة لا يمكن أن يتم، إلا بالعمل المشترك من قبل الأجهزة الأمنية في روسيا وكازاخستان ودول آسيا الوسطى، وتعزيز عمليات التكامل الأوراسي في مجال الأمن.
ويتزامن تفشي النشاط الإرهابي عادة مع تفشي النشاط الاحتجاجي، المدعوم والمنظم من قبل الغرب. مثل موجة الهجمات الإرهابية في العامين 2011- 2012، والتي تزامنت مع الاحتجاجات في جاناوزن. والآن وقع الهجوم على خلفية «قانون الأراضي». وهذا يشير إلى أن التطرف يستخدم من قبل وكالات الاستخبارات الغربية كوسيلة لزعزعة الوضع في البلاد.
وعلى الرغم من سياسة قيادة كازاخستان، متعددة الوجهات، والتي تفضل عدم الدخول في خلاف مع الغرب، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمكن أن يقوموا بزعزعة استقرار الوضع في البلاد، وخاصة في سياق المواجهة مع روسيا. كازاخستان- واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في عملية التكامل الأوراسي، التي تؤدي إلى تعزيز روسيا كقوة أوراسية. وبالإضافة إلى ذلك، الإرهاب وعدم الاستقرار في كازاخستان، حيث يوجد عدد ضخم من السكان الروس، سيخلق بؤرة أخرى لزعزعة الاستقرار على حدود روسيا، مع احتمال وصول النزعات السلبية إلى الاتحاد الروسي نفسه.