بين «BRICS» و«G7» مركز ثقل الاقتصاد يتغير
على وقع الاحتجاجات المنددة بالرأسمالية وتبعاتها على الكوكب والبشرية، أنهى قادة دول مجموعة «السبعة الكبار» اجتماعهم السنوي في منطقة إيل ماو الألمانية، والذي لم يجر دعوة روسيا إليه للمرة الثانية على التوالي. وفي الوقت ذاته، كانت دول «بريكس» تعقد منتداها البرلماني في موسكو، ما فتح الباب أمام سيل من الرسائل السياسية بين المجموعتين.
إعداد: محرر الشؤون العربية والدولية
أراد قادة دول «السبعة الكبار»، الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وألمانيا، ترسيخ مؤتمر قمتهم بوصفه محطة سياسية لبحث آليات المواجهة مع روسيا وصعودها على المسرح الدولي، فيما برزت واشنطن كرأس حربة في الترويج لفكرة «التصدي لما تفعله روسيا في أوكرانيا»، والاستعداد لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
على الرغم من كون الاجتماع موجهاً ضد موسكو بشكلٍ أساسي، إلا أن مؤشرات عديدة خرجت من الاجتماع لتؤكد على حالة الخلاف والتباين في وجهات النظر، لدى الدول المشاركة في المؤتمر. إلا أن ذلك لم يمنعها من الخروج بوثيقة سياسية تحمل الحد الأدنى من التوافقات فيما بينها.
بين الجذب والطرد.. نقاط الاتفاق والاختلاف
اتفق المجتمعون في ألمانيا على إبقاء العقوبات الاقتصادية على روسيا «حتى يجري تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار شرق أوكرانيا كاملة»، مع إمكانية رفع درجة العقوبات وشدتها «إذا اقتضت الظروف ذلك»(!!). وحول الوضع الأوكراني، اتفق القادة السبعة على تشكيل فريق لدعم «الإصلاحات» الليبرالية التي وافقت الحكومة الأوكرانية على تمريرها.
وفي الوقت الذي تتفاقم فيه خلافات اليونان مع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية، دعا بيان المؤتمر اليونان للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم ينس تذكيرها بأنه «لم يعد هناك الكثير من الوقت من أجل إيجاد حل لأزمة ديون أثينا»، فيما أكد بيان المؤتمر على دعم المجموعة لجهود السداسية الدولية وإيران، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني قبل الـ30 من الشهر الجاري.
في المقابل، جسد المؤتمر حالة من الخلاف والتباين بين الدول المشاركة، وكذلك على صعيد التصريحات الإعلامية، التي خرجت من داخل دول السبعة الكبار. ففيما كسر الرئيس الياباني، شينزو آبي، «القواعد غير المعلنة للمؤتمر» بتشديده على ضرورة حضور روسيا في القمة التالية التي ستجري على أرض بلاده، اعتبر المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، أن عدم توجيه الدعوة للرئيس الروسي لحضور القمة كان خطأ، مشدداً على أهمية التعاون مع روسيا، حيث نقلت الصحافة الألمانية عنه قوله: «يوجد لدى روسيا بديل عن أوروبا، أما العكس فغير صحيح..!».
«بريكس» وإمكانيات الوحدة الاقتصادية
منذ تأسست مجموعة «بريكس»، يتوقع عدد متزايد من الخبراء أن يمضي أعضاؤها لتشكيل اتحاد اقتصادي فاعل فيما بينهم. وعلى الرغم من أن المنظومة قد تم إنشاؤها بهدف إجراء مناقشات غير رسمية حول قضايا التنمية العالمية، إلا أنها تسير نحو منظومة تتجاوز سياسة التكامل الاقتصادي والتفاعل السياسية.
يملك الاتحاد بين الاقتصادات الخمسة الناشئة في العالم، روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، إمكاناتٍ جيدة للنمو، ويعود ذلك إلى احتواء هذه الدول على أثمن موارد الاقتصاد العالمي، من الإنتاج الزراعي إلى الموارد الطبيعية والمعدنية، وصولاً إلى قواعد الإنتاج القوية والموارد والطاقات الفكرية، ذات الأهمية المتزايدة.
على هذا الأساس، يستنتج البروفيسور الروسي في العلوم الاقتصادية والاجتماعية، آليسن أليسنوف، أن دول «بريكس» لديها الفرصة لتشكيل كتلة اقتصادية قوية، ستكون، مع مرور الوقت، عصية جداً على معارضيها: «تدل المؤشرات (الاقتصادية) الجماعية للدول الخمس على ما هو أكثر من مثير للإعجاب: وفقاً للبنك الدولي، شكَّل الناتج المحلي الإجمالي لبريكس في عام 2014، ما يعادل 30% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم. أما الاحتياطات المشتركة للعملة فتصل إلى ما يزيد عن 5 تريليون دولار. وبكلام آخر، يشكِّل هذا الرقم النسبة الساحقة من احتياطي العملات في العالم..! هذا، ولم نقم بعد بحساب الدول المرشحة بشدة للانضمام إلى «بريكس» في المستقبل القريب، كالأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا».
ولأن مستقبل دول «بريكس» يجب أن يقترن بالتقليل من خسائر الاقتصادات الوطنية، في ظل ظروف العولمة الحالية، يقترح أليسنوف ضرورة «التوجه نحو التوزيع الأكثر توازناً للموارد، ما يمكنه أن يشكل تأثيراً إيجابياً على الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن الاتجاهات في تطوير المؤسسات المالية لبريكس، تشير إلى قدرته على تغيير أنظمة العملة المالية الدولية القائمة».
لهذا، فالاتحاد بين أكبر خمسة اقتصادات ناهضة في العالم من شأنه أن يساعد أعضاءه على التعامل بشكلٍ أفضل مع الأزمة المالية العالمية، ومنع ركود الاقتصاد العالمي بشكلٍ أكبر، وتحفيز القطاع الحقيقي في اقتصادات هذه الدول. وفي هذه الحالة، يخلص الباحث الروسي إلى أن «بريكس لديها الأسباب والإمكانيات كلها لتصبح الآلية الاستراتيجية والتكتيكية الشاملة للتعامل مع قضايا السياسة والاقتصاد العالمية وتوجيه الضربات إلى قلب نظام القطب الواحد».
المنتدى البرلماني لـ«بريكس» والصورة من موسكو
على هامش أعمال المنتدى البرلماني لدول «بريكس»، شرح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي، ألكسي بوشكوف، الصورة كما تراها موسكو وحلفاؤها في «بريكس» جيداً: «في عام 2014، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الكلي لدول بريكس 30% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، إنه أقل من نظيره لدى دول السبعة الكبار.. وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن الناتج الإجمالي المحلي لدى بريكس هو 32.5 ترليون دولار، أما لدى مجموعة السبعة الكبار، فهو 34.7 ترليون دولار. وبالنظر إلى أن دول بريكس تظهر في الغالب معدلات نمو أعلى بكثير من دول السبعة الكبار، يمكننا أن نستنتج أنه في السنتين أو الثلاث سنوات القادمة فإن الناتج المحلي الإجمالي الكلي لـ«بريكس» سيتجاوز نظيره لدى السبع الكبار.. إن مركز الثقل الاقتصادي العالمي يتغير، والغرب الآن مضطر إلى أن يتقاسم نفوذه وسلطته في الساحة العالمية مع لاعبين كبار مثل بريكس».