بقلم: فيجاي براشاد* بقلم: فيجاي براشاد*

واشنطن اللاهثة وأوروبا المتخبطة

خلال الأسبوع الماضي، أنهى أعضاء مجموعة «السبعة الكبار»، قمتهم الواحدة والأربعون، بعد أن اجتمع قادة هذه الدول، كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، والولايات المتحدة، في قلعة «إلماو»، التي كانت موقعاً مناسباً لاجتماع «سادة الكون»، القديم، على أية حال.

 ترجمة وإعداد: رنا مقداد

 

 يعود انعقاد القمة الأولى التي جمعت دول «السبعة الكبار» إلى عام 1974، حيث التأم اجتماع هذه الدول في «شاتو دو رامبوييه»- القصر الإقطاعي الضخم في فرنسا. أما الغرض من تلك القمة فكان يتمثل بإيجاد استراتيجية مشتركة للتصدي إلى السياسة الجديدة لمنظمة «أوبك»، وما سمي في حينه بـ«النظام الاقتصادي الدولي الجديد».

كانت «أوبك»، في ذلك الحين، قد باشرت بسياستها الجديدة، التي هدفت إلى الحدّ من إمدادات النفط الخام بهدف رفع سعره عالمياً، وهو الأمر الذي كان يهدِّد النمو الاقتصادي في البلدان الصناعية المتقدمة. 

أما «النظام الاقتصادي الدولي الجديد»، فقد جرى تمريره في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعمٍ منقطع النظير، أبدته دول ما يعرف بـ«العالم الثالث»، إذ دعا هذا المشروع إلى بنية اقتصادية وسياسية دولية جديدة تميل إلى مصلحة الدول الفقيرة. وهذا ما شكل، في ذلك الوقت، أولى إرهاصات ولادة مجموعة «السبعة الكبار»، التي سعت إلى كسر وتحطيم كل من «أوبك»، و«النظام الاقتصادي الدولي الجديد». وللأمانة، فقد نجحت في ذلك، لكن بحدود ضيقة ومؤقتة.

ابتلاع العالم كله..!

بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، ومرحلة البيروسترويكا التي تلته، قامت مجموعة «G7» بتوجيه روسيا التي خرجت من حقبتها السوفييتية في مدار المجموعة، لتتحول تلك الأخيرة إلى «G8»، بحلول عام 1994. وكانت سياسة هذا التحالف المعلن تتمحور حول خلق تنسيق كافٍ بين هذه الدول، لمنع ظهور قطب اقتصادي وسياسي جديد على كوكب الأرض- هذا القطب المتمثل إلى حد كبير بدولة الصين.

ومع تجلي الأزمة المالية العالمية في عام 2007، انتقلت الدفة إلى بلدان كتلة «بريكس»: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا. وكانت الفكرة الشائعة في حينه أنه لو سلمت هذه الدول، وخاصة الصين، مواردها المالية إلى النظام المالي العالمي، فسيجري تعليق «G8»، والبدء بـ«G20». وعلى الرغم من أن الصين فعلت ذلك، إلا أن إحساس البنوك بالأمان دفع باتجاه تأجيل «G20».

بعد ذلك، ارتفعت ثقة الغرب بنفسه، في أعقاب تدخل حلف «شمال الأطلسي» في ليبيا عام 2011، وكان يعتقد أن الأمر بات أبعد من «الحفاظ» على النظام المالي، بل أن ما درج على تسميته بـ«التدخلات الإنسانية» صارت تضفي «شرعية» مفترضة تكفي الغرب لاستخدام قوته العسكرية حول الكوكب، وضمناً في البلدان الأكثر فقراً.

كثِّفت الضغوط الغربية على إيران منذ منتصف عام 2000، لتليها مجموعة كبرى من التوترات مع روسيا حول مسألتي أوكرانيا وسورية، ما أدى إلى تعليق عضوية روسيا في «G8» عام 2014. وجميعنا رأى كيف كانت روسيا هي هدف الخطاب المحموم لقمة «G7» الأخيرة، وكيف عبَّر أوباما بشكلٍ صريح عن هواجسه وهلعه الاستراتيجي من عودة الخصم الأقوى تاريخياً للولايات المتحدة، وهو الاتحاد السوفييتي: «هل يستمر (بوتين) في تدمير اقتصاد بلاده، ويواصل عزل روسيا في سعيه لتحقيق الرغبة الخاطئة في إعادة أمجاد الإمبراطورية السوفييتية؟»..!

المتلازمة الأوروبية وتناقض المصالح

إن كانت «الإمبراطورية السوفييتية»، حسب تعبير «سيد» البيت الأبيض، قد انهارت منذ فترة طويلة، فإن الطموح الغربي للاستيلاء على السياسة العالمية لا يزال مستمراً حتى هذا اليوم. وهنا علينا أن نؤكد، بشكلٍ قاطع، أن التناقضات في سياسة «G7» تؤثر على أوروبا أكثر بكثير من الولايات المتحدة، حيث أن اثنين من أضخم موردي الطاقة إلى أوروبا الغربية، وهما روسيا وإيران، متضرران من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وتقودها من خلال «G7». أما المصدِّر القديم، وهو ليبيا، فقد شهدت مؤسساتها تدميراً همجياً من «الناتو» في أعقاب العدوان عليها، وما تلاها من تداعيات.

إن أوروبا تدفع فاتورة ممارسات «G7» وتجاوزاتها. وعليه، تجد التسريبات الإعلامية والاستخباراتية التي تحدثت عن أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قامت بسؤال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حول عزمه على تدمير الاقتصاد في أوروبا لتحقيق طموحه الواهم بإدامة الهيمنة الأمريكية، أساساً منطقياً لها.

ومع سعيها إلى التخفيف من وطأة التوترات مع روسيا، تناور أوروبا، محاولةً منع تحويل «G7» إلى منصة للمواجهة بين الغرب وروسيا، لأن ذلك سيكون كارثياً بالدرجة الأولى على أوروبا ذاتها. وهذا ما يدفع بلدان القارة إلى البحث عن حلٍ سلمي للأزمة الأوكرانية، عبر التعاون- غير المرحب به من واشنطن- مع روسيا، التي تجمعها معها روابط جيوسياسية واقتصادية تتصل بالوحدة الأوروبية الحقيقية، وبما يناسب المصالح الأوروبية قبل أي شيء آخر. أما المحاولات التي يجريها الأوروبيون لـ«إرضاء» واشنطن، عبر ذم الصين، فهي تنطلق من أن الشرق الأقصى وبحر الصين الجنوبي، بعيدان آلاف الكيلومترات عن القارة الأوروبية، فلا مانع لدى الأوروبيين من تصعيد اللهجة، الكلامية فقط، مع الصين، ومد اليد إليها في الخفاء لإنجاز المشاريع الاقتصادية الموعودة التي تجري ببطء وثبات بينهما.

تخمة التصريحات.. ولا إجراءات..!

في القمة الأخيرة، تعهد من يسمون أنفسهم «سادة الكون» بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بحلول نهاية القرن 21، أي بعد 85 سنة من الآن، وبالقضاء على الفقر في بداية عام 2050. ولم تجد هذه الثرثرات برنامج عمل واضح لها، بل تجسدت في رزمة بالية من التعهدات الفارغة. على أية حال، من بقي منكم على قيد الحياة حتى نهاية هذا القرن، فليلاحق أوباما قضائياً في الولايات المتحدة، إن كانت لا تزال موجودة على حالها..!

استبعاد روسيا.. والذراع السياسي

من يتابع الصحافة الصينية هذه الأيام عن كثب، يجد أن هناك تصوراً سياسياً جديداً بات أكثر وضوحاً بالنسبة للقيادة الصينية والوعي الاجتماعي السياسي الصيني. ويقول هذا التصور: بأن قيام «G7» باستبعاد روسيا من المجموعة، إنما هو إحدى أولى الإشارات على تحول هذه المجموعة إلى ذراع سياسي لحلف «شمال الأطلسي»، هذا الذراع الذي من الممكن له أن يهدد القارة الأوروبية من جديد، ويهيئ الظروف لما يمكن تسميته حرب باردة جديدة في أوروبا الشرقية.

إن جذور أزمة «G7» الجديدة تعود إلى بدايات هذا القرن، إذ لم يعد بالإمكان لهذه الدول أن تواصل عملها بمعزل عن الدول النامية التي أنتجت، وتنتج، معدلات عالية من النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته، لا يمكن لبعضها، كالولايات المتحدة، أن تمد يدها إلى الدول النامية، لأن التعاون معها سيعني إعادة الولايات المتحدة إلى الحجم الحقيقي لها.

*باحث سياسي ماركسي وصحفي هندي