ليبيا المدمَّرة: ماذا عن مصر وسورية وأوكرانيا؟
أفاد تقرير لقناة «روسيا اليوم» بالتالي: «تنظر ليبيا حالياً في احتمال نشر قوة دولية لإعادة الأمن وسط العنف الملتهب في العاصمة طرابلس التي شهدت تساقط عشرات الصواريخ على مطارها الدولي، مما أدى لتدمير معظم الطائرات المدنية المتواجدة فيه. هذا وقد صرح الناطق باسم الحكومة الليبية، أحمد أمين، بأن الحكومة بدأت تفكر في إمكانية تقديم طلب لنشر قوات دولية على أراضيها، لاسترجاع الاستقرار والأمن ومساعدتها في فرض سلطتها».
تجلّى «الغد الديمقراطي» الليبي الذي وعد به حلف «الناتو» في عام 2011، على شكل انتخابات مزورة متوقعة لم يقبل بها أحد، الأمر الذي ترك فراغاً في السلطة الليبية، ليجري ملؤه عبر نزاع مسلح بوتيرة عنف متزايدة. ولعلّ أكثر ما يثير السخرية في الأمر، هو أن الصراعات القائمة حالياً تدور بين المجموعات المسلحة الوكيلة للناتو، والتي استخدمها للقتال على الأرض، في الوقت الذي كانت تُقصف فيه ليبيا من الجو في عام 2011.
وكلاء واشنطن ينقلبون على بعضهم
خلّف القتال في مدينة بنغازي، في آذار من عام 2014، عشرات القتلى ومئات الجرحى، إضافة لنزوح سكان المدينة للنجاة بأرواحهم. وعزت وسائل الإعلام الغربية ما جرى إلى قيام ما سمّته بـ «جنرال منشق» بمهاجمة ميليشيات إسلامية داخل المدينة. حيث ادّعت وكالة «رويترز»، في تقريرٍ لها، أن «قوات الجيش الوطني الليبي، الذي أعلن استقلاله بقيادة جنرال منشق، تطلب من سكان بنغازي مغادرة أجزاء من مدينتهم قبل أن تقوم بشن هجوم جديد على معاقل المليشيات الإسلامية، ومقتل العشرات في اليوم التالي في أعنف اشتباكات شهدتها المدينة منذ أشهر».
خليفة حفتر هو الجنرال المنشق الذي جرى الحديث عنه سابقاً. أقام حفتر في الولايات المتحدة عدة سنوات، ويُشاع أن الـ «CIA» كانت تشرف على إعداده طيلة تلك المدة، وحتى عودته في نهاية المطاف إلى ليبيا في عام 2011، ليقود قوات برية أثناء «الغزو بالوكالة» الذي قام به الناتو. هذا وقد أوردت مجلة «ذا بيزنيس إنسايدر» في مقالٍ لها تحت عنوان «هل الجنرال خليفة حفتر هو رجل الـ «سي آي إي» في ليبيا؟» ما يلي:
«منذ قدومه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بداية التسعينيات، عاش حفتر في ضواحي ولاية فرجينيا، وذكر صديقه المدعو بدر أنه غير متأكد بالضبط مما فعله حفتر لإعالة نفسه، وأن تركيز الأخير كان منصباً بشكل رئيسي على مساعدة عائلته الكبيرة».
إذن، الجنرال السابق لدى القذافي والذي بدَّل ولاءه، يعترف للولايات المتحدة، ويوضع في ولاية فرجينيا بالقرب من واشنطن، ثم يتمكن من دعم عائلته بطريقة غامضة حتى بالنسبة لصديق عمره!!
إن احتمالات إدخال حفتر إلى أمريكا، كنوع من «الأصول»، هي احتمالاتٌ عالية جداً. تماماً كما حصل من زراعة شخصيات مثل أحمد الجلبي وإعداده لمرحلة «العراق بعد صدّام»، ومن الممكن أن يلعب حفتر دوراً مشابهاً أثناء إعداد المخابرات الأمريكية للحصول على فرصة في ليبيا. لكن المفارقة هي أن العديد من المليشيات الطائفية التي كان حفتر يقاتلها في بنغازي، هي الملشيات ذاتها التي دأب معمر القذافي - كرئيس لليبيا - على قتالها منذ عقود، كما أنها الملشيات نفسها التي سلّحها حلف الناتو وحرضها على القتال جنباً إلى جنب مع حفتر للإطاحة بالقذافي عام 2011.
بالعودة إلى حملته في بنغازي، ادّعى حفتر أنها مستمرة حتى «تطهير بنغازي من الإرهابيين» مضيفاً: «لقد بدأنا هذه المعركة، وسوف نواصلها إلى أن نحقق أهدافنا، والشعب الليبي معنا». إن تصريحات حفتر هذه هي صدى للتصريحات التي أطلقها معمر القذافي في عام 2011، إلا أن وسائل الاعلام الغربية نفت حينها وجود إرهابيين يتخذون من بنغازي مقراً لهم منذ عدة عقود، وصوّرت عمليات طرابلس هناك بأنها «مذبحة بحق المتظاهرين السلميين المؤيدين للديمقراطية» فقط.
«الناتو» دمّر ليبيا..
أخذت حقيقة الفظائع، التي استشهد بها الناتو لشنّ «تدخله الإنساني» في ليبيا في بادئ الأمر، بالتكشّف على أرض الواقع على أيدي الناتو وقواته الوكيلة أنفسهم. حيث جرى حصار مدن بأكملها وتجويعها وقصفها من الجو إلى أن استسلمت. وفي بلدات أخرى، تم إبادة مجموعات من السكان بأكملها أو تهجيرهم إلى خارج حدود ليبيا. أما مدينة تاورغاء التي يقطنها 10 آلاف مواطن، فقد جرى تدميرها بالكامل، حتى أن صحيفة «التيليغراف» البريطانية وصفتها بأنها «مدينة أشباح». من جهة أخرى، ومنذ سقوط طرابلس، تمكنت سرت والمدن الليبية الأخرى التي قاومت غزو وكلاء الناتو، من السير ولو ببطء في طريق الاستقرار.
ما زالت الحكومة الليبية في حالة فوضى، حيث انقسمت قواتها الأمنية بين بعضها، إضافة إلى قيام الـ «CIA» بتنظيم عملية عسكرية واسعة النطاق ضد مدينة بنغازي، متضمنة استخدام الطائرات الحربية، ودون موافقة طرابلس كما يبدو.
بعد سنوات، لم تزل ليبيا بلداً متعثراً ينزلق إلى الوراء. فقد تم التراجع، ومنذ وقت طويل، عن معظم إنجازات ليبيا، ومن غير المرجح استعادتها - ناهيك عن تطويرها - في المستقبل المنظور.
نجح الناتو في قلب وتدمير دولة بأكملها وتركها لتحترق، في الوقت الذي قامت الشركات الغربية بنهب ثرواتها، ناهيك عن استخدامها كنموذج لمغامراته المستقبلية خارج الحدود في كل من سورية ومصر وأوكرانيا، وحالياً في العراق.
النموذج الليبي :
مصر - سورية - أوكرانيا... احذروا
كما هو الحال في ليبيا، حاولت الفوضى أن ترسّخ نفسها في أوكرانيا ومصر وسورية، حيث تقوم المنظمات غير الحكومية ذاتها - التي استُخدمت سابقاً - بتمويل وتسليح ودعم المجموعات المتشددة في كلٍ من هذه البلدان.
وفي أوكرانيا سقط قناع المتظاهرين المؤيدين للـ «ديمقراطية» وللانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لتظهر مجموعة من النازيين الجدد ومتطرفي اليمين والقوميين المتشددين، الذين يلجؤون إلى العنف والترهيب السياسي بشكل دائم. حيث ارتفعت وتيرة الصراعات المسلحة تدريجياً والتي كانت خفيفة الحدة، وقد تتطور هذه الصراعات لتتحول إلى حربٍ بالوكالة في أوروبا الشرقية بين حلف الناتو وروسيا.
على الدول الثلاث هذه، وجميع الأطراف فيها، أن تدرس الحالة الليبية الراهنة. فليس لهذه الفوضى سوى خاتمة متوقعة و«منطقية» واحدة، وهي نهب وتقسيم وتدمير الدول التي اندلعت فيها الحروب بشكلٍ متفاوت، قبل أن يتم طيها في «وول ستريت» والنظام «فوق الوطني» المتنامي في لندن، وليتم بعد هذا استغلالها بأكبر قدر ولأطول فترة ممكنة من جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
عن موقع «جلوبال ريسيرتش».. بتصرف