واشنطن مثيرة الفتن.. تدفع أوكرانيا إلى الهاوية 1/2
«فشلَ نموذجُ العالم أحادي القطب، وأظهر الناس في كل مكان رغبتهم بتقرير مصيرهم والحفاظ على هويتهم الثقافية، والتصدي لمحاولات الهيمنة العسكرية والمالية والسياسية والإيديولوجية التي يقوم بها الغرب». الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. «في الوقت الذي تحتل السياسات الإنسانية عناوين الأزمة الأوكرانية كافة، تشكّل «سياسات الغاز» الجوهر الحقيقي لهذه الأزمة». المحلل الجيوسياسي إريك درايتسر.
ما علاقة خط أنابيب في أفغانستان بالأزمة في أوكرانيا؟
له علاقة كبيرة، حيث أنه يكشف المصالح التجارية التي تقود السياسة الأمريكية. فكما كان الهدف الحقيقي لحرب أفغانستان يتلخص بتيسير نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى بحر العرب، فقد قامت الولايات المتحدة بإعداد الانقلاب الدموي في كييف أيضاً، لقطع إمدادات الطاقة المتجهة من روسيا إلى أوروبا، بهدف تسهيل دخول المحور الأمريكي إلى آسيا.
ولهذا السبب، نجد أن واضعي السياسات في واشنطن كانوا مرتاحين جداً لنتائج الحرب على أفغانستان، على الرغم من أنه لم يجرِ تنفيذ أيٍ من أهدافها المعلنة، حيث أن أفغانستان لم تتحول إلى دولة ديمقراطية تمتلك حكومة مركزية قوية، ولم يتم القضاء على تجارة المخدرات، ولم تتحرر النساء، أما البنية التحتية وأنظمة التعليم، فأصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب.
الحرب على أفغانستان - بكل المعايير الموضوعية - حربٌ فاشلة. ولكن هذه الأهداف بالطبع، لا تعدو كونها ثرثرة لا تعني شيئاً، فالمهم في كل هذا هو الغاز، أو ما يسمى «الاحتياطات الواسعة غير المستغلة» في تركمانستان، والتي يمكن أن يتم استخراجها من شركات خاصة مملوكة أمريكياً، وقد تستخدم تلك الأخيرة سلطتها للتحكم في نمو منافسي الولايات المتحدة، أو قد تشكل منافساً للصين. وهذا هو بالضبط ما قامت الحرب لأجله. حيث سيجري نقل الغاز عبر خط أنابيب من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان والهند، وصولاً إلى بحر العرب، متجنباً الأراضي الإيرانية والروسية.
ومن الجدير بالذكر أن اكتمال خط الأنابيب هذا - المُسمى «TAPI» - من شأنه أن يحدّ من تطور أنبوب غاز إيراني، وبالتالي تخريب جهود دولة معادية للولايات المتحدة الأمريكية. ويشكّل خط «TAPI» مثالاً جيداً على كيفية قيام واشنطن بالدفاع العدواني عن الأصول والموارد التي تحتاجها لمواصلة هيمنتها في المستقبل المنظور.
شركة تضغط على دول!
لننظر الآن إلى هذه المقتطفات التي أوردتها «إكسبرس تريبيون»* في شهر تموز الفائت:
«سيلتقي مسؤولون من باكستان والهند وأفغانستان وتركمانستان الأسبوع القادم في عشق أباد، للمضي قدماً في مشروع «خط أنابيب الغاز العابر للحدود» والذي سيربط بين الدول الأربع، وللوصول إلى تسوية حول منح جائزة «المشروع المقدّر بمليارات الدولارات» لشركات أمريكية».
«في حديث لصحيفة «إكسبرس تريبيون»، ذكر مسؤول حكومي رفيع أن الولايات المتحدة تدفع الدول الأربع إلى منح عقد خط الأنابيب المربح لشركات الطاقة الأمريكية العملاقة، وأن شركتين أمريكيتين - شيفرون وإكسون موبيل - دخلتا في سباق الفوز بالمشروع، وتمويل مد الخط المذكور. وفي الوقت الحاضر، يجري إعداد كراسة الشروط بالتشاور مع المصرف الآسيوي للتنمية الذي يلعب دور المستشار في هذه الصفقة، وستُعطى الوثائق فقط لهاتين الشركتين لكي تشاركا في المناقصة».
مدعومةً من وزارة الخارجية الأمريكية، تمارس «شيفرون» ضغوطات على كل من الهند وباكستان وأفغانستان للتوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، فمن الممكن أن تصبح الشركات الأخرى أيضاً جزءاً من الائتلاف الذي ستقوده «شيفرون» أو «إكسون موبيل». وبالتالي، فإن خطة «مشروع خط الأنابيب TAPI» تسير قدماً.
من يخدم من!؟
إذاً فالأمر كالتالي، تستعرض وزارة الخارجية عضلاتها، وفجأة تحصل «إكسون» و«شيفرون» على الاتفاق!! ما هو انعكاس هذا الأمر على السوق الحرة؟ ومن يا ترى سيحمي مئات الأميال من خط الأنابيب الممتد في الأراضي الأفغانية الواقعة تحت سيطرة «طالبان»؟ وما تفسير تواجد قواعد عسكرية أمريكية في الأراضي الممتدة على طول الخط، أهي مصادفة؟! بالطبع لا. إن عملية «الحرية الدائمة»* هي خدعة أكبر من تلك الخدعة المفضوحة المسماة «الحرب على الإرهاب». لذلك، دعونا لا نخدع أنفسنا. فلا علاقة للحرب على أفغانستان بتحرير المرأة أو إقامة الديمقراطية للشعب الأفغاني. بل جلُّ هدفها يتعلق بسياسات القوة والمناورة الجيوستراتيجية وسرقة الموارد والتغلب على المنافسين المحتَملين، وجني الأرباح لشركات النفط العملاقة الشرهة، وهذا الأمر بات واضحاً للجميع.
طريق الحرير الجديد
نورد فيما يلي، مزيداً من المعلومات الأساسية من صحيفة «وول ستريت جورنال»، في مقال نشرته تحت عنوان «خط الأنابيب الذي قد يحفظ السلام في أفغانستان»: «في وقت سابق من هذا الشهر، بعث الرئيس أوباما رسالة إلى الرئيس التركماني، بردي محمدوف، أكد فيها على المصلحة المشتركة بين البلدين للمساعدة في تنمية أفغانستان، كما عبّر عن دعمه لمشروع «TAPI» ورغبته في أن تتولى شركة أمريكية كبرى تنفيذه. وسيمتاز «مشروع TAPI» بالأفضلية على العديد من المشاريع الأخرى، بما في ذلك مشاريع النقل والطرق والسكك الحديدية في الأراضي الأفغانية والتي تقع في قلب استراتيجية «طريق الحرير الجديد» الأمريكية التي أعدتها للاقتصاد الأفغاني. هذا ويدرك البيت الأبيض أنه في حال لم يبن هذا الخط، فلن تستطيع عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة أن تَحول دون بناء باكستان خط أنابيبٍ من إيران».
الهدف الحقيقي من الحرب
سنوضح الصورة أكثر، أفغانستان بلدٌ أساسي في «استراتيجية المحور» التي تنتهجها واشنطن، وسيتم استخدامها للنقل والقواعد العسكرية وكمصدر لاستخراج الموارد، وهذا كل شيء. أي لن يكون هناك إعادة إعمار أو بناء أمة. فالولايات المتحدة لا تقوم بهذه الأمور، هي إمبريالية القرن الواحد والعشرين المجردة والعارية. إن الطريقة التي يعمل بها النظام الآن تتلخص بالتالي «لا أمة لديك أيها الصديق، فأعطنا الغاز الذي تمتلكه وسوف نذهب». وهناك تشابه كبير بين هذا الأمر وما حصل في العراق - الذي أصبح أخطر بقاع الأرض - من تصاعدٍ في وتيرة إنتاج النفط ليصل إلى أعلى مستوياته خلال أكثر من 30 عاماً - وفقا لـ «وول ستريت جورنال» - حيث لم يعرف أحد الحجم الحقيقي للأرباح الناتجة من عائداته. وربما لهذا السبب تحديداً لم يقرأ أحد كلاماً يصف الحرب بأنها خطأ فادح. إلا أن المطلعين على حقيقة الأمور، يعلمون أنه ما من أخطاء على الإطلاق. ففي الواقع، سار كل شيء بشكل جيد جداً.
الفوضى.. بحلّة جديدة
هذا هو النموذج الجديد للفوضى الذي تطبقه واشنطن أينما دخلت، والهدف منه هو حل جهاز الدولة القومية من أجل إزالة أي عقبة أمام استخراج الموارد، وهذا هو سبب ظهور الدول الفاشلة في كل مكان تحشر أمريكا أنفها الكبير فيه. إن كل شيء مصمم بعناية، والفوضى هي الهدف، بكلام أوضح: من السهل أن يسرق المرء كل ما يريده عندما لا يكون هناك مركز قوة قادر على المقاومة. كما أن هذا الأمر يفسر القلق الحاد الذي يشعر به القادة السياسيون في أوروبا، ذلك أنهم لا يحبون فكرة تقاسم الحدود مع الصومال، وهو بالضبط ما ستتحول إليه أوكرانيا حين تنتهي الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ مخططاتها فيها.
هوامش :
إكسبرس تريبيون* : إحدى الصحف الباكستانية الرئيسية الصادرة باللغة الإنجليزية.
«الحرية الدائمة»* : الاسم الرسمي الذي أطلقته الحكومة الأمريكية على الحرب التي شنتها في أفغانستان.
نقلاً عن موقع : كاونتر بانش، بتصرف