نحو سيناريو حربٍ عالميةٍ ثالثة.. دور إسرائيل في إثارة هجومٍ على إيران.. خارطة طريق عسكرية (1-2)
في أعقاب قصف العراق وغزوه في العام 2003، ابتدأ مباشرةً تخزين ونشر أنظمة تسلّحٍ متطوّرة موجّهة نحو إيران. منذ البداية، قادت الولايات المتحدة خطط الحرب تلك بالارتباط مع الناتو و«إسرائيل».
بعد غزو العراق، نظرت إدارة بوش إلى إيران وسورية بوصفهما المرحلة التالية من «خارطة طريق الحرب»، وقد صرّحت مصادر عسكرية أمريكية أنّ هجوماً جوياً على إيران قد يتضمّن حشداً واسع المدى مقارنةً بغارات القصف على العراق في آذار 2003: «ستفوق الضربات الجوية الأمريكية على إيران مدى الهجوم الإسرائيلي في العام 1981 على مفاعل تموز النووي العراقي وستكون أشبه بالأيام الافتتاحية للحملة الجوية على العراق في العام 2003».
ميشيل شوسودوفسكي
«مسرح إيران القريب المدى»
الرمز الذي أطلق عليه المخططون الأمريكيون تسمية تيرانت، «مسرح إيران القريب المدى» ويحاكي هجوماً على إيران، بدأ في أيار 2003، «حين جمع صانعو النماذج وخبراء الاستخبارات البيانات الضرورية لتحليل سيناريو على المستوى الميداني (أي على نطاقٍ واسع) لإيران».. (ويليام آركين، واشنطن بوست، نيسان 2006).
حدّدت السيناريوهات عدة آلافٍ من الأهداف داخل إيران كجزءٍ من تكتيك الحرب الخاطفة (الصدمة والترويع): جمع التحليل المدعو تيرانت سيناريو وهمياً «لغزو فيلقٍ بحري ومحاكاة لقوات الصواريخ الإيرانية». أجرى المخطّطون الأمريكيون والبريطانيون مناورةً حربيةً في بحر قزوين في الوقت نفسه، كما أمر بوش القيادة الاستراتيجية بوضع خطة حربٍ عالمية لمهاجمة أسلحة الدمار الشامل في إيران. سيغذّي كلّ ذلك في نهاية المطاف خطة حربٍ جديدة من أجل «عمليات حربية كبرى» على إيران تؤكد المصادر العسكرية وجودها على هيئة مسودات.
وفق تيرانت، اختبر مخططو الجيش والقيادة المركزية سيناريوهين أحدهما قريب المدى والآخر أبعد من سنة للحرب مع إيران، يتضمّنان جميع مظاهر عملية حربية كبرى، من حشد القوات ونشرها وخلال عمليات الاستقرار بعد الحرب وبعد تغيير النظام.
لقد وضعت «سيناريوهات عمليات» مختلفة لشنّ حربٍ على إيران موضع التأمّل: وضع الجيش والأسطول والقوى الجوية والمارينز خطط المعارك وأمضوا أربعة أعوامٍ في بناء القواعد والتدريب من أجل «عملية تحرير إيران». ورث الأدميرال فالون، القائد الجديد للقيادة المركزية، الخطط الموضوعة في الحواسيب تحت اسم تيرانت.
في العام 2004، أمر ديك تشيني نائب الرئيس، مستخدماً سيناريوهات الحرب الأوّلية المسمّاة تيرانت، القيادة الاستراتيجية بوضع «خطة طوارئ» لعملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف إيران «لاستخدامها ردّاً على هجومٍ إرهابي من نمط هجوم 11 أيلول على الولايات المتحدة» بافتراض أنّ حكومة طهران تقف وراء المؤامرة الإرهابية. تضمّنت الخطّة استخداماً استباقياً لأسلحةٍ نوويةٍ ضدّ دولةٍ غير نووية:
تتضمّن الخطّة هجوماً جوّياً واسع النطاق على إيران يستخدم أسلحةً تقليديةً وأسلحةً نوويةً تكتيكية. داخل إيران هنالك أكثر من 450 هدفاً استراتيجياً رئيسياً، من بينها الكثير من مواقع تطوير برنامج التسلّح النووي المشتبه بها. الكثير من الأهداف منيعٌ للغاية أو أنّها مبنيةٌ تحت الأرض وقد لا يمكن تدميرها بالأسلحة التقليدية، ومن هنا يأتي الخيار النووي. كما هي حال العراق، لن يكون الردّ تقليدياً إن تورّطت إيران فعلاً في عملٍ إرهابي موجّهٍ للولايات المتحدة. ذكر أنّ العديد من كبار ضبّاط القوى الجوّية الذين تورّطوا في التخطيط مرتاعون من النتائج المترتبة على فعلهم ـ عدم تهيؤ إيران لهجومٍ نووي لم يسبقه استفزاز ـ لكنّ أيّاً منهم ليس مستعدّاً للإضرار بمهنته في حال توجيه أيّ اعتراض.
العراق أولاً.. ثمّ إيران
كان استهداف إيران وفق تيرانت، جزءاً من عمليةٍ أوسع للتخطيط العسكري وسلسلةً من العمليات العسكرية. سابقاً وبإشراف إدارة كلينتون، صاغت القيادة المركزية «في خطط مسرح الحرب» لغزو العراق أوّلاً ثمّ إيران. كان الوصول لنفط الشرق الأوسط هو الهدف الاستراتيجي المعلن..
شكّلت مصالح الأمن القومي الواسعة وأهدافها المعبّر عنها في استراتيجية الأمن القومي الرئاسية والاستراتيجية العسكرية القومية أساس الاستراتيجية الميدانية للقيادة المركزية. توجّه استراتيجية الأمن القومي تطبيق استراتيجية الاحتواء المزدوج للدول «المارقة» مثل العراق وإيران طالما تهدّد هذه الدول مصالح الولايات المتحدة، ودولاً أخرى في المنطقة والمواطنين التابعين لتلك الدول «المارقة».
الاحتواء المزدوج مصمّمٌ للحفاظ على توازن القوى في المنطقة من دون الاعتماد على العراق أو إيران. تقوم استراتيجية الميدان الخاصة بالقيادة المركزية على المصلحة وتركّز على التهديد. الغاية من التزام الولايات المتحدة، وفق استراتيجية الأمن القومي، حماية المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة ـ الوصول الآمن والمتواصل للولايات المتحدة وحلفائها إلى نفط الخليج.
ينظر إلى الحرب على إيران كجزءٍ من سلسلة من العمليات العسكرية. وفقاً للقائد السابق للناتو الجنرال ويسلي كلارك، فإنّ خارطة الطريق العسكرية الخاصة بالبنتاغون تتضمّن سلسلةً من البلدان: «تتضمن خطة حملة السنوات الخمس... ما مجموعه سبعة بلدان، تبدأ بالعراق ثمّ سورية ثمّ لبنان ثمّ ليبيا ثمّ إيران ثمّ الصومال ثمّ السودان». في كتاب: «الظفر بالحروب الحديثة» (صفحة 130)، يعلن الجنرال كلارك التالي:
«حين عدت عبر البنتاغون في تشرين الثاني 2001، كان لدى أحد كبار ضبّاط هيئة الأركان ما يكفي من الوقت ليقول: نعم، لا نزال نمضي قدماً على درب مهاجمة العراق، لكن هنالك المزيد. تمّت مناقشة ذلك كجزءٍ من خطّة حملة السنوات الخمس. وهنالك ما مجموعه سبعة بلدان».
دور «إسرائيل»
هنالك الكثير من النقاش حول دور «إسرائيل» في بدء هجومٍ على إيران. «إسرائيل» جزءٌ من التحالف العسكري، لكنّها ليست لاعباً رئيسياً ولا توجد لديها أجندة عسكرية منفصلة ومتميزة.
وهي مدمجةٌ في «خطة حرب لعمليات قتال كبرى» ضد إيران وضعتها القيادة الاستراتيجية في العام 2006. في سياق عملياتٍ عسكريةٍ واسعة النطاق، فإنّ قيام أحد شركاء التحالف، أي «إسرائيل»، بعملٍ عسكريٍّ منفردٍ من غير تنسبقٍ محالٌ غالباً من وجهة نظرٍ عسكريةٍ واستراتيجية. «إسرائيل» عضوٌ فعليٌّ في الناتو، وأيّ عملٍ عسكريٍّ تقوم به يحتاج إلى «ضوء أخضر» من واشنطن، مع ذلك، قد يستَخدم هجومٌ تشنّه «إسرائيل» كآلية إشعالٍ تطلق حرباً شاملةً على إيران، وكذلك عملٌ ثأريٌّ تقوم به إيران ضدّ «إسرائيل».
في هذا الصدد، هنالك مؤشّراتٌ على أنّ واشنطن قد تضع في تصوّرها خيار هجومٍ أوّليٍّ تشنّه «إسرائيل» (مدعومٍ من الولايات المتّحدة) أكثر من خيار عمليّةٍ عسكريةٍ تقودها واشنطن علانيةً على إيران. قد يقدَّم الهجوم «الإسرائيلي»، مع أنّه وثيق الصلة بالبنتاغون والناتو، إلى الرأي العامّ بوصفه قراراً اتّخذته تل أبيب من جانبٍ واحد. يمكن لواشنطن أن تستخدمه لاحقاً لتبرير تدخّلٍ عسكريٍّ يقوم به الناتو والولايات المتحدة، أمام الرأي العام العالمي، بذريعة «الدفاع» عن «إسرائيل»، أكثر من مهاجمة إيران. وفق اتفاقات التعاون العسكري القائمة، فإنّ الولايات المتحدة والناتو «ملتزمان» بـ«الدفاع» عن «إسرائيل» في مواجهة إيران وسورية.
تجدر الملاحظة، في هذا الخصوص، أنّه في بداية رئاسة بوش الثانية، لمّح نائب الرئيس ديك تشيني، بتعابير غامضة، إلى أنّ إيران كانت «في رأس قائمة الأعداء المارقين» لأمريكا، وأنّ «إسرائيل»، على سبيل المثال، «ستقوم بالقصف نيابةً عنّا»، من دون تدخّلٍ عسكريٍّ أمريكي ومن دون أن نضغط عليها لتفعل ذلك». وفقاً لتشيني: «أحد مشاغل الناس أن تقوم إسرائيل بفعل ذلك من دون أن يطلب منها... آخذين بالاعتبار حقيقة أنّ لإيران سياسةً علنيةً هدفها تدمير إسرائيل، قد يقرّر الإسرائيليون التحرّك أوّلاً، ويتركون لبقية العالم القلق بشأن تنظيف الفوضى الدبلوماسية بعدئذٍ».
نيابةً عن أمريكا
تعليقاً على تأكيد نائب الرئيس، أكّد مستشار الأمن القومي السابق زيبنغو بريجنسكي، في مقابلةٍ مع محطّة PBS، بشيءٍ من القلق، نعم: تشيني يريد من رئيس الوزراء آرييل شارون أن يتحرّك نيابةً عن أمريكا و«يفعلها» لأجلنا:
ما نتعامل معه هو عمليةٌ مشتركةٌ لـ«إسرائيل» والناتو والولايات المتحدة لقصف إيران، كانت في مرحلة التخطيط الناشط منذ العام 2004. كان مسؤولو وزارة الدفاع، بإشراف بوش أولاً وأوباما لاحقاً، يعملون بدأبٍ مع نظرائهم الإسرائيليين من العسكريين والأمنيين، ويحدّدون بحرصٍ الأهداف داخل إيران. بالمعنى العسكري العملي، سيكون أيّ تحرّكٍ إسرائيلي معدّاً ومنسّقاً في المستويات العليا من التحالف الذي تقوده واشنطن. كذلك، سيتطلّب أيّ هجومٍ تشنّه إسرائيل دعماً لوجستياً من الناتو ـ الولايات المتحدة، خاصّةً في ما يتعلّق بمنظومة الدفاع الجوّي الإسرائيلي والتي تمّ دمجها بالكامل منذ العام 2009 بمنظومة الدفاع الجوّي التابعة للناتو والولايات المتحدة.
نظام الرادار X-Band الإسرائيلي المقام في مطلع التسعينيات بدعمٍ تقني أمريكي «يدمج دفاعات الصواريخ الإسرائيلية بشبكة كشف الصواريخ العالمية للولايات المتحدة، وتتضمّن أقماراً صناعيةً وسفن إيجس في البحر المتوسّط والخليج الفارسي والبحر الأحمر، ورادارات باتريوت الأرضية الاعتراضية».
ما يعنيه ذلك أنّ واشنطن تدعو في نهاية المطاف إلى إطلاق النار. تفوق سيطرة واشنطن على نظام الدفاع الجوّي سيطرةَ إسرائيل عليه: «(إنّه نظام رادارٍ أمريكي وسيظلّ كذلك)، هذا ما قاله الناطق الرسمي باسم البنتاغون جيوف موريل، وتابع، (وهو سلعةٌ لن نعطيها أو نبيعها للإسرائيليين وهو أمرٌ سيتطلّب على الأرجح أمريكيين لتشغيله)».
يشرف الجيش الأمريكي على منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، المدمجة بنظام البنتاغون العالمي. بكلماتٍ أخرى، لا تستطيع «إسرائيل» شنّ حربٍ على إيران من دون موافقة واشنطن. إذاً، تكمن أهمّية ما يدعى «الضوء الأخضر» في الكونغرس الأمريكي برعاية الحزب الجمهوري في ظلّ قرار المجلس رقم 1553 الذي يؤيّد صراحةً هجوماً إسرائيلياً على إيران تكمن في ما يلي:
«الإجراء المقدّم من العضو الجمهوري عن ولاية تكساس لوي غومرت و46 من زملائه يصادق على استخدام إسرائيل (لجميع الوسائل الضرورية) ضدّ إيران، (ومن ضمنها استخدام القوة العسكرية)... (نريد أن يحدث ذلك. نحتاج لإظهار دعمنا لإسرائيل. نحتاج للكفّ عن اللعب مع هذا الحليف الحاسم في تلك المنطقة العويصة)».
في التطبيق، يقدّم التشريع المقترح «ضوءاً أخضر» للبيت الأبيض والبنتاغون أكثر ممّا يقدّمه لإسرائيل. وهو يشكّل مصادقةً على حربٍ ترعاها واشنطن ضدّ إيران وتستخدم «إسرائيل» كمنصّة إطلاقٍ ملائمة. كما أنّها تفيد في تسويغ شنّ حربٍ بحجّة الدفاع عن «إسرائيل».
في هذا السياق، يمكن لـ«إسرائيل» أن تقدّم بالفعل ذريعةً لشنّ الحرب، ردّاً على هجماتٍ مزعومةٍ تقوم بها حماس أو حزب الله، أو القيام بأعمالٍ عدائيةٍ على الحدود مع لبنان. ما هو حاسمٌ للفهم أنّ «حادثةً» صغيرةً قد تستخدم كذريعةٍ للقيام بعمليةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ ضدّ إيران.
يعرف مخطّطو الجيش الأمريكي أنّ «إسرائيل» (أكثر من الولايات المتّحدة) ستكون الهدف الأوّل لانتقام إيران العسكري. بقولٍ أوضح، سيكون الإسرائيليون ضحايا مؤامراتٍ مشتركةٍ بين حكومتهم وواشنطن..
دور القيادة الاستراتيجية الأمريكية
يتمّ تنسيق العمليات العسكرية العالمية خارج مقرّ القيادة الاستراتيجية في قاعدة أوفات الجوّية في نبراسكا، بصلةٍ وثيقةٍ مع القيادات الإقليمية لقيادات الحرب الموحّدة (مثل القيادة المركزية في فلوريدا المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، انظر الخريطة أدناه) إضافةً إلى وحدات قيادة التحالف في «إسرائيل» وتركيا والخليج وقاعدة دييغو غارسيا العسكرية في المحيط الهندي. التخطيط العسكري واتّخاذ القرار على مستوى البلد بوساطة الحلفاء الفرديين للناتو والولايات المتحدة إضافةً إلى «الأمم الشريكة» مدمجٌ في مخطّطٍ عسكريٍّ عالمي يتضمّن تسليح الفضاء.
في ظلّ تفويضها الجديد، القيادة الاستراتيجية مسؤولةٌ عن «الإشراف على خطّة ضربةٍ عالمية» تتضمّن استخدام أسلحةٍ تقليديةٍ ونووية. بلغةٍ عسكرية، تمّ اختيارها لتلعب دور «مدمجٍ عالميٍّ مكلّفٍ بمهمّات عمليات الفضاء، وعمليات الاستعلام، والدفاع الصاروخي المدمج، والقيادة ـ السيطرة عالمياً، والاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع، وشنّ ضربةٍ عالمية، والردع الاستراتيجي..».
تتضمّن مسؤوليات القيادة الاستراتيجية: «القيادة والتخطيط وتنفيذ عمليات ردعٍ استراتيجي» على المستوى العالمي، «مزامنة خطط وعمليات الدفاع الصاروخي عالمياً»، «مزامنة خطط القتال الإقليمي»، إلخ. القيادة الاستراتيجية وكالةٌ رائدةٌ في تنسيق الحرب المعاصرة.
في كانون الثاني 2005، وفي مستهلّ الانتشار العسكري والتصعيد ضدّ إيران، تمّ تحديد القيادة الاستراتيجية بوصفها «قيادة القتال الرئيسية لدمج ومزامنة الجهود الواسعة للقوات في مكافحة أسلحة الدمار الشامل». ما يعنيه ذلك أنّ تنسيق هجومٍ واسع النطاق على إيران يتضمّن عدّة سيناريوهاتٍ للتصعيد داخل وخارج حدود منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيكون من مسؤولية القيادة الاستراتيجية.
أسلحة نووية تكتيكية موجهة نحو إيران
تؤكّد الوثائق العسكرية، فضلاً عن التصريحات الرسمية، أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل أمعنتا النظر في استخدام أسلحة نووية في مواجهة إيران. في العام 2006، أعلنت القيادة الاستراتيجية أنّها أنجزت القدرة العملياتية على ضرب أهدافٍ في أنحاء الكوكب بسرعةٍ فائقةٍ باستخدام أسلحةٍ تقليديةٍ أو نووية. صدر هذا الإعلان بعد محاكياتٍ عسكريةٍ لهجمةٍ نوويةٍ بقيادة الولايات المتحدة على بلدٍ متخيَّل. (ديفيد راب، حرب نووية استباقية في وضع الجهوزية: القيادة الأمريكية تعلن قدرتها على القيام بضربة عالمية، غلوبال سيكيوريتي نيوزواير، 2 كانون الأول 2005)
مواصلاً حقبة بوش ـ تشيني، صادق الرئيس أوباما إلى حدٍّ كبيرٍ على عقيدة الاستخدام الاستباقي للأسلحة النووية التي وضعتها الإدارة السابقة. في إطار مراجعة الموقف النووي العام 2010، أكّدت إدارة أوباما «أنّه يمكن الاحتفاظ بحقّ استخدام أسلحةٍ نوويةٍ في مواجهة إيران» لعدم إذعانها لمطالب واشنطن المتعلّقة ببرنامجها النووي العسكري المزعوم.
كذلك، لمّحت إدارة أوباما إلى أنّها ستستخدم قنابل نووية في حال ردّت إيران على هجومٍ «إسرائيل» عليها.. كذلك، وضعت «إسرائيل» «خططها السرّية» لقصف إيران بأسلحةٍ نوويةٍ تكتيكية:
«يعتقد القادة العسكريون الإسرائيليون أنّ ضرباتٍ تقليدية قد لا تكون كافيةً لمحق منشآت التخصيب حسنة التحصين. فالكثير منها بني تحت الأرض وتمّت تغطيته بما لا يقلّ عن 70 قدماً من الخرسانة والصخور. مع ذلك، سوف تستخدم مدمّرات الملاجئ النووية المرشّحة فقط في حالة عدم نجاعة هجومٍ تقليدي وفي حال امتنعت الولايات المتحدة عن التدخّل، كما قالت مصادر مطّلعة». (إسرائيل تخطّط لضربةٍ نوويةٍ على إيران ـ تايمز أونلاين، 7 كانون الثاني 2007).
كما أنّ تصريحات أوباما حول استخدام أسلحة نووية ضدّ إيران متطابقةٌ مع عقيدة الأسلحة النووية لما بعد أحداث 11 أيلول، والتي تبيح استخدام أسلحةٍ نوويةٍ تكتيكية في مسرح حربٍ تقليدية.
أثناء حملة البروباغندا التي جنّدت تأييد علماء الذرّة «الموثوقين»، تمّ دعم استخدام قنابل نووية صغيرة كأداةٍ لتحقيق السلام، أي وسائل لمحاربة «الإرهاب الإسلامي» وإقامة النمط الغربي من «الديمقراطية» في إيران. من الواضح أنّ القنابل النووية الصغيرة المحدودة التأثير مخصّصةٌ (للاستخدام في ميدان المعركة). وهي مرشّحةٌ للاستخدام ضدّ إيران وسورية في المرحلة التالية من «حرب أمريكا على الإرهاب» إلى جانب الأسلحة التقليدية.
يجادل مسؤولو الإدارة حول ضرورة استخدام القنابل النووية الصغيرة محدودة التأثير كرادعٍ موثوقٍ ضدّ الدول المارقة (إيران وسورية وكوريا الشمالية). فمفاد منطقها أنّ الأسلحة النووية الحالية لا يمكن استخدامها لشدّة تدميرها إلاّ في حالة حربٍ نوويةٍ واسعة النطاق. الأعداء المحتملون يدركون ذلك، وبالتالي لن يضعوا في الاعتبار التهديد بثأرٍ نووي. مع ذلك، فالقنابل النووية الصغيرة المحدودة التأثير أقلّ تدميراً، وبالتالي قد تكون ملائمةً للاستخدام. سيجعل ذلك منها قوّة ردعٍ أكثر فاعليةً.
السلاح النووي المفضّل للاستخدم ضدّ إيران هو سلاحٌ تكتيكي نووي (مصنوع في أمريكا)، أي قنابل تدمير الملاجئ ذات الرؤوس النووية (مثل B61.11)، ولها قدرة تدميرٍ تتراوح بين ثلث القدرة التدميرية لقنبلة هيروشيما إلى ستّة أضعافها. قنبلة B61-11 هي «نسخةٌ نووية» من القنبلة «التقليدية»BLU 113. أو القنبلة الموجّهة GBU-28 ويمكن توجيهها على نحوٍ مشابهٍ لقنابل تدمير الملاجئ التقليدية. وفي حين لا تعتزم الولايات المتحدة استخدام أسلحة نووية حرارية استراتيجية ضدّ إيران، فإنّ ترسانة «إسرائيل» النووية مكوّنة إلى حدٍّ كبيرٍ من قنابل نووية حرارية تمّ نشرها ويمكن استخدامها في حربٍ مع إيران. بوجود صواريخ أريحا III التي يتراوح مداها بين 4800 كم و6500 كم، ستكون كامل أراضي إيران في متناولها.
عن موقع أبحاث العولمة.. آب 2010
*أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة أوتاوا ومدير أبحاث العولمة في مونتريال.