سياسة حافة حرب طويلة الأمد ضد سورية..

سياسة حافة حرب طويلة الأمد ضد سورية..

ثمة مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية تستبعد حرباً وشيكة ضد سورية وإيران، لكنها تترك سياسة حافة الحرب طويلة الأمد الخيار الأفضل لاستنزاف وإرهاق سورية بصفة خاصة..

الحرب.. وروادعها

بالرغم من الصوت المرتفع لقرع طبول الحرب ضد سورية وإيران، فإن مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية لا ترجح أن تكون الحرب وشيكة في المشرق العربي ومحيطه، لكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية الذي يقرع هذه الطبول قد استعاض عنها بسياسة حافة الحرب طويلة الأمد، وهي سياسةمحفوفة بمخاطر واقعية يمكنها أن تنزلق في أية لحظة إلى حرب فعلية لسبب أو لآخر. وتقف سورية اليوم في مركز سياسة حافة الحرب بقدر ما تقف في مركز حرب محتملة قد تنزلق هذه السياسة إليها.

ولم تكن المناورات العسكرية الصاروخية التي أعلنت دمشق عنها الأسبوع الماضي تعبيراً عن حالة «يأس» كما قال وزير حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي ايهود باراك، بل كانت إعلاناً عن تصميم سورية على الدفاع الوطني والقومي بكل الوسائل في حال فرضت عليها حرب فعلية، لكن الأهم أن تلك المناورات كانتأحدث مؤشر ملموس إلى كون القيادة السياسية السورية والجيش العربي السوري مؤهلين بدورهم لممارسة سياسة حافة الحرب.

وبصورة مماثلة، فإن انتهاك طائرة تجسس أميركية دون طيار للأجواء الإيرانية، ومخاطرتها باختراق هذه الأجواء إلى مقربة من مركز البرنامج النووي الإيراني والدفاعات المكثفة التي تحميه قرب مدينة «قم»، كان مؤشراً آخر إلى تصعيد سياسة حافة الحرب الأميركية بقدر ما أشار إسقاط تلك الطائرة إلى استعداد إيرانبدورها لممارسة سياسة حافة الحرب.

وهذا الاستعداد الإيراني يذكر بأهم عناصر العامل الإقليمي لاستبعاد اندلاع حرب وشيكة في المشرق العربي ومحيطه. فقد أوضحت كل من دمشق وطهران أن التنسيق بينهما لن يسمح للتحالف الغربي بالاستفراد بأي منهما، مما ينذر بأن حرباً تقودها الولايات المتحدة على سورية أو على إيران سوف تتصاعد إلى حريقإقليمي. وهذا هو الرادع الأول الذي لا يرجح أن تكون الحرب وشيكة على أي من البلدين. فتكرار التجربة المرة للانفراد الأميركي بغزو العراق واحتلاله، ولانفراد حلف الناتو بليبيا، لا يبدو تكراراً محتملا في سورية أو إيران. 

ولم تترك لا دمشق ولا طهران مجالاً للشك في أن أي حريق إقليمي سوف يشمل دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتأكيد، ولذلك ليس من المرجح أن يلجأ التحالف الغربي إلى الحرب على سورية أو على إيران أو على كلتيهما معا ما لم يضمن سلفا حماية أمن «إسرائيل» ضد ردود الفعل السورية والإيرانية. ومثلما أثبت فشلبطاريات «باتريوت» الأميركية المنصوبة في دولة الاحتلال في حمايتها من الصواريخ العراقية عام 1991، وفشل «القبة الحديدية» الإسرائيلية في تحييد صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة المحاصر، وفي تحييد صواريخ المقاومة اللبنانية عام 2006، بينما ما زالت صواريخ «حيتس» الإسرائيليةالمضادة للصواريخ والممولة أميركياً، تنتظر إثبات جدواها، فإن عدم وجود ضمانات غربية لحماية أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي تحيد ردود فعل سورية وإيران وحزب الله وحماس يمثل الرادع الثاني ضد حرب وشيكة على سورية أو إيران.

ويتمثل الرادع الثالث في جبهة دولية صلبة تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا تحول دون منح شرعية الأمم المتحدة لحرب كهذه، وبالتالي تحكم عليها مسبقا كحرب عدوانية سافرة، بينما الحزم الروسي في معارضة التدخل العسكري الأجنبي في سورية لم يترك مجالاً للشك في الاستعداد الروسي لتعزيزالدفاعات السورية.

أما الأزمة المالية والاقتصادية الأميركية – الأوروبية الطاحنة، فتمثل رادعاً رابعاً حفز سحب القوات الأميركية من العراق بنهاية العام الحالي، وإعلان واشنطن عن سحب مماثل لها لن يطول كثيراً من أفغانستان، وبالتالي ليس من المتوقع أن يكون التحالف الغربي قادراً على تمويل حرب جديدة ضد سورية أو إيران تشيركل الدلائل إلى احتمال تطورها إلى حرب إقليمية.

ويظل تماسك الجبهة الوطنية الداخلية في كل من سورية وإيران هو طبعا الرادع الحاسم.

وهذه العوامل وغيرها مجتمعة تستبعد حربا وشيكة ضد سورية وإيران، لكنها تترك سياسة حافة الحرب طويلة الأمد الخيار الأفضل لاستنزاف وإرهاق سورية بصفة خاصة.

 

التصعيد المتعدد الجوانب..

 والسيناريوهات الأمريكية

إن التصعيد الإعلامي حد الحرب النفسية السافرة ضد دمشق، والدبلوماسي حد فرض عزلة عربية وغربية سياسية على سورية، والاقتصادي حد فرض عقوبات جماعية على الشعب السوري، والعسكري حد الدخول علنا في دبلوماسية «الزوارق الحربية» قبالة السواحل السورية، هو تصعيد يرقى إلى سياسة حافة الحرب.

والتصعيد الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي يتجه عسكرياً بصورة واضحة نحو سياسة حافة الحرب، أو في الأقل نحو حشود عسكرية بحرية قبالة السواحل السورية، أميركية تمهد لفرض حصار بحري أو منطقة حظر جوي من أجل تطبيق العقوبات الغربية والعربية ضد سورية، وروسية من أجل الحيلولة دون فرضحظر كهذا.

وهذا الحشد البحري العسكري المتشابك والمتداخل في حيز بحري محدود لقوتين دوليتين تجدا نفسيهما على طرفي نقيض في طرق حل الأزمة السورية، محفوف بمخاطر جسيمة يمكنها الانزلاق بسرعة إلى حرب فعلية.

 

في الثلاثين من آب / أغسطس الماضي نشر معهد بروكينغز الأميركي دراسة لمدير الأبحاث المتخصص في الشؤون الدفاعية، مايكل ي. أوهانلون، استعرض فيها أربعة خيارات أو سيناريوهات لحل الأزمة السورية:

أولها غزو لـ«تغيير النظام» على الطريقة العراقية..

وثانيها فرض منطقة حظر جوي وبري على الطريقة العراقية – الليبية..

وثالثها عملية عسكرية بحرية لـ«فرض تطبيق عقوبات قوية» يمكنها - - بتعاون تركيا والعراق والأردن في إغلاق معابرهم البرية - أن تفرض «حظراً بحرياً» سوف يكون «بسهولة ضمن قدرة أساطيل حلف الناتو» بالتعاون مع شركاء عرب..

ورابعها حملة قصف جوي على طريقة فصل كوسوفو عن صربيا تستهدف «مراكز القيادة والسيطرة وأماكن مثل البنوك ومحولات الكهرباء ومرافق حزب البعث. وهي حملة لن تكون قادرة على حماية المدنيين».

ومع أن أوهانلون استدرك بأنه «لا توجد أي ضمانة لنجاح هذه الخيارات»، ولذلك «أنا لا أحبذها الآن»، فإن الوقت قد يأتي «للبدء في الحديث عنها والتفكير فيها».

ويبدو أن هذا الوقت قد حان فعلاً للنظر في هذه الخيارات بعد العقوبات التي أعلنتها جامعة الدول العربية، والأرجح أن النظر فيها كان على جدول اللقاء الأخير بين الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين في بروكسل لـ«تنسيق» الخطوات الثنائية تجاه سورية،عشية إعلان الاتحاد الأوروبي عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد سورية.

ولأن العقوبات الأميركية والأوروبية هي الأسبق، فإن صانعي القرار الغربي يعتبرون العقوبات العربية استكمالا لعقوباتهم وجزءاً منها، بغض النظر عن إعلان الجامعة العربية بلسان أمينها العام بأن عقوباتها تستهدف منع «التدخل الأجنبي» في سورية.

إذ كان رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني واضحا عندما قال: إن فشل الحل العربي قد يقود إلى التدويل، وإن القوى الأجنبية قد تتدخل إذا اعتبرت العرب «غير جادين»، وإن الجامعة العربية نفسها قد تطلب التدخل الدولي «إذا لم يأخذنا السوريون على محمل الجد».

ولا يوجد شك في أن التدخل الدولي إن وقع سوف يكون تدخلاً عسكرياً سواء طلبه عرب أم لم يطلبوه. ومن الواضح أن التحذير القطري من الاحتمالات الواقعية للتدخل الأجنبي، أو التهديد القطري بتدخل كهذا، إنما يصعد الأزمة بدوره إلى حافة الحرب.

إن إعلان الجامعة العربية بأنها ستطلب مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في «تسوية» الأزمة السورية، سوف يوفر لواشنطن وبروكسل مسوغاً كافياً للبدء فعلاً في البحث عن آليات عسكرية لفرض عقوباتهم، فهم بالتأكيد لم يعلنوا عن هذه العقوبات كي تظل حبراً على ورق، مما يصعد الأزمة بدورهإلى حافة الحرب.

 

على الحافة!!

في الثالث والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر، نشرت وكالات الأنباء خبر وصول حاملة الطائرات النووية الأميركية «يو اس اس جورج اتش. دبليو. بوش» إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث يقوم الأسطول السادس الأميركي بدورياته، من الخليج العربي، ورسوها قبالة السواحل السورية، وهي تقود مجموعة حربيةبحرية تضم مدمرتين صاروخيتين وطرادين صاروخيين. وقد طلبت الحكومة الأميركية من رعاياها في سورية مغادرة البلاد «فوراً»، بينما طلب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو من مواطنيه عدم السفر إلى سورية وتجنبهم العودة إلى تركيا من دول الخليج العربية عبر أراضيها.

وقبل وصول حاملة الطائرات الأميركية كانت ثلاث سفن حربية روسية قد رست قبالة طرطوس السورية. وأعلنت موسكو رسمياً أنها كانت سترسل إلى سورية أسطولاً حربياً بقيادة حاملة الطائرات «الأميرال كوزينيتسوف». وفي الثاني من الشهر الماضي أعلن رئيس الخدمات الفدرالية للتعاون الفني العسكري الروسي،ميخائيل دميترييف، أن عقد تزويد سورية بصواريخ متقدمة مضادة للسفن «يجري تنفيذه» بالرغم من الجهود الإسرائيلية والأميركية لوقف تنفيذ العقد المبرم بين روسيا وبين سورية عام 2007. وتتمتع موسكو بتسهيلات بحرية في ميناء طرطوس السوري لا تتمتع بمثلها في أي ميناء آخر في البحر الأبيض المتوسط،ويوجد أكثر من (100) ألف مواطن روسي يعيشون في سورية.

لقد نفى رئيس الأركان العامة الروسية، نيكولاي ماكاروف، أن يكون للقوة البحرية الروسية في المتوسط أية علاقة بالوضع في سورية، وقال إنها موجودة كجزء من تدريبات بحرية مقررة سابقاً. وقال الناطق باسم سلاح البحرية الروسي إن: «توقف السفن الروسية في طرطوس» ليس «رد فعل على الأحداث فيسورية»، وإن «هذا التوقف كان مقرراً منذ عام 2010» عندما «لم يكن هناك شيء» في سورية. ونفى الأميركيون بصورة مماثلة نفياً غير مباشر أية علاقة لانتشارهم البحري قبالة سواحل سورية بالوضع فيها عندما قالوا، على ذمة «انترفاكس» الروسية، إن وجودهم الحربي قبالة السواحل السورية هو «للقيام بعملياتأمنية ومهمات دعم بحري كجزء من عملية الحرية الدائمة (في أفغانستان) وعملية الفجر الجديد (في العراق )».

لكن الأدميرال فالنتين سليفانوف، رئيس أركان سلاح البحرية الروسي السابق، قال في مقابلة مع «سفوبودنايا بريسا» في الثالث والعشرين من الشهر الماضي: «إذا كانت سفن ما تتمركز في مكان ما، فإنه من غير الممكن طبعا أن تحلق فوقها ببساطة كي تقصف مكانا ما. فحتى الأميركيين لن يكون في استطاعتهم تجاهلوصول سفننا قبالة ساحل سورية ... إن ظهورها في شرقي البحر الأبيض المتوسط سوف يكون إشارة لكل العالم تفيد بأن لروسيا مصالح هنا، ولا يمكنكم سحق وتدمير وقتل أحد دون أخذها في الحسبان».

ومن المؤشرات الأخرى إلى تصعيد الأزمة السورية نحو حافة الحرب، التقرير الذي نشره موقع «ديبكا فايل» وثيق الصلة بالاستخبارات الإسرائيلية في السابع والعشرين من الشهر المنصرم عن «الحشد البحري» الأميركي والروسي قبالة السواحل السورية. فقد نسب التقرير إلى «مصادر عسكرية» إسرائيلية قولها إنألوية مسلحة إسرائيلية اندفعت نحو مواقع متقدمة على «الحدود اللبنانية والسورية»، ووضعت تركيا «ثلاثة ألوية مسلحة وسلاحها الجوي وبحريتها في حالة تأهب»، و«مثل ذلك» فعل حزب الله اللبناني والقوات المسلحة اللبنانية والأردنية.

أما التقارير الإعلامية التي تحدثت عن جسر جوي تركي – قطري لنقل «المتطوعين» والأسلحة من ليبيا إلى تركيا للقتال إلى جانب «الجيش السوري الحر» الذي يتخذ من الأراضي التركية قاعدة له، فإنه مجرد مؤشر آخر إلى التصعيد نحو حافة الحرب، وإن كان أحد هذه التقارير الذي لم يتأكد بعد، وذكر بأن رئيسالمجلس العسكري في طرابلس الغرب، علي بلحاج، كان من ضمن أولئك «المتطوعين» الليبيين يثير أسئلة جادة عما إذا كان الوضع في ليبيا قد استتب حقاً حد الاستغناء عن خدمات قادة مثل بلحاج في العمل من أجل استتبابه.  

ولا شك أن هذا النزر اليسير الذي تسرب إلى وسائل الإعلام عن استعدادات حافة الحرب هذه، ليس إلا قمة جبل جليد فحسب. وهذه هي على الأرجح الخلفية التي استند إليها وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبيه، عندما أعلن بأن أيام الحكم الحالي في سورية قد أصبحت «معدودة».

 

* كاتب عربي من فلسطين