من يوسف بن يعقوب وبقراته السبع إلى الحكومة العالمية الجديدة (1)
فن زيادة رأس المال
رغم التفرقة المعروفة بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية تشكلت فقط عام 1896-1897، إلا أنه لم يعد من الممكن على الإطلاق تجاهل دور بارونات المال اليهود في السيطرة على الثروة العالمية، خاصة في ظل عملية هندسة ركود اقتصادي عالمي، بهدف السيطرة الكاملة على دول العالم،
وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي وصلت ذروتها منذ دخولنا الألفية الثالثة، والمخطط لها بعناية من النخب المالية المسيطرة على البنوك والمؤسسات المالية العالمية، والتي يشكل بارونات المال اليهود القاسم المشترك الأكبر بداخلها. ولايمكن بالتالي تجاهل الطريقة التي تحولت بها النقود من مجرد وسيلة للتبادل إلى وسيلة لتكديس المال، وتحويله لقوة ضاربة للسيطرة على اقتصاد العالم. ولم يعد من الممكن تجاهل الدور التاريخي للمرابين اليهود، الذين ابتدعوا عملية تكديس المال، وتوليد المال من المال، بشكل سرطاني، وعرفوا تعويذة النقود، واكتشفوا قدرتها السحرية في السيطرة على «الأمم» والحكومات. وتسببوا بجشعهم هذا في كراهية شعوب العالم لليهود وطردهم من معظم دول العالم التي دخلوها، واضطهادهم، وقتلهم أخيراً على يد النازيين. بينما استغل هؤلاء المرابون هذا الاضطهاد التاريخي لاحتلال أرض فلسطين، وإقامة مؤسسة عسكرية على أسس دينية سلفية، تقتل السكان الأصليين، وتهدد دول الجوار في الشرق الأوسط بالقصف والتدمير كلما حاولت النهوض الاقتصادي.
ولن يثنينا الاتهام بمعاداة السامية عن عزمنا على الغوص في التاريخ القديم وتتبع أثر المال وكشف الحقائق التاريخية التي قادت للعولمة الاقتصادية، وأدت إلى مزيد من مركزة رأس المال المالي في أيدي نخبة من الأثرياء من مختلف الأديان والقوميات يحكمون عالمنا المعاصر. فلم يحدث في تاريخ العالم أن تحكم عدد قليل من البشر يعد على أصابع اليدين في مثل هذا الكم الهائل من الثروة والقوة العالمية.
عادت قصة يوسف وبقراته السبع تلح على وعيي، الذي لم يتم ترويضه، لأكتشف فيها دورساً جديدة، غير تلك التي تعلمناها في الصغر، وذلك بعد أن تزايدت صناعة الفقعات والأزمات المالية والاقتصادية، بدءاً من فقاعة (دوت نت) التي وصلت ذروتها 2000-2001 وعصفت بعدد من شركات الإنترنت، ودمجت بعضها الآخر، واتضح فيما بعد أن (سيتي جروب) و(ميرل لينش) للخدمات المالية قد خدعا المساهمين، وحققا أرباحاً طائلة، بالملايين عبر عمليات تضليل وتزييف للمعلومات. ثم أزمة الغذاء العالمية 2007، ثم فقاعة الرهن العقاري 2007 والأزمة المالية التي أعقبتها من انهيار عدد من البنوك القومية وإفلاسها في 2008- 2009، لمصلحة النخب المالية العالمية. ومحاولة الحكومات مواجهة خطر الإفلاس بضخ المليارات من عملاتها لإنقاذ بنوكها. وإغراق عدد كبير من الدول في أحجام هائلة من الديون مثل اليونان، دعتها إلى رهن مطاراتها الدولية وممراتها البحرية ومنشآتها الكبرى، وكلها أزمات تم التخطيط لها بعناية من النخب المالية التي تحكم عالمنا المعاصر.(1)
وبعد متابعتنا لتسونامي الثورات العربية في الشرق الأوسط، ورؤيتنا لسقوط الأنظمة العربية الواحدة تلو الأخرى. وإسقاط الحكومات في أوروبا عبر مظاهرات ضخمة، والسيطرة على الرأسمالية القومية الأمريكية عبر مظاهرات «احتلوا وول ستريت» التي يدعمها الملياردير الأمريكي اليهودي «جورج سوروس» والرئيس الأمريكي «باراك أوباما». كل هذا يجعلنا في أمس الحاجة لإقتفاء أثر المال ودورة العالمي في إعادة تشكيل عالمنا المعاصر، وهيكلة الاقتصاد العالمي، وتقسيم العمل الدولي وبناء الحكومة العالمية الجديدة، التي تحدث عنها ثعلب الصهيونية العالمية «هنري كيسنجر» في حواره مع صحيفة (سكويب) البريطانية بتاريخ 27 نوفمبر 2011 بعنوان «من لا يسمع طبول الحرب فهو أصم».(2)
الفضة والمواشي مقابل القمح
لو عدنا لعصور ما قبل الميلاد سنعثر في التوراة على نشأة فن زيادة رأس المال، الذي تعلمه أثرياء اليهود عبر العصور، وأصبحوا أكثر الناس إبداعاً فيه، فأنشؤوا صناديق التحوط، وأعادوا بيع الديون وصنعوا الفقعات والأزمات، وهندسوا الركود العالمي، حتى أصبحت ثروة العالم تحت أيديهم. ومن خلال هذا النص سنفهم أيضاً أسرار كيمياء النقود المعقدة التي سيطر عليها بارونات المال اليهود حتى يومنا هذا.
تشير التوراة في سفر التكوين الإصحاح 47 إلى المجاعة، وكيف باع يوسف القمح الذي خزنه «بمصريم» (3) مقابل الفضة والمواشي والأغنام، والأرض والبشر (لم يكن خبز في كل الارض، لأن الجوع كان شديداً جداً. فخورت أرض مصر وأرض كنعان من أجل الجوع 13. فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان بالقمح الذي اشتروا، وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون14. فلما فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض كنعان أتى جميع المصريين إلى يوسف قائلين: أعطنا خبزاً، فلماذا نموت قدامك؟ لأن ليس فضة أيضاً15. فقال يوسف: هاتوا مواشيكم فأعطيكم بمواشيكم، إن لم يكن لديكم فضة أيضاً16. فجاؤوا بمواشيهم إلى يوسف، فأعطاهم يوسف خبزاً بالخيل وبمواشي الغنم والبقر وبالحمير. فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم 17. ولما تمت تلك السنة أتوا إليه في السنة الثانية وقالوا له: لا نخفي عن سيدي أنه إذ قد فرغت الفضة، ومواشي البهائم عند سيدي، لم يبق قدام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا 18. لماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعا؟ اشترنا وأرضنا بالخبز، فنصير نحن وأرضنا عبيدا لفرعون، وأعط لنا بذاراً لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قفراً 19. فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون، إذ باع المصريون كل واحد حقله، لأن الجوع اشتد عليهم. فصارت الأرض لفرعون 20. وأما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاه 21. إلا إن أرض الكهنة لم يشترها، إذ كانت للكهنة فريضة من فرعون، فأكلوا فريضتهم التي أعطاهم فرعون، لذلك لم يبيعوا أرضهم 22. فقال يوسف للشعب: إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون. هوذا لكم بذار فتزرعون الأرض 23. ويكون عند الغلة أنكم تعطون خمساً لفرعون، والأربعة الأجزاء تكون لكم بذاراً للحقل، وطعاماً لكم ولمن في بيوتكم، وطعاماً لأولادكم24. فقالوا: أحييتنا. ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي فنكون عبيداً لفرعون25. فجعلها يوسف فرضاً على أرض مصر إلى هذا اليوم: لفرعون الخمس. إلا أن أرض الكهنة وحدهم لم تصر لفرعون26. وسكنت إسرائيل في أرض مصر، في أرض جاسان، وتملكوا فيها وأثمروا وكثروا جداً 27).
يعد هذا النص التوراتي، وغيره وثيقة تاريخية شديدة الثراء لفهم الطريقة التي تراكمت بها الثروة لدى البعض، وتحول البعض الآخر إلى عبيد. فنحن أمام جماعة بشرية، عرفت الزراعة، تعيش في قرية زراعية مسورة، لها زعيمها ووزيرها، وكهنتها (علماؤها)، الذين اكتسبوا المعرفة والخبرة المتوارثة عبر الأجيال. وكانوا على دراية بأحوال المناخ في شبة الجزيرة العربية، وفي قرية (مصريم) الواقعة بسهول عسير، حيث نشأت التجربة الحضارية الأولى للجماعات العبرانية، قبل أن تتوحد في شعب واحد وتصبح بني إسرائيل.
عرف كهنة الجماعة العبرانية أو علماؤها القدامى، أن الرياح الشمالية الغربية المحملة بالأمطار تهب شتاءً وتسقط أمطارها على جميع أنحاء الجزيرة العربية. أما الرياح الموسمية الجنوبية الغربية المحملة بالأمطار والقادمة من المحيط الهندي فهي تهب صيفاً، وتسقط أمطارها على إقليم عسير.
عرفوا أيضاً أن أمطار شبه الجزيرة العربية تتميز بأنها تسقط فجأة وتنقطع فجأة دون انتظام في فصل الشتاء، أما في فصل الصيف فهي أكثر انتظاماً على إقليم عسير. كما عرفوا أن الأمطار تكثر نسبيًا في بعض مناطق الجزيرة وتقل أو تنعدم في مناطق أخرى. فهي على مرتفعات عسير أكثر من هضبة نجد في الوسط وأكثر من المنطقة الشرقية، وتتذبذب أيضاً بين عام وآخر، فهي قد تكثر في عام وتقل أو تنعدم في أعوام أخرى.
اكتسب علماء (مصريم) القدامى هذه المعرفة، بعد أن مات منهم الآلاف جوعاً لآلاف السنين بسبب غياب الأمطار. وأدركوا أن هناك سنوات تنعدم فيها الأمطار، فيجف فيها الزرع والضرع. فدعتهم الضرورة إلى التفكير في حلول للتعايش مع هذه المتغيرات. فتوصلوا لفكرة بناء الصوامع، وتخزين الحبوب، أو نقلوا الفكرة عن حضاراتنا القديمة في (كيمت) مصر-Egypt، و(بابل)-العراق التي لم تزرع على الأمطار، بل على الإنهار وقنواتها. كما ادركوا أن السهل المطير، الذي يعيشون فيه أكثر سخاء عليهم من تلك المناطق الجافة في وسط وشرق الجزيرة. فقرروا الإستفاده القصوى من هذه المعرفة. فلم يخزنوا لأنفسهم فقط، بل خزنوا ليبيعوا للآخرين، الذين يعيشون في مناطق جدباء، وللذين لا يمتلكون تكنولوجيا التخزين، ثم استعبدوهم.
لن نخوض كثيراً في تحليل هذا النص الثري، فهو يحتاج لصفحات طويلة ليس هذا مجالها الآن، لكنه باختصار شديد يشير إلى أن الإنسان ينتج دائماً أكثر مما يستهلك، وأن جهد الفرد وعمله، يمكنه من الادخار «لسبع سنوات قادمة». وأن ما بذله من جهد أثناء سنوات الرخاء، كان يكفي لإطعامه خلال سنوات الجدب. لكن السلطة الحاكمة، استولت على ناتج عمله وجهده بلا مقابل، وخزنته، وتركت له ما يقتات عليه. ثم عادت وباعت له جهده مقابل فضته ومواشيه واغنامه وارضه، فسلبته حريته، وحولته لعبد. وأن المجاعة التي تحدث نتاج ظروف طبيعية أو يتم صنعها عمداً عبر أزمات أو مضاربات أو عمليات إفلاس متعمدة، تؤدي في النهاية إلى العبودية، أو التبعية الكاملة للطرف الذي استحوذ على الثروة.
لا يشير النص فقط إلى أن الثروة التي كدسها الحاكم، جاءت من استغلال جهد الإنسان الناتج عن عمله في الأرض، وسرقة فضته وماشيته وأرضه. بل يشير أيضاً إلى الطريقة التي تم بها الإستيلاء على أراضي الجماعات المجاورة وضمها لأراضي (مصريم)، التي تملك تكنولوجيا «التخزين»، وبالتالي للطريقة التي توحدت بها الجماعات والقبائل لتصبح شعباً يعمل جميع أفراده في أرض الحاكم. والطريقة التي تشكلت بها السلطة والدولة، والطريقة التي أنفقت بها على نفسها من الضريبة التي فرضتها على الفلاحين المستعبدين. والتي تمثل خمس ناتج الأرض. وكيف أعفي العلماء (الكهنة) من ضريبة الأرض، ولم يضطروا لبيع أرضهم. والأهم من هذا كله هو احتكار المعرفة (تكنولوجيا التخزين) آنذاك، التي جعلت جميع القبائل المجاورة لحكومة (مصريم) تتحول إلى عبيد، بعد أن فقدت ثروتها بالكامل من فضة ومواشي وأغنام، ثم أرضها، ثم حريتها.
كل هذا يقودنا إلى الطريقة الأولى التي تراكمت بها الثروة في أيدي البعض، ودور العلم والمعرفة في السيطرة على البشر. فلو كانت القبائل العربية الأخرى قد أكتشفت الصومعة، ما كانت قد استعبدت. ويلقى الضوء على ما يحدث في عالمنا المعاصر. فالنخب المالية العالمية التي تحتكر الثروة، هي نفسها التي تحتكر العلم والمعرفة، لأنها تنفق عليهما من هذه الثروة. وكهنة العلم من اليهود عبر العالم، يحصدون النسب الأعلى من جوائز نوبل في جميع العلوم، لأنهم يملكون الثروة. والدول الفقيرة، المنهوبة من حكامها ومن الاستعمار العسكري أو الاقتصادي. ليس لديها ثروة تنفق منها على العلم، ولا يسمح لها بصناعة مكونات سيارة، لكن يسمح لها فقط بتجميع هذه المكونات. ولو حدث وأنفقت دولة مثل إيران، أو كوريا على العلم، فسوف تفرض عليها العقوبات الدولية، وتهدد بالقصف، ويتم اغتيال علمائها. بينما تخفي الدول الغنية تجاربها العلمية ونتائجها عن بعضها البعض. ودولارات النفط العربية لاتنفع حكامها التابعين في شراء العلم والمعرفة، فالعلم والمعرفة أصبحا حكراً على مجموعات بعينها في العالم، تقوم بتوظيفهما في المجالات التي تحقق لها الثراء والسيطرة.
أسرار كيمياء النقود
السؤال الملح الآن، والذي يحتاج إلى إجابة هو كيف سيطر المرابون اليهود على ثروة العالم، وأنفقوا منها على العلم والمعرفة، وقاموا باحتكارهما؟ فإذا كان من المنطقي الاستحواذ على الثروة في ظل وجود حكومة مستقرة، نهبت واستعبدت شعبها في (مصريم)، وأجبرتهم على بناء الصوامع من الطوب اللبن، لتخزن فيه القمح، وتعيد بيعه لهم. فكيف سيطر المرابون على ثروة العالم بدون حكومة؟ ولماذا يريدون الآن إقامة الحكومة العالمية الجديدة؟ التي تحدث عنها هنري كيسنجر؟
تجيب نصوص التوراة على هذا السؤال بالتفصيل. فحين جاء النبي موسى عليه السلام كانت القبائل العبرانية تمارس الربا، فحرمه موسى في ألواح شريعته: إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي الْفَقِيرِ الَّذِي عِنْدَكَ فَلاَ تَكُنْ لَهُ كَالْمُرَابِي.لاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا. (سفر الخروج، ألإصحاح 22، الأية 25)
(وَإِذَا افْتَقَرَ أَخُوكَ وَقَصُرَتْ يَدُهُ عِنْدَكَ، فَاعْضُدْهُ غَرِيبًا أَوْ مُسْتَوْطِنًا فَيَعِيشَ مَعَك، لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ رِبًا وَلاَ مُرَابَحَةً، بَلِ اخْشَ إِلهَكَ، فَيَعِيشَ أَخُوكَ مَعَكَ. فِضَّتَكَ لاَ تُعْطِهِ بِالرِّبَا، َطَعَامَكَ لاَ تُعْطِ بِالْمُرَابَحَةِ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيُعْطِيَكُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ، فَيَكُونَ لَكُمْ إِلهًا، َإِذَا افْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَكَ وَبِيعَ لَكَ، فَلاَ تَسْتَعْبِدْهُ اسْتِعْبَادَ عَبْد) سفر اللاويين، الإصحاح 25، الآيات من 35-39)
في هذا النص يتضح التحريم القاطع للربا (إذا افْتَقَرَ أَخُوكَ وَقَصُرَتْ يَدُهُ عِنْدَكَ، فَاعْضُدْهُ غَرِيبًا أَوْ مُسْتَوْطِنًا فَيَعِيشَ مَعَك، لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ رِبًا وَلاَ مُرَابَحَةً، بَلِ اخْشَ إِلهَكَ). والمقصود بأخيك هنا هو أي انسان غريباً أو مستوطناً، من قبيلتك أو من قبيلة أخرى، فكل البشر إخوة حسب تعاليم النبي موسى عليه السلام.
لكن كهنة اليهود، الذين حرفوا ما جاءهم به موسى من تحريم قاطع وصارم للربا، وأضافوا نصوصاً للتوراة، أباحوا لليهود التعامل بالربا مع القبائل والشعوب الأخرى. فكتبوا في سفر التثنية: «لا تُقرض أخاك بِرِبا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما ممَّا يُقرَض بربا. للأجنبي تقرض بِرِبا، ولكن لأخيك لا تقرض بِرِبا، لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها» (سفر التثنية –الإصحاح 23، الآية 19،20).
ومنذ أن تحايل كهنة اليهود على النصوص وحرفوها، وأباحوا الربا، والفائدة، والمرابحة، تكدست الثروة في أيدي مجموعة من أثرياء اليهود، وتشكلت النواه المالية الأولى للسيطرة على مقدرات الشعوب، وتجمع حولها عبر العصور، مكدسو المال والثروات من كل الأديان والأعراق، ليشكلوا ما يعرف الآن بالنظام المالي العالمي.
المؤامرة المالية
نقتبس هنا مقتطفاً طويلاً بعض الشيء من كتاب نظرية المؤامرة للكاتب الألماني ماتياس بروكرز(4) الصادر عام 2002، يوضح فيه الطريقة التي تشكل بها عالم المال والإحتكارات المصرفية، التي نعاني من ويلاتها الآن في عالمنا المعاصر، كتب ماتياس بروكرز:
«غالبا ما يكتشف عالم المؤامرة ذو العين الناقدة، ان اكثر نظريات المؤامرة احتداداً تتصاعد، حين تنزع مناسيب المؤامرة الحقيقية إلى نقطة الصفر. ولنقل بشكل آخر: أن اضخم المؤامرات الواقعية تنسج وتفعل فعلها دون أن تخضع لشبهة نظرية المؤامرة، وهكذا هي المؤامرة المالية، مؤامرة فرض الفائدة، التي حولت النقود من أداة مقايضة إلى «مال يقتنص مالاً....
كان مبدأ المرابحة - السائد منذ زمن موسى، ودولة المدينة اليونانية والأمبراطورية الرومانية والقائم على الدُين والربا... يعبر تماماً عن حقيقة تحول ذرة من الذهب بقيمة قرش واحد استثمرها يوسف النجار منذ ولادة ابنه يسوع عام صفر بفائدة بنسبة 5% إلى كتله ذهبية بحجم الكره الأرضية عام 1749، ولتكاثر «قرش يوسف» هذا إلى 134 مليار كرة ذهبية بحجم كوكبنا عام 1990. لا يخرج مثل هذا النمو المالي عن كل الأطر الكونية غير المعقولة وغير الممكنة فقط، بل عن الأطر الإجتماعية أيضاً، لأنه يضمن للقليل من مالكي النقود أفضليات لا حدود لها على حساب الأكثرية الفقيرة.
وفي الآن ذاته، فقد أدرك مشرعو الأزمنة الغابرة، أنه يجب تداول النقود باعتبارها وسيلة في الدورة الاقتصادية، وأنه لا يمكن الاستغناء عن التداين وإعارة المال. ولهذا فقد سن قانون الربح، الذي جاء به موسى من طور سيناء، في سنن أخرى مثل «سُنة العفو»، حيث يعفي المرء من الديون كل سبع سنين. و»سُنة اليوبيل»، حيث تعاد ملكية الأرض المرهونة إلى مالكها الأصلي في السنه الخمسين، ويقاس ثمنها بقيمة الغلال المترتبة على الدين. وهذه السنن التي أتى بها موسى، كانت سبباً لتهلل الشعب، وتدبيراً اقتصادياً بالغ الأهمية. فقنبلة المديونية الموقوتة تمثل الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي...
استمر العمل بهذا التدبير في الشرق والغرب حتى نهايات العصور الوسطى، لأن مشرعي المسيحية والإسلام تبنوا مبدأ «بطلان المرابحة».
(الذين يأكلون بالربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) سورة البقرة الآية 275. »
ويكمل الكاتب: «كانت النقود مجرد وسيلة مقايضة، ولئن كانت قد تحولت بمرور الزمن إلى وسيلة للاكتناز تتمتع بصفات سحرية، وتتناسل ذاتياً، فإن ذلك نتيجة مؤامرة بارعة ازدهرت في الخفاء في منطقة المحرم، وعلى حافة المجتمع في البدء، وغدت فيما بعد أداة في يد المتسيدين، تمخضت عن كل ما نسمية اليوم بالاقتصاد العالمي، وبالكاد ننفذ إلى سريرته.
لتقصي آثار النقد، علينا إلقاء بعض الضوء على نهايات العصور الوسطى المعتمة، على الخلفيات، على الممثلين، على الصراعات التي أنتجت نظام النقد الحالي».