قضايا عمالية من حلب ودير الزور فنيو التخدير والإنعاش في مشفى حلب الجامعي
تلقّت «قاسيون» شكوى عمالية من الكوادر الفنية العاملة في تخصُّصَي التخدير والإنعاش (المداومين والمقيمين) في مشفى حلب الجامعي. وبعد متابعةٍ من المكتب العمالي النقابي في حلب، تبيّن أن الشكوى تتعلّق بحرمان نحو 30 فنياً وفنيّة — يشكّلون نحو 50%–60% من الكوادر العاملة في هذا التخصّص بالمستشفى — من استكمال صرف مخصّصات «طبيعة العمل» بنسبة 50%، رغم أنهم يتقاضون رواتبهم ومكافآت أخرى.
وينتمي هؤلاء الفنيّون إلى خريجي مدرسة التمريض (قسم التخدير والإنعاش)، وقد حصلوا على شهاداتٍ في اختصاص «الإنعاش»، ويؤدون حالياً مهامَّ مزدوجة كفنيّي «تخدير وإنعاش»، أي أنهم
يرافقون المريض من لحظة التخدير، مروراً بالعملية الجراحية، ووصولاً إلى مرحلة الإنعاش. ومع ذلك، فإنهم حرموا من مخصّصات طبيعة العمل بعد أن صُرفت لهم لمدة شهرين فقط، ثم أُوقفت بقرار من وزير المالية، لغياب نصّ تشريعي أو صكّ نظامي يُجيز صرفها — علماً بأن وزير التعليم العالي قد أعطى موافقته المبدئية على الاستمرار في الصرف.
وفي حديثٍ لأحد الكوادر الشاكية، أوضحت: «المفارقة أننا نتقاضى طبيعة العمل لسببٍ وحيد: لأننا نؤدي مهامَّ فنيّ التخدير والإنعاش معاً، بينما تخرّجنا رسمياً باختصاص «الإنعاش» فقط، أي أن مهمّتنا الأصلية تقتصر على متابعة المريض بعد خروجه من غرفة العمليات. ومن ثمّ، فإن المنطق يقتضي إمّا أن تُحتفظ لنا بجميع المهام الحالية ويُصرف لنا مقابلها كامل المخصّصات، أو أن تُلغى عنا مهام التخدير ويقتصر عملنا على الإنعاش فقط — حينها لن يكون لنا حقٌّ في مخصّصات طبيعة العمل».
وأضافت: «الأمر الأكثر خطورة أننا نتعرّض، في عملنا اليومي، لنفس المخاطر التي يتعرّض لها فنيّو التخدير: كاستنشاق الغازات المُخدرة الطائرة، في ظل غياب أنظمة تصريفٍ فعّالة في مشافينا. كما نتعامل مباشرة مع مرضى الإسعاف، وحالات التهاب الكبد C، وأمراض سارية أخرى، ما يعرّضنا لخطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل القصور أو الفشل الكبدي. هذه المخاطر معروفة، وتُطبّق بشأنها مخصصات طبيعة العمل لخريجي معهد فنيّي التخدير، لكننا — رغم تحمّلنا المخاطر نفسها — لا نُعامل معاملتهم».
ومن الجدير بالذكر أن أصحاب الشكوى هم موظّفون دائمون، في حين أن خريجي معهد فنيّي التخدير يعملون بعقود مؤقّتة. وقد حاول الفريق التواصل مع رئيسة القسم، التي أبدت تفهّمها لمعاناتهم وساندت مطلبهم، لكنها أوصَتهم بالبحث عن حلٍّ قانوني لا يتعارض مع النصوص النافذة. وتجدر الإشارة إلى أن تعيين خريجي المعهد جاء لسدّ نقص حادّ في الكوادر، خاصة مع افتقار المشفى إلى غرف إنعاش كافية.
إلى جانب ذلك، قدّم 17 مقيماً في اختصاص التخدير شكوى مماثلة، إذ حرموا من مخصّصات طبيعة العمل منذ نحو عام، بسبب غياب نصٍّ قانوني ملزم. ورغم جهودهم المتكرّرة في رفع قوائم وشكاوى، واعتماد قرارات من مجالس الأقسام والكليات ورئاسة الجامعة، فإنها إما تُعاد دون ردّ، أو تُرفض دون تبرير.
وتتابع الكادر الفنيّ: «صدر مرسوم تشريعي قبل ثلاث سنوات ينصّ على صرف مكافأة شهرية قدرها 75 ألف ليرة سورية لمقيّمي التخدير، وشملت القرار الأخصائيين والفنيين والمقيمين على حدّ سواء. وفعلاً، استمرّ صرف المكافأة سنة كاملة، قبل أن يتوقّف محاسب الجامعة عن صرفها قبل عامين، بحجة «عدم وجود مسوّغ قانوني». وعندما قدّم أحد أطباء التخدير نسخة من المرسوم التشريعي، جاء الردّ بأن الصرف لا يُمكن أن يتمّ إلا بقرارٍ من مجلس رئاسة الجامعة — وهو ما يتطلّب سلسلة إجراءات: قرار مجلس قسم، ثم مجلس كلية، ثم مجلس جامعة.
وقد صدرت بالفعل قرارات مجلس الجامعة في عام 2023، ونتيجة لذلك، تمّ صرف ربعين فقط (أي ستة أشهر) في عام 2024، وفي 2025 صُرف ربع ثالث (ثلاثة أشهر)، بينما ما زال ربع رابع من 2024 وربع أول من 2025 مُعلّقَين. وقد تقدّمنا قبل أيام بشكوى رسمية إلى
رئاسة الجامعة، بصفتها الجهة الصارفة، مُلحّين على صرف المستحقّات المتأخرة، لا سيّما أن قرارات الرئاسة صدرت بالفعل في الشهر الخامس بشأن الربعين الثاني والثالث لعام 2024، وفي الشهر السابع بشأن الربعين الأول والثاني لعام 2025. ومع ذلك، تستمر المماطلة من قبل المحاسب دون سببٍ مقنع أو مسوّغ قانوني».

عمال دير الزور: أين الطبابة واللباس العمالي رغم وجود المخصّصات؟
يطرح عدد كبير من العاملين في المؤسسات العامة بمحافظة دير الزور تساؤلاتٍ مشروعة حول استمرار حرمانهم من حقوقٍ عمالية أساسية، أبرزها الطبابة العمالية واللباس العمالي، منذ مطلع عام 2024 وحتى أيلول 2025 — رغم وجود مخصّصات مالية مُعتمدة لهذه البنود في موازنات المؤسسات.
ويؤكّد العاملون، الذين يواصلون أداء مهامهم في ظروف
معيشية ومهنية صعبة، أن الطبابة العمالية ليست ترفاً، بل حقٌّ يكفل للعامل ولأسرته تغطية الرعاية الصحية عند المرض أو الإصابة أثناء العمل. ومع أن بعض المؤسسات لا تزال توفّر خدمات محدودة أو تعويضات رمزية، فإنها لا تُجاري ارتفاع تكاليف العلاج والأدوية، ولا تغطّي الحد الأدنى من الاحتياجات الفعلية.
ويتساءل العمال:
– ما الأسباب الحقيقية لتأخير أو توقّف تنفيذ الطبابة العمالية؟
– هل لا تزال المبالغ المرصودة في الموازنات مُخصّصة فعلاً لها، أم أُعيد توجيهها إلى مجالات أخرى؟
– وهل من الممكن تفعيل هذه الخدمة مجدّداً، ولو بشكل تدريجي، ضمن الإمكانات المتاحة؟
وفيما يتعلّق باللباس العمالي، الذي يُفترض أن يُوزّع دورياً لضمان السلامة المهنية والمظهر اللائق للعامل، يؤكد كثيرون أنه لم يُصرف منذ عام 2024، رغم تخصيص بعض الإدارات موازنات واضحة لهذا الغرض. ويريد العمال معرفة:
– ما سبب التأخير؟ هل هو ناجم عن صعوبات في التوريد، أم تعقيدات إدارية؟
– ومتى يمكن أن تتحوّل هذه المخصّصات إلى سلعٍ ملموسة في أيدي العمال؟
ويختم العمال تأكيدهم بأن طرح هذه الأسئلة هو تعبير عن حقٍّ مشروع، وأن من واجب الجهات المعنية — قبل كلّ شيء — الردّ على الاستفسارات، ثمّ اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة الوضع. فتسليط الضوء على هذه المعاناة اليومية يضع الحكومة أمام مسؤولياتها، ويطالبها بإيجاد حلول واقعية تضمن استمرارية الخدمات الصحية وتوفير المستلزمات الضرورية، بحيث لا تبقى المخصّصات المالية حبراً على ورق، بل تتحوّل إلى فوائد محسوسة يشعر بها كل عاملٍ في مكان عمله. و«أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً»، لكن الأفضل أن يأتي في وقته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1252