قراءة أولية في مشروع الخدمة المدنية (2)
حددت المادة 9 من مشروع قانون الخدمة المدنية الفئات الوظيفية حسب المؤهل العلمي بخمس فئات: الفئة الأولى والتي تضم حملة الشهادات الجامعية كحد أدنى صادرة عن إحدى الجامعات العربية السورية أو ما يعادلها، وتقسم هذه الفئة إلى 5 فئات أيضاً: دكتوراه، وماجستير، وإجازة جامعية (6 أعوام + دبلوم)، وإجازة جامعية (5 أعوام + دبلوم)، وإجازة جامعية (4 أعوام).
وهناك الفئة الثانية التي تضم حملة الشهادات التقنية أو ما يعادلها، والفئة الثالثة التي تضم حملة الشهادات الثانوية بمختلف فروعها أو حملة الشهادات التعليم الأساسي (حيث كانت الشهادة الثانوية تعد فئة ثانية في قانون العاملين الأساسي بالدولة الساري حالياً). والفئة الرابعة تضم حملة الشهادات التعليم الأساسي كحد أدنى إلى ما دون الشهادة الثانوية، والفئة الخامسة التي تضم ما دون شهادة التعليم الأساسي وتتطلب لياقة بدنية.
الملاحظات على هذا التصنيف، هي أنه أولاً يهمش الكفاءة العلمية والخبرة المهنية، خصوصاً في الفئات الدنيا والمهن الفنية التي تتطلب مهارة أكثر من الشهادة، خاصة مع تنزيل الشهادة الثانوية إلى الفئة الثالثة، حيث سيضر هذا بآلاف الموظفين وبحقوقهم المالية وترفيعاتهم وهم ممن اكتسبوا خبرة كافية خلال سنين عملهم.
ثانياً، هل تشمل الفئة الثانية فنيين ومهندسين مساعدين أم إداريين؟ والفئة الخامسة المبنية على اللياقة البدنية والجدية بالعمل غامضة جداً، وتفتح الباب للتعيين العشوائي أو غير الموضوعي، حيث لم توضع معايير واضحة للياقة المهنية والمقابلات أو الاختبارات العملية الخاصة بهذه الفئة.
غياب نص على إمكانية الترفيع من فئة إلى أخرى، حيث لم يوضح مشروع القانون إن كان يمكن للموظف من فئة أدنى أن يترقى لاحقاً بعد تحصيل مؤهل أعلى. ويؤخذ على مشروع القانون التمييز في فرص التوظيف بسبب هذا التصنيف الجامد، حيث يجب منح مرونة أكثر في تحديد الفئة تبعاً لطبيعة العمل لا للشهادة فقط.
سلطة التعيين
المادة رقم 10 والتي تنص على سلطة صاحبة الحق بالتوظيف، حيث حصرت التعيين بالوظائف القيادية برئيس الجمهورية، مما يعني غياب العدالة في التعيين وغياب عنصر الكفاءة في الاختيار، والذي يخضع التعيين لمركزية شديدة ولاعتبارات سياسية.
إشغال الوظائف عبر الاستقطاب الخارجي
المادة 35 من قانون الخدمة المدنية (باب إدارة الموارد البشرية، الفصل الثالث: إشغال الوظائف). فهي من حيث الصياغة العامة مطولة ومتشعبة نوعاً ما، بحيث تدمج أكثر من فكرة في الفقرة نفسها، مما قد يصعب تطبيقها ويفتح الباب لاجتهادات مختلفة. وهناك غياب تعريف دقيق لبعض المصطلحات مثل «الاستقطاب الخارجي» و«العقود المؤقتة» و«فترة التمرين».
من حيث الجوهر والمضمون، المادة 35 تميل إلى التوسع في نظام العقود المؤقتة بدل التعيين الدائم، مما قد يؤدي إلى ضعف الاستقرار الوظيفي وتراجع الحافز الوظيفي، وفتح المجالات أمام التدخلات الشخصية والمحسوبيات في التمديد للعقود أو إنهائها.
عدا عن فترة التمرين والتي حددها مشروع القانون بستة أشهر، فهي فترة طويلة في ظل غياب أي معايير تقييم واضحة، حيث من الأفضل تقليصها إلى ثلاثة أشهر قابلة للتمديد بناءً على تقارير أداء موضوعية. ناهيك عن منح السلطة صلاحية إنهاء العقد خلال فترة التمرين دون تعويض، قد يخل بمبدأ الأمان الوظيفي ويعد ثغرة محتملة للتعسف، وغياب آلية الاعتراض أو التظلم في حال إنهاء العقد أو تقييم الأداء.
دستورياً، لا يضمن مشروع القانون مبدأ تكافؤ الفرص بشكل كامل، إذ يفتح الباب للتعاقد المباشر مع أصحاب الخبرات دون مسابقة ودون إعلان واضح.
الباب السادس: الأجور والتعويضات
جاء الفصل الأول من هذا الباب على ذكر تحديث الأجور، حيث نصت المادة 73 على تقييم ومراجعة سلم الأجور دورياً كل سنة من قبل لجنة تضم ممثلين من وزارتي التنمية الإدارية والمالية والاتحاد العام لنقابات العمال، وحيث يتم تحديث سلم الأجور وفق نتائج التقييم والمراجعة الواردة في الفقرة الأولى من المادة بمرسوم بناءً على اقتراح وزارتي التنمية الإدارية والمالية. ويراعى عند إجراء هذا التحديث عدة معايير منها: مؤشرات الوضع الاقتصادي، والحد الأدنى للمعيشة، ومعدل الرواتب في سوق العمل الوطني، ونسبة التضخم النقدي، والسياسات الحكومية الرامية إلى تحفيز الأداء، وخطط الاستقطاب وجذب العمالة النوعية.
قبل البدء في معالجة هذه المعايير، يلاحظ أنه لم يتم تحديد الجهة التي تدعو إلى انعقاد هذه اللجنة كل سنة، وليس لها تاريخ محدد، ولم يتم اعتماد آلية اتخاذ القرار فيها: هل عبر التصويت بالأغلبية أم بالتوافق بين أعضائها؟
بالعودة إلى المعايير التي ستعتمدها هذه اللجنة، فهي معايير متضاربة. فمثلاً، الحد الأدنى للمعيشة يتعارض مع معدل الرواتب والأجور في سوق العمل الوطني، وفي النهاية الحكومة هي التي تحدد معدل الرواتب في سوق العمل، وهي بحسب سياساتها الاقتصادية قد تميل إلى تخفيض الأجور. أما عن خطط الحكومة لجذب واستقطاب العمالة النوعية، فقد تميل السياسات الحكومية إلى تخفيض عدد موظفيها من خلال تعمد تخفيض الأجور تحت حجة خفض التكاليف وتقليص دور وحجم القطاع العام، كما تحدث منذ فترة وزير المالية بصراحة حول ذلك.
كان من الأفضل، بدل اعتماد عدة معايير متعارضة ومتضاربة وغير واضحة، النص على تحديث الأجور كل ستة أشهر وفق الأسعار، وبما يضمن متطلبات الحد الأدنى من المعيشة.
نظرة شاملة على مشروع القانون
وبإلقاء نظرة عامة على مشروع القانون، نلاحظ غموضاً في المصطلحات، وتوسعاً في العقود المؤقتة، وصلاحية الإنهاء دون تعويض، وغياب حق التظلم، وتمييزاً في الاستقطاب، وإعطاء سلطة مطلقة للإدارة في التعيين وإنهاء العقود والتقييم والترفيع والعلاوات، دون الإقرار بحقوق ثابتة للموظف، حيث بات الموظف عرضة للتسريح في أي وقت حسب مزاجية الإدارة، ودون اعتماد معايير واضحة في الإعلان عن المسابقات والتعيين والتسريح، ووضع الموظف طوال فترة عمله تحت الضغط لاجتياز عدة اختبارات، منها ما يتعلق بالترفيع والتقييم واستكمال السنوات المطلوبة للترفيع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251
ميلاد شوقي