إنصاف عمال معامل الدفاع حق وواجب
يارا اللحلم يارا اللحلم

إنصاف عمال معامل الدفاع حق وواجب

في أعقاب سقوط سلطة النظام السابق الفاسدة والبائدة، ومع صدور القرارات الحكومية التي طالت مئات آلاف الموظفين في القطاع العام برزت بشكل كبير قضية عمال معامل الدفاع كواحدة من أكثر الملفات إهمالاً وتجاهلاً، رغم أنها تمس شريحة واسعة من المدنيين الذين خدموا في جهاز الدولة لعقود دون أن يكون لهم أي دور عسكري أو أمني، هؤلاء العمال الذين تم فرزهم إلى معامل الدفاع عبر آليات التوظيف الرسمية، وجدوا أنفسهم بخطة قلم خارج وظائفهم ومعاملهم، بلا حماية وظيفية ومعيشية أو تعويضات تتناسب مع مفهوم العدالة والحقوق المتساوية.

تتبع معامل الدفاع ومؤسساتها الاجتماعية في سورية لوزارة الدفاع رغم أنها مؤسسات صناعية وخدمية مدنية تضم آلاف الموظفين المدنيين من مهندسين وفنيين وعمال مختصين في الكثير من مجالات التصنيع والصيانة والإنتاج وغيرها وكلهم موظفون وفق قانون العمل الأساسي 50 وتم تعيينهم عبر وزارة التنمية الإدارية أو رئاسة مجلس الوزراء، وفقاً لاحتياجات الدولة وضروراتها ولاحتياجات المؤسسات الإنتاجية والخدمية فمن عامل الخياطة إلى عامل البناء إلى موظف المحاسبة والحارس لم تشفع سنوات كدهم وصبرهم على الأجور الشحيحة سنين طويلة لإنصافهم وحمايتهم من التعاطي معهم كأنهم ليسوا عمالاً وموظفين شأنهم شأن جميع العاملين في الجهات الحكومية رغم أن القرارات طالت الجميع إلا أنهم ما زال يتم التعاطي معهم كأنهم جزء من المنظومة العسكرية السابقة لا كأفراد مدنيين لهم حقوق كاملة وواجبات أيضاً.


الفراغ القانوني والتصفية الإدارية


بعد سقوط سلطة النظام البائد تم حل وزارة الدفاع السابقة وتفكيك مؤسساتها بما فيها معامل الدفاع وهذا القرار الذي اتخذته الحكومة الانتقالية دون دراسة كافية أدى إلى فصل آلاف العمال المدنيين دون سابق إنذار، ودون أي آلية واضحة لإعادة فرزهم أو تعويضهم. لم يُفتح أي تحقيق إداري لتحديد طبيعة وظائفهم، ولم تُمنح لهم فرصة للدفاع عن أنفسهم أو إثبات أنهم مجرد موظفين مدنيين خدموا الدولة ضمن اختصاصاتهم المهنية، في الأشهر التي تلتها توجه العديد من هؤلاء العمال، خاصة المهندسين والفنيين، بمناشدات إلى الحكومة الانتقالية، مطالبين بإعادة النظر في أوضاعهم، وإعادتهم إلى العمل أو تعويضهم عن سنوات الخدمة وأكدوا أنهم لم يختاروا جهة فرزهم وأنهم لا يتحملون مسؤولية عن طبيعة المؤسسة التي عملوا فيها لكن هذه المطالب قوبلت بالتجاهل دون أي اعتبار للبعد الاجتماعي والإنساني لهذه القضية لا من قريب أو بعيد مما خلف آثاراً كارثية عليهم فقد خسروا مصدر رزقهم، وتعرضوا للتهميش الاجتماعي، بل ووصمهم البعض بأنهم «أدوات النظام وفلوله»، رغم أنهم لم يحملوا سلاحاً أو يتاجروا مع من تاجر من أمراء الحرب والسياسة، والكثير منهم اليوم اضطر للعمل في مهن هامشية، أو الهجرة، أو الاعتماد على المساعدات والبعض الآخر واجه مشاكل نفسية حادة نتيجة الإقصاء والظلم، خاصة أولئك الذين أفنوا حياتهم في خدمة المعامل الإنتاجية للدولة والاقتصاد الوطني معتقدين أنهم يؤدون واجباً وطنياً.


ليسوا أتباع نظام بل ضحايا له


إن قضية عمال معامل الدفاع المدنيين تمثل اختباراً حقيقياً لعدالة المرحلة الانتقالية في سورية، وتجاهلهم يعني تكريس منطق العقاب الجماعي المقولب سلفاً بعيداً عن معايير المكافأة والمحاسبة وعن القانون والقضاء وانطلاقاً من دور الدولة المسخرة أصلاً لحماية جميع المواطنين وعلى رأسهم العمال والطبقة الكادحة لا بد من إعادة النظر في القرارات الحكومية كافة، والتي طالت جموع العامليين في الدولة والعمال المدنيين في وزارتي الدفاع والداخلية ضمناً والمطلوب اليوم هو فتح ملفهم بجدية، والاعتراف بمظلوميتهم وإعادة الاعتبار لهم، عبر آليات قانونية عادلة، تضمن لهم التوظيف والتعويض والحقوق الأخرى كافة، فهؤلاء كغيرهم من السوريين ليسوا بقايا أتباع نظام فاسد ومستبد، بل مجرد ضحايا له.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1249