الاتحاد العام يستبدل الدعوة للحوار بمنشور «يحدث الآن»
«ما وصلت فرحتنا لقرعتنا» كما يقال بالمثل الشعبي. فبعد أن أثنينا - شأننا شأن المعنيين والمهتمين بالطبقة العاملة – على دعوة الاتحاد العام لنقابات العمال للحوار من أجل مناقشة قانون الخدمة المدنية الجديد، واعتبرنا هذا الإجراء الثمين يُحسب للمنظمة والقائمين عليها، فاجأَنا الاتحاد بقيامه بالورشة الحوارية يوم الخميس الفائت دون دعوات أو إعلان سابق عنها. بل إن المشاركين في الاستبيان - الذي من أحد أهم وظائفه دعوة المشاركين - لم يُدعوا لهذه الورشة، ولم يُجرَ أيُّ تواصل معهم أو حتى التلميح لهم بذلك. بل اكتفى الاتحاد بمنشور على صفحته على موقع «فيس بوك» خلال انعقاد الورشة الحوارية نفسها، مرفقاً بصورة مكتوب فيها بالخط العريض «يحدث الآن»، وكأنها تحظى بسرية ما أو خصوصية غير مفهومة، مما أجبرنا على الانتظار حتى انتهاء الورشة لنفهم ما لم نستطع فهمه في حينه.
- المكتب العمالي النقابي
في العدد الماضي من جريدة قاسيون (1246) وتحت عنوان «الاتحاد العام يطلق الحوار ويدعو إليه»، تمت الإشادة من خلال المقال بمبادرة الاتحاد العام وقراره بإطلاق الحوار والدعوة إليه عبر الاستبيان المفتوح الذي وُضع بين أيدي الجميع كونه نُشر على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالاتحاد العام. واعتبرناها خطوة إيجابية وبالاتجاه الصحيح، مفترضين أنها موجهة للطبقة العاملة والنقابيين والإعلاميين وأصحاب الخبرات النقابية والحقوقية والقوى المعنية بالعمال والمهتمة بشؤونهم وقضاياهم، وبعيدة كل البعد عن الندوة الحوارية الأولى التي قام بها الاتحاد بمَعِيَّة وزارة التنمية الإدارية. واستبشرنا خيراً كوننا انطلقنا من فرضية بديهية بأن الدعوة العامة واضحة من خلال المنشور والاستبيان، وبأنها بذلك تكون خرجت من دائرة النخبوية واتجهت لأصحاب الشأن. فالقانون الذي يُناقش هو قانون العمل الذي يضبط العلاقة القانونية والمؤسساتية بين جهاز الدولة المدني والعمال الموظفين، وبأن الحكومة حاضرة دائماً «مو مقصّرة»، فكان من الطبيعي أن تحضر القوى الممثلة للطرف الآخر. وسيقول قائل: هم الطبقة العاملة ممثلة بحضور الاتحاد العام وبعض أعضاء الاتحادات المهنية وبعض قيادات اتحاد المحافظات. وهذا صحيح من الناحية الشكلية و«البروتوكولية»، لكن من حيث مضمون الحضور ومهمته فالأمر مختلف تماماً... لماذا؟
الحوار الضيق يضعف الموقف النقابي
تبين لنا بمتابعة ما أفضت إليه الورشة الحوارية ونتائجها التي أعلن عنها الاتحاد العام في اليوم ذاته، وعلى الصفحة نفسها التي نشر عليها «يحدث الآن»، بأن الورشة لم تكن دعوة عامة، بل اقتصرت - كما أسلفنا - على بعض الجهات الحكومية ومنها أعضاء لجنة صياغة القانون، بالإضافة للقيادة النقابية في الاتحادات المختلفة. ولا ندري إن كان جميع الحاضرين اطلعوا على مسودة مشروع القانون، فحينها لم يكن طرحاً للنقاش العام بعد، هذا من جانب. ومن جانب آخر وهو الأهم، فإنْ كان الحوار سيكتفي بالجهات الحكومية وقيادة المنظمة، فكان من المفترض أن يُطرح مشروع القانون للنقاش العام، وتتوجه المنظمة عبر جميع هيئاتها لحوار شامل ومفتوح مع القواعد العمالية والنقابية والقوى المرتبطة بالطبقة العاملة، كي تستطيع تكوين رؤية واسعة ورأيٍ موحَّد ينتج عن الحوارات المستمرة. وبعد ذلك تستطيع المنظمة أن تحمل خلاصات كل تلك الحوارات ومخرجاته ونتائجه وملاحظاته، وتذهب بها إلى حوار مع الحكومة أو مع لجنة صياغته أو أياً يكن، فحينها فقط تكون «الماء الذي يبطل التيمُّم». أمَّا أن يتم حصر النقاش ضمن تلك الدوائر الضيقة، فذلك ليس في مصلحة العمال والمنظمة النقابية حكماً.
ما زالت الفرصة سانحة
أطلقت الحكومة قبل عطلة نهاية الأسبوع الماضي مشروع قانون الخدمة المدنية، وانتشر على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وأصبح في متناول الجميع. وهذا يجعلنا نتمنى من الاتحاد العام بهيئاته أن يعتبر جميع الندوات والحوارات السابقة مع الحكومة مجرد «تحمية» قبل المباراة، وأن يبادر بإطلاق حوارات مفتوحة وواسعة ومكثفة مع الطبقة العاملة وسائر المعنيين بها سياسياً وإعلامياً ومجتمعياً، إن كانت راغبة حقاً بممارسة دورها وحقها بصياغة القانون قبل إقراره. وهذا لا ينتقص من دورها وخبرتها ومصداقيتها، بل يزيدها ويمدها بالقوة والحكمة، خاصة بمثل هذه القضايا، فهذا قانون عمل تؤول إليه مصائر مئات الآلاف من العمال والموظفين، وأمنهم الوظيفي والاجتماعي والحقوقي والمعاشي. وهي فرصة أخرى لردم الهوّة الواسعة بين الطبقة العاملة والمنظمة النقابية، وخير ما يردمها الحوار الحقيقي والبرنامج المبني من أسفل الهرم لأعلاه. فهل نغتنم مثل هذه الفرصة أم نترك الحكومة تفرح بإقرار قانونها الجديد دون أن «توجّع راسها» بمشاركة أصحاب الشأن والحق؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247