ما أحوج اليوم للأمس
مع استمرار تدفق البضائع العربية والأجنبية للأسواق السورية دون حسيب أو رقيب، والمرتبطة طرداً مع التوقف الجزئي أو الكلي للمنشآت والمعامل والورشات الإنتاجية وغيرها من النشاطات الاقتصادية والخدمية، ومع غياب أي نهج أو سياسات اقتصادية واضحة، وإغفال القوانين التي تحمي الإنتاج والتجارة الوطنية - والتي تعني بمجملها تضرُّر مصالح غالبية الشعب السوري بطبقاته وفئاته المنتجة والكادحة، إلّا أولئك الفاسدين الناهبين، خُلَفاء وأمراء الحرب والسياسة، وامتداد الطبقة المرتبطة مشيمياً بالقوى الغربية المعادية لمصالح الشعوب - ولحاجتنا الملحة لإنعاش ذاكرتنا واستحضار ما يصلح من الماضي للحاضر، لعلنا نستوعب جزءاً من واقعنا نستمد منه مواقف وطنية رائدة، نعود لأحد مقالات جريدة قاسيون التي كتبها رفيقنا النقابي المرحوم سهيل قوطرش في العدد 163 من جريدة قاسيون، بتاريخ 21 تشرين الثاني من عام 2001، والتي استخدم بها أيضاً شذرات تاريخية مهمة، نعيد نشر ما جاء فيها تحت عنوان «وجهة نظر إلى غرفة تجارة دمشق: اقرؤوا التاريخ جيداً».
في عام 1923، كتب توفيق أفندي مسعود، أحد أعضاء غرفة التجارة بدمشق، مقالاً عبر فيه عن ألمه لاستيراد سورية مصنوعات مختلفة مثل «الجبن والمعكرونة والفاكهة المبكرة والبسكويت والحليب المجفف والمشروبات الروحية والألبسة الجاهزة إلخ...». حيث قال: «... وتباع بالألوف من الصناديق والطرود وتبتز أموالنا، بينما يمكن صنع كل هذه في بلادنا لو نشط الشعب وعاضدته الحكومة...». ورأى أنّ السبيل للخلاص من هذه المشكلة بـ «إنشاء الأغنياء للصناعات وفي إصلاح أصحاب المزارع لها، مما يؤدي إلى زيادة الحاصلات في البلاد وصادراتها، ويساعد على إضعاف المستوردات وذلك بالاستغناء عن المصنوعات الأجنبية الممكن صنعها عندنا...».
وكان طموح العناصر الوطنية في بناء صناعة محلية وإنعاش الموجود منها، سبباً لوضع فخري البارودي ميثاقاً لغرفة التجارة ينص على: «أعاهد الله والشرف على ألَّا أصرفَ قرشاً في حاجة صادرة عن بلاد أجنبية ما دام منها في وطني العربي الكبير، وأن أعزز اقتصاديات بلادي وأعمل لترويجها وتصريفها بكل ما لدي من قوة ـ والوطن شاهدي والله حسبي ونعم الوكيل».
بهذا الشكل عملت عناصر البرجوازية الوطنية آنذاك، حيث وضعوا الأساس العملي للاستقلال الوطني، فهم كانوا يدركون جيداً أن الاستقلال لا معنى له إذا لم يقترن بالاستقلال الاقتصادي.
وكذلك كانت الطبقة العاملة تعي بحسّها الطبقي أهمية مواقف البرجوازية الوطنية آنذاك وتدافع عن هذه المواقف. ففي مطلع الثلاثينيّات، قامت الطبقة العاملة السورية بإحراق الأقمشة المستوردة، والتي هدّدت صناعة النسيج بالإفلاس، وكانت تدافع عن مواقفها باستخدامها لسلاح الإضراب الذي كانت تجيد استخدامه في المعارك الوطنية ضد الاستعمار وضد محاولات استغلال البرجوازية لحقوقها، حيث كانت تتعرض لاستغلال مركَّب من البرجوازية الاستعمارية والبرجوازية المحلية التي عانت من الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد لعدة أسباب منها:
- الخسائر الكبيرة من جراء تداول الأوراق المالية المتنوعة على حساب العملة الوطنية.
- الامتيازات والإعفاءات التي تعطى للأجنبي، والتي تشكل ضربة قاضية للصناعة الوطنية لكونها تساعد الأجنبي، كونه معفى من جميع أنواع الضرائب المتعددة.
- إرهاق الأهالي بضرائب الحكومة المتنوعة المفروضة عليهم.
وكان للبرجوازية الوطنية طموحات كبيرة. فهي تعمل على إنشاء وتطوير الصناعة الوطنية ليس من باب الاستغناء عن الصناعات الأجنبية، بل كان همُّها نشر إنتاجنا في كل أرجاء المعمورة، وتعمل على صون سمعة المنتَج ونوعيته.
ولهذا لعبت البرجوازية الوطنية والصناعة السورية دوراً هامّاً في الحفاظ على استقلالنا الوطني.
فهل نستطيع اليوم قراءة تاريخنا بشكل جدّي، لتقويم مواقف البرجوازية الجديدة الممثلة في غرفة التجارة، والتي تعمل اليوم على ربطنا باقتصاديات الدول الغربية من خلال مطالبها التي تتلخَّص في:
- الانفتاح الاقتصادي الكامل وتصفية قطاع الدولة.
- إقامة المصارف الخاصة وسوق الأوراق المالية.
- الدخول في منظمة التجارة العالمية (الغات) وتنفيذ وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين.
- الحد من دور الدولة في الحياة الاقتصادية للبلاد.
هذه المطالب التي جاءت بعكس مطالب البرجوازية الوطنية في مرحلة الاستعمار، والتي ساهمت - كما أسلفنا - في دعم استقلالنا الوطني، وهذه المطالب المقصود فيها التضحية بهذا الاستقلال، والقضاء على سيادتنا الوطنية.
[وهنا انتهى المقال المنشور في جريدة قاسيون يومها].
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247