السياسة السعرية وتكاليف المعيشة
إن القضايا المتعلقة بالسياسة السعرية وتكاليف المعيشة، وكذلك الأمن الغذائي للمجتمع ليست بالضرورة أن تكون ناجمة عن نقص الإنتاج فقط، بل عن نقص في القوة الشرائية الحقيقية. والتوزيع غير المتكافئ للثروة الوطنية. واليوم إذا نظرنا للواقع الاقتصادي الاجتماعية نرى حقيقة واضحة، وهي أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون هناك تطور اقتصادي حقيقي في البلاد ضمن واقع مستوى الرواتب والأجور الحالي. إن العرف السائد منذ ما قبل انفجار الأزمة إلى اليوم هو ارتفاع الأسعار للسلع كافة وخاصة الأساسية، باستثناء قوة العمل. والقوى المستفيدة من هذا الارتفاع لا يهمها ذلك لأنها أصلاً تنهب شعوبها، حيث إن المستفيد من إجراءات وقوانين الدولة الاقتصادية ليست الجماهير الشعبية.
الأسعار هي إحدى الأدوات الهامة في إدارة الاقتصاد الوطني، وينبغي أن تستخدم الأسعار بشكل واعٍ من أجل تأمين الأفضل لحاجات المواطنين المتنامية، المبنية وفق نمو قوى الإنتاج وارتفاع الإنتاجية. وبالتالي من الضروري تحديد الأسعار بشكل يستطيع دفع عملية التقدم وإنتاج واستهلاك السلع الأكثر تطوراً لحاجة المجتمع. وينبغي على الدولة تحديد أسعار المنتجات المختلفة بشكل مخطط له، تراعي فيه متوسط الدخل للعاملين بأجر، ومراعاة الفروع الاقتصادية المختلفة، وتستخدم الدولة هذه الأسعار كأداة للتأثير على تطور هذه الفروع المختلفة للإنتاج بما يواكب حاجات المجتمع المختلفة وفي المقدمة منها الأساسية. لتحقيق العدالة الاجتماعية للأسعار ينبغي تشجيع المنتجين في القطاع الصناعي والقطاع الزراعي، ومكافحة الفساد والمضاربات. لأن ذلك لو ترك سيؤدي إلى سوء توزيع الدخل وانخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار كما هو حاصل اليوم. يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة «عندما تنتشر الرشوة والفساد في بلد ما فهذا لا يدل على فساد ضمائر الناس، وإنما يدل على سوء توزيع الثروة». والسؤال المهم دوماً لمصلحة من تتم السياسة السعرية. وكيف يجري توزيع وإعادة توزيع الدخل الوطني؟ وما يدعو إلى لأسف في البلدان النامية أغلب السياسات الاقتصادية التي تنهجها، هي العدو الأول لشعوبها. وإذا لم تقم النقابات كافة وتدافع عن مصالح من تمثلهم وكذلك القوى السياسية الوطنية، لا يمكن التحدث عن مستوى الأسعار ومستوى الرواتب والأجور وتكاليف المعيشة أصلاً.
إن السياسة السعرية بما فيها قضية الرواتب والأجور تكمن في مفهوم الأمن المعيشي للمواطنين جميعاً، كذلك ارتباط مفهوم السياسة السعرية ومسألة الرواتب والأجور بالمنتجين الحقيقيين الذين يخلقون القيمة في كل القطاعات الاقتصادية المنتجة، وبمصالح الطبقة الكادحة العريضة وكل العاملين بأجر ضرورة حتمية. أما الاستراتيجية بعيدة المدى للسياسة السعرية تكمن، في تغطية حاجة الطلب بزيادة الإنتاج والدخول الحقيقية للمواطنين معاً.
أما أرباب العمل وخاصة قطاع الدولة يقومون بدفع أقل ما يمكن من الأجور للعمال، وهي اليوم بعيدة كل البعد حتى عن الحد الأدنى لمتطلبات المعيشية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1243