هل باتت مهمة المنظمة العمالية توظيف مسرَّحي القطاع العام بالخاص؟

هل باتت مهمة المنظمة العمالية توظيف مسرَّحي القطاع العام بالخاص؟

عقدت رئاسة الاتحاد العام المؤقتة لنقابات العمال اجتماعاً مع وزير التنمية الإدارية في بداية الأسبوع الفائت، تناولت مناقشة العديد من الاستفسارات المتعلقة بقرار تقليص العقود وطَيّ الإجازات المأجورة في الجهات الحكومية، وفق الخبر المنشور على الصفحة الرسمية للمنظمة «صوت عمالي في الجمهورية العربية السورية»، والذي جاء فيه بعض النقاط على لسان رئيس الاتحاد، وتحتاج للتوقف عندها ومناقشتها، كي نستطيع تقدير الاتجاه اللاحق لمفاعيل هذه القرارات وتبيان التكتيك القادم لها.

فالواضح من خلال الأشهر الستة الأخيرة بأن التخطيط والتدبير الحكومي غير معني بمصلحة العمال وحقوقهم، بل إنها تبرأت من واجبها المناط بها كجهة تتحمل مسؤولية الرعاية الاجتماعية الكاملة لموظفيها وسائر السوريين. وما يزيد الطين بلة هو الموقف النقابي الصادر عن المنظمة الذي يأخذ دوراً لا يرتقي لمستوى النتائج الكارثية التي تواجهها الطبقة العاملة بشكل عام وعمال القطاع العام بشكل خاص.

إيقاف القرارات بدل علاج نتائجها

أهم نقطة يتوجب التوقف عندها تصريح رئاسة المنظمة: «لن يترك العاملون بلا بدائل، إذ يجري العمل على إيجاد فرص موازية من خلال التعاون مع القطاع الخاص» - انتهى الاقتباس. يتبين لنا من خلال التصريح الموافقة الضمنية على الإجراءات الحكومية، حيث من المفترض أن تكون المهمة الماثلة هي منع تلك الإجراءات وعدم السماح بمرورها أياً كانت الحجج والذرائع الحكومية، وهذا هو الحد الأدنى من العمل النقابي. أما أن يتحول عمل التنظيم النقابي لوسيط توظيف للعمال المسرِّحين والذين لن تُجدَّد عقودهم والذين يجري تطفيشهم بطرق غير اعتيادية، كحرمانهم من المواصلات وتغيير أماكن عملهم، وغيرها من الأساليب الحكومية الجديدة، فهذا ما لا يمكن فهمه بيسر وسهولة، ولم يخطر على بال نقابي من قبل. فأيَّاً تكن النوايا - لا يعلمها غير الله - فإنها بمثابة الموافقة على القرارات والاستسلام والقبول بأن يتحمل العمال وحدهم نتائجها، فيخسرون عملهم وصمام أمان معيشتهم، ويقفون بطابور انتظار البديل وأين؟ في القطاع الخاص! وكأن «الشغل مَقتّل حالو»، وستكون بمثابة هدية جديدة وثمينة لرأس المال الذي سيكون مسروراً بفائض العمالة الإضافي الذي سيحظى به ويساعده على تبخيس الأجور وفرض شروطه القانونية والعملية، وسيحظى بشكل انتقائي بكفاءات وخبرات جاهزة مجهَّزة يرفع بها أرباحه. أما الأغلبية الباقية فلن تجد ما تشتغل به لعدم توفره وكونهم لا يجيدون غير عملهم السابق، مما يهدد ببطالة طويلة تجرهم لفئة المهمشين التي تتسع يوماً بعد يوم. وكل ذلك لن يتم تحت أنظار المنظمة النقابية وحسب، بل وبمساعدتها، فكيف ذلك؟

دور التنظيم النقابي في لجان التقييم حقٌّ وواجب

النقطة الثانية التي من المفترض الإضاءة عليها: «يشمل القرار تقييماً دورياً لمدة سنة، بحيث يتحدد تأثر العاملين بالقرار وفق نتائج تقييمهم خلال المدة المذكورة» - انتهى الاقتباس. إن مفهوم التقييم بحد ذاته يحتاج لتقييم، فمنذ تولي السلطة لزمام الأمور وموظفو وعمال القطاع العام يسمعون هذا المصطلح في كل دائرة ومؤسسة ومديرية ووزارة. ومنذ اللحظة الأولى على تعويمه كأحد أدوات التسويف وترقيع القرارات، طالب الجميع بأن تكون اللجان ذات كفاءة ووفق معايير واضحة، وأن تضم في صفوفها ممثلين عن التنظيم النقابي حكماً لضمان الحيادية والموضوعية، وألَّا تكون شكلية ومجرد إجراء إداري الهدف منه تبرير التسريح أو النقل أو إنهاء العقود. إضافة إلى أنه في حال كانت نتائج التقييم غير جيدة لموظف هنا أو عامل هناك، فهذه مسؤولية الجهات الحكومية أصلاً، ويجب عليها التصدي لمهمة إعداده ورفع كفاءته. وقد ورد في التصريح أكثر من فقرة تتحدث عن ذلك سنفرد لها مساحة في مواد لاحقة.

إن انزياح العمل النقابي عن دوره الأساسي يضرُّ بعمل المنظمة العمالية والعمال معاً، ويجب إعادة منتهى الأمر إلى أوله كي تستقيم الأمور، وأوله أنها منظمة طبقية انطلقت من مصلحتها الوطنية والسياسية والمعيشية في صراعاتها الطويلة مع الطبقات الاجتماعية المستغلة، وهو صراع موضوعي ناتج عن تناقضات بالمصالح. وبالنسبة لعمال القطاع العام، فإن الحكومة بالنسبة لهم هي رب العمل الذي يتمسك بمصالحه ويتحكم بسلوكه وقراراته، ويجب على التنظيم النقابي أن يلتحم بقضايا الطبقة التي يمثلها ويخوض نضاله على هذا الأساس لا غيره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243