بعد قرار زيادة الأجور هل تكفي مناشدة الوزارة؟
بعد إصدار المرسوم 102 الخاص بزيادة الأجور في 19 من الشهر الماضي، خرج وزير الاقتصاد والصناعة بتصريح نقتبس منه: «من موقعنا في وزارة الاقتصاد والصناعة ندعو ونناشد شركاءنا في القطاع الخاص بكل أشكاله أن يبادروا إلى اتخاذ خطوات مماثلة في رفع الرواتب والأجور بما ينسجم مع التوجهات الوطنية، ويسهم في تحسين الواقع المعيشي لجميع أبناء الوطن ترسيخاً لمبدأ العدالة وتعزيزاً للتكامل بين القطاعين العام والخاص». انتهى الاقتباس. يدرك أي متابع للتصريح بأن استخدام الوزير للدعوة والمناشدة طبيعي، كون المرسوم لم يشمل عمال القطاع الخاص أساساً. وهذا ليس بجديد، فطوال العقود الماضية وعلى مر الحكومات والمراسيم، كانت الزيادة تشمل عمال القطاع العام ومَن في حكمهم، وتبقى زيادة أجور القطاع الخاص خاضعة لشروط مختلفة كالعرض والطلب على اليد العاملة أو ارتفاع المعيشة بسبب التضخم الحاصل من رفع الأجور، وغيرها من العوامل الأخرى التي طوال الوقت كانت وما زالت تصب في صالح أرباب العمل دوناً عن العمال. من هنا نفهم حاجة الطبقة العاملة لقانون عمل واحد وموحَّد يرسخ أحد قيم العدالة كما ناشد الوزير.
وقد يأتي أحدهم ويقول كيف ذلك؟ «إن عمال القطاع الخاص سينتفعون من الزيادة العامة، كون الحد الأدنى من الأجور يرتفع وفق القانون رقم 17 الخاص بالقطاع الخاص مثلما يرتفع بالقطاع العام، وبالتالي فإنّ الزيادة ستشملهم بشكل آلي كون الحد الأدنى للأجور قد ارتفع قانوناً». والإجابة على هذا القول تحتاج لتبيان وتفسير من الواقع المعاش والملموس، لا من خلال الحساب النظري.
ينقسم عمال القطاع الخاص لقسمين: الأول القطاع المنظم ويشكلون أقل من 5% من مجمل عمال القطاع الخاص، ونعني بالمنظَّم أنّ العمال فيه يخضعون للقانون رقم 17 بالكامل، والعلاقة بين العامل ورب العمل قانونية، فيوجد عقد عمل واضح الأطر والقواعد: الترفيعات والزيادات والتعويض والحوافز وساعات العمل الإضافي والاستقالة والإقالة والحد الأدنى من الأجور، وغيرها الكثير من المواد المدرجة بالقانون الناظم. كما أن العامل مسجل بالتأمينات الاجتماعية. ولكن الغالبية الساحقة من هؤلاء العمال قيمة رواتبهم التي يتقاضونها غير تلك المسجلة في العقود والأوراق، فأرباب العمل يسجلونهم وفق الحد الأدنى للأجور رغم أن الراتب قد يكون ضعفه أو ضعفيه. والسبب الرئيسي لتهرب رب العمل من تسجيل الأجور الحقيقية آتٍ من سعيه لتخفيض الكلفة التي سيدفعها للتأمينات الاجتماعية المحددة قانوناً 14% من قيمة الأجر المقطوع، في حين يدفع العامل 7% منه فقط، لتشكل النسبتان معاً 21% وهي نسبة إجبارية ملزمة للطرفين. ومن هنا فإن القول بأنّ رفع الحد الأدنى للأجور سيؤثر حتماً على عمال القطاع الخاص غير دقيقة، فارتفاعه والتزام أرباب العمل به لا تعني بالضرورة ارتفاع الأجر المقبوض حكماً، بل تبقى وفق قرار صاحب العمل لا أحد سواه. ولا نظن وفق الظروف الاقتصادية الحالية أنّ أرباب العمل سيقدمون على خطوة من هذا النوع. لماذا؟ الجانب الأول موضوعي وهو الوضع الاقتصادي المتراجع وضعف العائدية والربحية جراء الفوضى الحاصلة في الأسواق وعدم قدرة المنتجين على وضع خطط للإنتاجية والنمو، بل على العكس حيث تشهد القطاعات الإنتاجية انكفاءً واضحاً. وأما الجانب الآخر فهو يتمثل بطوابير العاطلين والباحثين عن عمل يسندون معيشتهم المتدهورة بشكل يومي، وبالتالي فإن العرض والطلب مختل لصالح صاحب العمل، ولا يوجد ما يضغط عليه ليرفع الأجور وفق المقولة الرائجة «بروح واحد بيجي عشرة». كل ما سبق يخص القطاع الخاص المنظم المحمي بالحد الأدنى بقانون العمل والتأمينات، فما بالك بعمال القطاع غير المنظم والذي يمثل أكثر من 95% من سوق العمل.
أهو هدوء ما قبل العاصفة؟
حاولنا خلال الأسبوعين الماضيين رصد انعكاس قرار الزيادة على القطاع الخاص غير المنظم وفي أكثر من قطاع إنتاجي أو خدمي، والغريب في الأمر بأن تأثير المرسوم لم ينعكس على السوق غير المنظم نهائياً، ولم تشهد المعامل والمطاعم والورشات والدكاكين ما كانت تشهده سابقاً بعد إعلان مراسيم الزيادة. فمعظم المنشآت والورش والمعامل كانت تشهد مطالبات بزيادة الرواتب ولو بنسبة يسيرة لا تماثل نسبة زيادة المرسوم، وقد ارتقت العديد من هذه المطالبات لحدود الاعتراض والإضراب فيما مضى. أما اليوم فالصمت يخيم على أجواء الأعمال، فلا أصحاب العمل تحدّثوا بها ولا العمّال طالبوا بشيء يذكر، وكأنما هناك اتفاق ضمني على «تمشية الأمور على حالها»، أو أنها مؤجلة «حتى تقبض الموظفين الزيادة»، أو «إنه هدوء ما قبل العاصفة».
وما يهم بحق أن تشمل الزيادة جميع العمال وبالقطاعات كافةً، فبالكاد تستطيع الأجور الحالية تأمين الحد اليسير من مجمل المعيشة التي ترتفع باطّراد مع مرور الوقت، فكيف إذا أثّرت الزيادة على الوضع الاقتصادي وارتفعت نسبة التضخم واستمر انخفاض القوة الشرائية مع تقليص الدعم الحكومي ورفعه عن خدمات جديدة تجهز على آخر ما تبقى من دور للدولة في الحياة الاقتصادية الاجتماعية.
فرصة البناء الصحيح
رغم قرار زيادة اجور عمال القطاع العام ومن في حكمهم فإن السلطة القائمة والعمال متفقون على انها غير كافية، فما زالت الهوة واسعة بين الدخل والمعيشة. ورغم مناشدة وزارة الاقتصاد والزراعة للقطاع الخاص بزيادة الأجور، فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع. فالوضع بشكل عام يحتاج لأكثر من مجرد دعوة أو مناشدة، وواجب السلطات بوزارتها المعنية العمل على دفع الاقتصاد الوطني إلى الأمام من خلال إجراءات حقيقية تطلق عجلة الإنتاج وترفعها لأعلى المستويات لينعكس على العمل والعمال معاً. فلسنا بوارد تطفيش من تبقى من صناعيين وحرفيين وفنيين أو إفراغ المعامل والورشات من عمالها، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، لا بد من إصدار قانون عمل موحَّد يشمل جميع العاملين بأجر في كلا القطاعين العام والخاص، وتهيئة البيئة القانونية والتشريعية العادلة للطبقة العاملة. فوجود الغالبية العظمى من العمال في القطاع غير المنظم كارثي على العمال والمجتمع، وهو دلالة على سعة ما يسمى اقتصاد الظل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1234