مشاكل العمال بين التهميش وتحديات العيش الكريم
في ظل الأزمات المتلاحقة التي عصفت بسوريا خلال السنوات الماضية باتت شريحة العمال من أكثر الفئات تضرراً من التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، فقد أدى النزاع المستمر وتراجع الإنتاج وارتفاع معدلات التضخم إلى انهيار قيمة الأجور وغياب الحد الأدنى من الحقوق والضمانات. ليجد العامل السوري نفسه محاصراً بين الحاجة إلى تأمين لقمة العيش وتراجع القدرة على العيش الكريم.
وفي ظل اتساع القطاع غير المنظم وانخفاض فرص العمل اللائق وضعف تطبيق القوانين العمالية، تفاقمت معاناة العمال لتتحول إلى أزمة حقيقية تهدد الأمن الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.
يناقش هذا المقال أبرز المشكلات التي تواجه العمال في سوريا اليوم من حيث الظروف المعيشية وغياب الضمانات وتراجع الأجور ويطرح مجموعة من المقترحات التي قد تساهم في تحسين أوضاعهم ودعم حقوقهم في ظل الظروف الراهنة.
أولاً: تدني مستوى الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة
من أبرز المشكلات التي يعاني منها العمال في سوريا هي الفجوة الكبيرة بين الأجور وأسعار المواد الأساسية، فقد أصبح الراتب الشهري للعامل لا يكفي سوى لأيام معدودة في ظل تضخم مستمر ومتسارع، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأجور النقل والإيجارات. وفي كثير من الحالات يضطر العامل إلى العمل في أكثر من وظيفة أو اللجوء إلى أعمال غير مستقرة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات واحتياجات الأسرة، مما يخلق حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي الدائم.
ثانياً: ضعف تطبيق القوانين والضمانات العمالية
رغم وجود قوانين سورية تنظم علاقة العمل وتحدد حقوق العمال إلا أن التطبيق العملي لتلك القوانين يعاني من خلل كبير، خاصة في ظل غياب الرقابة وضعف دور النقابات العمالية، وغالبية العمال في القطاع الخاص يعملون دون عقود رسمية مما يحرمهم من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ويجعلهم عرضة للاستغلال والفصل التعسفي دون أي حماية قانونية.
ثالثاً: توسع القطاع غير المنظم
أدى تراجع الاقتصاد الرسمي وتدمير العديد من المنشآت الصناعية إلى لجوء نسبة كبيرة من العمال إلى العمل في القطاع غير المنظم، وهو قطاع لا يخضع لأي رقابة قانونية أو تنظيم مؤسساتي. في هذا القطاع تنتشر ظواهر كالتشغيل دون الحد الأدنى من الأجور وساعات عمل طويلة دون تعويض وانعدام السلامة المهنية مما يفاقم من هشاشة أوضاع العمال.
رابعاً: هجرة الكفاءات واليد العاملة
تدفع الظروف المعيشية الصعبة وانعدام الأفق الاقتصادي آلاف العمال إلى البحث عن فرص عمل خارج البلاد، وتؤدي هذه الهجرة إلى فقدان سوريا لشريحة واسعة من الأيدي العاملة وخاصة من أصحاب المهارات والخبرات، مما يشكل خسارة كبيرة على المدى الطويل في جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
خامساً: المرأة العاملة في سوريا
تواجه النساء العاملات تحديات مضاعفة تتمثل في التمييز في فرص العمل والأجور وصعوبة التوفيق بين متطلبات العمل والأسرة، بالإضافة إلى تعرض الكثير منهن لسوء المعاملة أو الاستغلال، خاصة في القطاع الخاص وغير المنظم. ومع أن الأزمة دفعت كثيراً من النساء إلى سوق العمل للمساهمة في إعالة أسرهن إلا أن بيئة العمل ما زالت بعيدة عن توفير الحد الأدنى من الحماية والانصاف لهن.
سادساً: الحلول المقترحة لتحسين أوضاع العمال
لتحقيق تحسن ملموس في واقع العمال لا بد من تبني حزمة متكاملة من الإجراءات أبرزها:
تفعيل القوانين العمالية ومراقبة تطبيقها في جميع قطاعات العمل، ورفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع تكاليف المعيشة الحقيقية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل جديدة، وإعادة تنظيم سوق العمل بما يضمن انتقال العامل من القطاع غير المنظم إلى المنظم، وتمكين النقابات العمالية ومنحها صلاحيات حقيقية للدفاع عن حقوق العمال، ودعم المرأة العاملة عبر برامج تدريب وحماية خاصة تراعي خصوصية وضعها الاجتماعي والاقتصادي.
أخيراً
يمثل العامل السوري اليوم عموداً فقرياً في إعادة الإعمار لكنه يعيش في ظروف قاسية تهدد استقراره وكرامته. ومن هنا فإن معالجة مشاكله ليست واجباً أخلاقياً واجتماعياً فقط، بل ضرورة اقتصادية لضمان مستقبل أكثر عدالة واستقراراً لسوريا، وإصلاح أوضاع العمال هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متماسك واقتصاد منتج قادر على التعافي والنهوض من جديد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000