معالجات الحكومة ومسؤوليتها الاجتماعية
عمدت الحكومة السورية المؤقتة إلى فصل مئات العمّال في القطاع الحكومي تحت ذرائع مختلفة دون وجه حق، وهو ما حفّز موجةً متواصلة من الاعتصامات والتجمّعات المطالِبة بالعودة إلى العمل، وإلغاء هذه القرارات المجحفة بحقّ العاملين، ممّا يسبّب دخول أعداد جديدة إلى ساحات البحث عن فرص العمل، المحدودة بالأصل. وقد امتازتْ هذه الحركة بسعتها وشمولها للعديد من القطاعات، ولجموع واسعة من العاملين في عموم البلاد.
لقد كانت النقابات في أعوام خلت، ولأكثر من دورة نقابية سابقة، تشكو من نقص اليد العاملة في أغلب مواقع العمل الإنتاجية منها والخدمية بمعظم قطاعاتها المرتبطة بخدمة المواطنين المباشرة، وكانت النقابات تطالبُ السلطة السابقة بسد ثغراتها، لكنها ظلت تواجه الصدّ وعدم الاستماع «أذن من طين وأذن من عجين». وبالمناسبة، كانت هناك أيضاً أصوات عمالية واضحة ترفع بوجه ما كانت تدعيه تلك السلطة الفاسدة السابقة آنذاك من إعادة الهيكلة، وسياسات الخصخصة التي قطعت خطواتٍ في تطبيقها وكانت تحاول توسيعها، ثم جاءت الحكومة الحالية فشرعت بتطبيقها بوتيرة أسرع منذ الساعات الأولى لوصولها إلى السلطة. مما يؤكد أنّ سياسات الخصخصة هي السمة المميزة اقتصادياً لقوى السلطة الجديدة.
إنّ العمّال السوريّين كافّة هم العمود الفقري لإعادة إعمار البلاد والاقتصاد، وهم لا يسعون إلى الهجرة بأنفسهم بقدر ما يُتمّ إجبارهم عليها عبر إحباطهم من سلوك السلطة في عدم تحسين أحوالهم بل وزيادتها سوءاً. وأغلبية العمال السوريين في البلاد الآن يطالبون، بالعكس، بالحق في العمل وإعادة البناء والعمل والعيش بكرامة في وطنهم حيث يتمسّكون بالأمل الجديد الذي انفتح في أن ينهضوا به وينهض بهم، ولذلك ينبغي عدم السماح بأن يكونوا ضحايا لسلطات مختلفة تدّعي محاسبة المسؤولين عن الخراب والدمار الذي لحق بالبلاد.
إذا استمرّ الوضع الحالي فالانهيار قادم
الأمان والاستقرار والثقة المتبادلة بين العاملين وبين السلطات هي أيضاً من القضايا المهمة للعمّال، فالاستغناء عن العمّال يترك لدى العامل الشعور بأن هذا المعمل أو الشركة أو المؤسسة غير مخلصة لعمّالها حتى لو أنهم أخلصوا هم لها. وبالتالي يشعر العامل بأنه غير آمن في مكان عمله، ويزداد شعوره بعدم الارتياح ويخفّ انتماؤه لمكان عمله ويؤذي شعوره الوطني أيضاً، لأنّ عنقه توضع تحت سيف الاستغناء عنه تعسّفيّاً في أيّ وقت ولأيّ سبب كان أو دون ذكر أسباب،
إنّ استمرار النهج الحالي قد يؤدّي -لا بل إنه يؤدي بالفعل- إلى إغلاق معظم المصانع والمؤسسات السورية، ثم انهيار قطاع الدولة تاركاً ملايين العاطلين عن العمل في مواجهة مصيرٍ غير محمود، ممّا يخلق أوضاعاً اقتصادية واجتماعية غير مستقرّة، تكون لها تداعيات خطيرة طويلة الأمد. إنّ ما يقوم به العاملون في قطاع الدولة خلال الأيام الماضية، يشكّل من حيث مضمونه نضالاً طبقياً متقدّماً؛ فهو يمثّل لحظة الصدام بين الطبقة العاملة وسياسة النهج الليبرالي، كجزء من سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تتبناها حكومة السلطة الحالية على ما يبدو. وإلى جانب كونه نضالاً بالمعنى المطلبي، ينبغي ألّا يتوقف نضال الطبقة العاملة عند حدود إطار الحفاظ على مكان العمل وعلاقات العمل، بل يتطلب توحيد نضال العمال كافة في مواجهة هذه السياسات الاقتصادية.
مخربون اقتصاديون
نحن ندرك أنّ السلطة السابقة أوصلت الاقتصاد السوري إلى حالة من الموت السريري بعد سنوات طويلة من الفساد الاقتصادي والإداري، وحالة التشظّي المجتمعي والجمود السياسي، يضاف لكل ذلك مشاكل اجتماعية مستفحلة وانتشار الجهل وسوء مخرجات التعليم وانعدام الخدمات، وكذلك الجوع والفقر والمرض الذي عشّش في بيوت أكثر من 90% من العاملين بأجر. ففي سوريا اليوم العديد من الذين يسمّون خبراء اقتصاديين وهم أكثر خطراً من فروع الأمن البائدة السيّئة الصيّت، ونعتقد أنهم الأسوأ والأخطر لأنّهم يسخِّرون ما أوتوا من قوة لتحقيق أهدافٍ مشبوهة على حساب خسارة الجميع في البلاد. إنّ هذه القرارات ينتج عنها كارثةٌ إنسانية وربما مجاعة غير مسبوقة لا قدَّر الله، في حال لم يتمّ الضبط والتراجع السريع عنها، وتحقيق الاستقرار كي تُعطى إشارة البدء بانطلاق عجلة الإنتاج المتوقفة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218