«ما حدا سائل عنهم»
عمالة الأطفال كغيرها من الظواهر القاسية التي أصابت الطبقة العاملة ما زالت مستمرة وبتواتر متسارع وأشكال متغيرة، ولها جذورها العميقة الممتدة منذ زمن. وما هي إلّا معاناةٌ تضاف إلى حقيبة المعاناة السورية اليومية، حيث أصبحت العلاقة طردية ما بين احتياجات الأسرة وعمالة الأطفال، ولا شكّ أن انتشارها بشكل كبير في الوقت الراهن يأتي تجسيداً للواقع الحالي، وجزءاً من الواقع الموضوعي والفوضوي الرخو، حيث دخل الأطفال لمجالات عملٍ جديدة ذكوراً وإناثاً، فصرنا نراهم على بسطات بيع الدخان والبنزين، فتيات يعملن بتنظيف البيوت وأدراج البنايات.
أمل على درجات الشقاء
في أحد الأحياء الشعبية في مدينة دمشق، حيث تتداخل أصوات الحياة اليومية مع همسات التاريخ العتيق الذي بات حِملاً ثقيلاً على أكتاف المهمَّشين، التقينا بفتاةٍ صغيرة تحمل دلواً كبيراً ونشَّافة، وتقوم بمهمة تنظيف دَرجٍ في بناء سكني. ظننّا بادئ الأمر أنّها تساعد والدتها أو والدها كما جرت العادة، لكن أمل وهو اسم الفتاة والتي تبلغ من العمر 12 سنة كانت تقوم بالعمل بشكل فردي، وملامحها ونظراتها أكبر من عمرها بكثير، أمل واحدة من آلاف الأطفال الذين اضطرّوا لتحمّل أعباء العمل في سنٍّ مبكرة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أسرهم القابعة تحت فقر شديد وعجز أشد.
عندما سألنا أمل عن سبب عملها، أجابت بحيوية وبعنفوان مثير للدهشة: «أبي مريض وما فيه يشتغل أصلاً، فيكي تقولي عاجز إصابة حرب، وأمي خياطة، وأنا إذا ما اشتغلت مصيبة، والله أخواتي بموتوا من الجوع، أنا بشطف أكثر من بناية والناس بتحب شغلي لأنّي شاطرة فيه وأرخص من غيري بكتير، باخد من كل بيت 2500 غيري عم ياخد 5000 وفي كتير عيلات بيعطوني زيادة أو بعطوني غراض، بس أنا ما برضى آخد شي منهم، بس مصاري، لأني ما بحب آخد شي كأنو شحادة. طبعاً في حصة للمكتب العقاري اللي هون، هو يأمّنلي الشغل عطول، وكل يوم بخلص شغلي وبوشي عالبيت، نحنا ساكنين بالغزلانية عطريق المطار، وبعطي أمي كل اللي بطلعو لتصرف عالبيت، مني شوي ومنها ومن أخي الصغير شوي بيمشي الحال، مندفع أجار البيت ومنجيب حليب أخي الصغير كمان، الحمد الله مستورة المهم ما نمد أيدنا لحدا».
10 سنين بيّاع دخان وبنزين
أمّا أحمد، وهو فتى صغير يبلغ من العمر 10 سنوات، يعمل على بسطة صغيرة للدخان والبنزين عند دوار مخيم اليرموك، يساعد عائلته في الدخل ويؤمّن جزءاً بسيطاً من احتياجاتها، عائلته مكوّنة من 5 أفراد جميعهم يعملون وهو أصغرهم، والده فقد ورشته الخاصة بمهنة الألومينيوم والمطابخ أثناء الأعمال العسكرية في الحجر الأسود، والآن يعمل لصالح معمل صغير. أما والدته فتعمل في تدريس بعض أطفال الحي والجيران مقابل مبالغ رمزية، وأخوه يعمل معه على البسطة، أحمد في الصف الثالث يبدأ عمله مع انتهاء دوام المدرسة وحتى الثامنة مساءً، ويتقاضى مع أخيه يومية 25 ألفاً، وقال لنا «بدي كمّل دراستي وصير مهندس لأنو أبي بقول أني لازم صير مهندس، هو اشتغل مع كتير مهندسين وحلمو هالشي، بعطي يوميتي لأمي وهي بتعطيني مصروفي عالمدرسة كل يوم 5 آلاف، وأصعب الشي الشغل بالبرد، مرقت أيام اتجمّد فيها وما بقدر ما إجي عالشغل لأنو صاحب البسطة دغري بجيب حدا غيري، هو عندو عشر بسطات إذا مو أكتر ما بتفرق معو، وأنا لازم اشتغل واتحمّل.
يتصف المجتمع السوري بعزّة النفس والاعتماد على العمل الكريم، وربما هذه الإيجابية الوحيدة التي ممكن استنتاجها من حديثنا مع بعض الأطفال العاملين، ولا سبيل لمعالجة هذه الظواهر المضرّة بالطفولة والمجتمع، والتي هي بالأساس خارج القانون إلّا بحلول جذرية لواقعنا الذي طال استمرار انهيار بنيانه حتى الآن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218