لنجدِّدْ نقاباتِنا
إن التحولات والمتغيرات التي مرّت بها البلاد في أواخر العام المنصرم وبداية هذا العام، بسقوط السلطة السابقة غير المأسوف عليها، قد وضعت الطبقة العاملة، والعمل النقابي أمام تحديات كبرى يتعرض لها العاملون بأجر، وخاصة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص منها المعيشيّة والمتعلقة بالحفاظ على مكان العمل؛ من تسريحٍ عشوائي للعاملين، أو إعطائهم إجازات مفتوحة تبدأ بثلاثة أشهر، وغير المعروفة نتائجها المستقبلية، تقوم بها السلطة المؤقتة. ممّا انعكس على ظروف العمال والعمل، ومعنويات العمال أيضاً. لذلك يحتاج العمال لإعادة تجديد وإحياء العمل النقابي بكل ما يعني هذا التجديد والإحياء من معنى وبالسرعة القصوى. الأمر الذي يستدعي من طليعة الطبقة العاملة صياغة استراتيجيات لهذا العمل النقابي، ووضع برنامج ينسجم مع الواقع، لخدمة العمال وتحقيق تطلعاتهم في العمل اللائق والحياة الكريمة لهم ولأسرهم.
فتجديد الطبقة العاملة للنقابات، يهدف إلى أنْ تصبح النقابات على قدر المسؤولية أمام المتغيرات الجديدة، وتلبية احتياجات العمال، وهو ما يعطي هذه النقابات قوة في تمثيل العمّال وحماية مصالحهم، وتبنّي أساليب عمل تساهم في تنوّع النضال العمّالي وفق قواعد عمل وأساليب وأدوات مشرَّعة دوليّاً، وقد خبرتها الطبقة العاملة تاريخيّاً، ولكن الطبقة العاملة السورية كانت بعيدة عنها إبّان السلطة المستبدّة البائدة. فالنقابات يفترض بها أن تساعد في تحقيق برامجها المطلبية لصالح قضايا العمال في ظلّ ما يواجهون من تحديات وضغوطات سابقة ولاحقة تسببت بها المستجدات في البلاد.
في كل المجتمعات، يفترض بالنقابات أن تكون من الوسائل والأدوات التي تمنع وتحدّ من استعمال أجهزة الدولة ضدّ المجتمع وخاصة مصالح وحقوق العمال والكادحين الاقتصادية المعيشية من رواتب وأجور وغلاء وكذلك الحقوق الديمقراطية والتشريعية من قوانين عمل وضمان اجتماعي وصحي وضمان شروط وظروف عمل مناسبة. كذلك تساهم الأحزاب السياسية التي تنحاز إلى قضايا العمّال وحقوقهم في تأمين حمايةٍ من تغوُّل أجهزة الدولة على المجتمع.
فإضعاف قوى المجتمع الحيّة من نقابات وأحزابٍ سياسية هو إضعافٌ للدولة، لأنّ ذلك يفتح الطريق للسّلطة أنْ تبتعد عن خدمة المجتمع والبلاد عامة.
ومن صادق القول، إنّ ما تقوم به السلطة الحالية المؤقَّتة من العديد من الإجراءات الإدارية قد يؤدي إلى ردّ فعل فوضويّ من المجتمع، وهذا بطبيعة الحال يُوقِعُ البلادَ في الفوضى وعدم الاستقرار وقد تصل الأمور إلى ما لا تُحمَد عُقباه.
ولا بدّ من التأكيد أنّ إحدى القواعد الأساسية في بناء الدولة الحديثة، وقوة هذه الدولة تكمن في قوة نقاباتها، وخاصة النقابات العمالية التي تعرف دورها الوظيفي المناط بها، وكذلك في قوة أحزابها السياسية. ومن الواضح اليوم أنّ الطبقة العاملة، قد وضعت اللّبنة الأولى لمساهمة فعالة لتعيد تنظيم نفسها تنظيماً جديداً وفعالاً، بالاستفادة من تطوير وتحديث تجاربها التاريخية وأدواتها الكفاحية، ونعتقد أنه بإمكانها ذلك.
وخلاصة القول، نرى التجديد النقابي وتغيير أسلوب وأدوات عملها تغييراً جذرياً، خاصةً في ظل هذه المرحلة الجديدة من حياة البلاد، وما يواجه العاملون بأجر من تحدّيات – نراه من متطلبات المرحلة للقيام بدور أكثر فعالية في الدفاع عن حقوق العمال وتحسين ظروف وشروط عملهم، والارتقاء بواقعهم بما ينسجم مع معايير العمل اللائق، ويحقق الكرامة للعمّال في الحياة التي يعيشونها، بما تحمله من ضغوط ومسؤوليات اقتصادية واجتماعية في المجتمع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214