تراجع في قيمة الأجور مقابل تحرير الأسعار

تراجع في قيمة الأجور مقابل تحرير الأسعار

ماذا يعني وضع سقف للأجور مقابل تخفيض الدعم وتحرير الأسعار وخصخصة المؤسسات الخدمية والإنتاجية الحكومية؟!

قبل انفجار الأزمة

هذه هي السياسة الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة منذ عام 2005 وتطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، حتى وصلت الهوة بين الأجور والأسعار إلى مستويات غير مقبولة، مع البدء بإلغاء الدعم تدريجياً خاصة على المحروقات حينها، مما أدى إلى رفع أسعار المنتجات الزراعية والصناعية والمواصلات، في مقابل عدم تعويض أصحاب الأجور عن هذا الارتفاع، مع أن الدعم الذي كان موجوداً كان تعويضاً من قبل الحكومة واعترافاً ضمنيّاً منها بتشوّه الأجور وعدم كفايتها في تأمين الاحتياجات الأساسية للعامل أو الموظَّف، لذلك كان يجب أن يترافق إلغاء الدعم مع تعويض أصحاب الأجور مقابل الارتفاع الذي سيطرأ على الأسعار.

خصخصة الخدمات الأساسية

وترافقت هذه السياسات مع فتح بوابة الاستثمار في مؤسسات الصحة والتعليم مقابل تراجع في دعم المؤسسات التعليمية الحكومية المجانية وتراجع أدائها من مرحلة الروضة إلى الجامعة، حيث افتُتحت المؤسسات التعليمية الخاصة ووصلت أقساطها إلى مستويات لا يستطيع أيّ عامل تأمينها من خلال أجره أو مرتبه، هذا لو افترضنا أنَّ لديه ولداً وحيداً فقط.
هذا عدا عن ارتفاع تكاليف العلاج والمداواة، وعجز نظام التأمين الصحي للعمال والموظفين عن توفير مظلة كاملة لتأمين تلك المصاريف، حيث بدأت الحكومة بقصر نفقات التأمين على بعض الأمراض فقط دون غيرها بحجج مختلفة، وارتفعت تكاليف عملية جراحية في المشافي الخاصة إلى مستويات مخيفة، مقابل تراجع أداء المشافي الحكومية، فالداخل إليها مفقود والخارج مولود كما يقال، وقد اتّبعتْ الحكومة سياسة خصخصة المشافي الحكومية وفرض رسوم على بعض الخدمات الصحية فيها، والتي بدأت بالارتفاع تدريجياً. وكل هذا تحت مسمى «إعادة الهيكلة».

تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي

ونتيجة لسياسة إلغاء الدعم ارتفعت تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، مما انعكس بكل تأكيد على أسعار المواد والمنتجات الغذائية، وارتفعت فاتورة تأمين تكاليف الغذاء على العامل السوري، ولم يستطع أغلب المزارعون مواكبة ارتفاع تكاليف الإنتاج وتغطيتها ممّا أدّى إلى توقُّف آلاف المزارعين عن الإنتاج والعمل، وهجرة كثير من الفلاحين لأراضيهم ونزوحهم نحو المدن، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية، حيث سيطر الجفاف على تلك الأراضي، وجاءت السياسات الحكومية مكمّلةً لمأساة الفلاحين الذين تحوّلوا إلى نازحين يقيمون في الخيم في مراكز المدن.
وبدلاً من التعويض على الفلاح أو الصناعي ودعمه ليستمر بالإنتاج، كما يفترض بأيّ سياسة حكومية وطنية تريد التطوير والتحديث حقيقة وليس شعاراً فقط، اتجهت الحكومة نحو الاستيراد وفتحت أوسع أبوابه، وانفتحت على أسواق دولٍ لا يستطيع المنتج السوري منافستها، ممّا أدى إلى الإضرار بالصناعة السورية وإفقار مئات الآلاف من الحرفيّين وإخراجهم من سوق العمل وإغلاق منشآتهم الصغيرة وتحويلهم إلى عمّال أو باحثين عن عمل.
ومع أنّه في تلك السنوات كانت الحكومة تزيد الرواتب والأجور بنسب مختلفة ومتفاوتة، إلّا أن تلك الزيادات كانت تترافق مع تضخّم وارتفاع في الأسعار، وكانت كل زيادة في الرواتب تعني انخفاضاً في قيمة الأجور وتراجعاً في قوتها الشرائية، وقد وصلت نسبة توزيع الثروة إلى 25% للأجور مقابل 75% للأرباح، وهذه النسبة تكشف مدى النهب الذي تعرّض له أصحاب الأجور والذي تسارَع عشيّة انفجار الأزمة.

بعد انفجار الأزمة

جرى ذلك حتى وصلنا إلى عام 2011 وانفجار الأزمة السورية التي ترافقت مع مزيد من الخسارات والكوارث للطبقة العاملة التي خسرت كل شيء تقريباً، وكما يقال جنى العمر، بسبب دمار منازلهم وهجرتهم عدا عن النزوح وتكاليفه الذي استنزف كامل مدخراتهم، مع تراجع قيمة الأجور كل يوم وكل ساعة ومع الارتفاع المستمر للأسعار وإلغاء الدعم بشكل شبه نهائي، وتراجع قيمة العملة وفرض ضرائب جديدة على المواطنين، حتى بات مستوى الأجور متدنياً جداً واحتلت سورية المراتب الأولى عالمياً في تدنّي مستوى الأجور وانتشر تبعاً لذلك الفقر حتى بات 90% من السوريين فقراء أو دون خط الفقر العالمي، وانتشرت الأمراض الناتجة عن سوء التغذية وتحوّلت الطبقة العاملة إلى طبقة متسوِّلة.
وبدلاً من دعم تلك الطبقة في المجتمع، والتراجع عن السياسات التي اتبعت في السنوات السابقة، والتي مهدت الأرضية للانفجار، استمرّت الحكومات السورية في اتباع السياسات نفسها، لا بل استغلّت الأزمة وعواملها في تبرير سياستها، واتخذت من الأزمة والعقوبات والحصار شماعة لتبرير وتمرير قوانينها وسياساتها أثناء انشغال السوريين في محاولاتهم للهروب من الموت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1194