عمالة الأطفال سببها نهب الناهبين
إنّ الأطفال هم الأكثر تأثراً في الأزمة السورية بسبب النزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى، ضمن ظروف عائلية صعبة لم تستطع تأمين حاجاتهم ومتطلباتهم المعيشية والصحية والتعليمية، حيث تعرّضوا لضغوط نفسية شديدة وضغوط اجتماعية ليست أقل من الضغوط النفسية، ممّا حوَّلَ الكثير من الميزات التي يتمتع بها الأطفال إلى أمراض من الصعوبة بمكان التخلص من آثارها، وهذا يحتاج إلى جهود مضاعفة من العمل تمتد لسنوات طويلة تعيد التوازن المفقود خلال الأزمة حيث دُفِعَ الأطفال بأشكال مختلفة ليكونوا حطباً.
فمنهم من أجبر على التسول في الطرقات ومواقف السيارات، والبعض الآخر الأكثر حظّاً أُجبِرَ على العمل في مهن شاقة لا تتناسب مع تكوينه الجسماني ولا العقلي، وهم مضطرّون للقيام بذلك العمل تحت ضغط الظروف والحاجة لمساعدة ذويهم الذين ضاقت بهم السبل، وأصبح تأمين ما هو ضروري يُعَدُّ من المستحيلات، وهذا السلوك الذي سلكه الأطفال العمّال يتناقض مع قوانين العمل السورية التي تُحرِّمُ عمالة الأطفال، والإعلان العالمي لحماية الطفولة، ومع الموقف الإنساني المفترض أن يدافع عن حق الأطفال بالتعليم والرعاية من جميع الأوجه، وحمايتهم من التسرب والتشرد، حيث يُرى الآن الكثير من الأطفال يفترشون الأرصفة ليلاً، وفي النهار يعملون بمختلف المهن، ومنها مسح السيارات على إشارات المرور والتسول أو بيع بعض الأشياء.
وبهذا الخصوص يمكننا إلقاء الضوء على جانبٍ ممّا يتعرض له الأطفال «العمّال» في منطقةٍ من دمشق تنتشر فيها الورش الحرفيّة منذ زمن طويل؛ المنطقة هي الشاغور وشارع البدوي والمنطقة الصناعية في حوش بلاس أو في منطقة الصناعة القريبة من كراج السيدة زينب، والتي فيها العديد من الصناعات الحرفية، ويعمل بها الكثير من الأطفال، بما في ذلك في بعض المهن الخطرة جداً مثل حرفة تشكيل المعادن التي في عداد أدوات إنتاجها المكابس الهيدروليكية بضغوط عالية، حيث يعمل بعض الأطفال عليها دون خبرة ولا دراية بمخاطرها التي قد تؤدي إلى بتر اليد الغضّة العاملة عليها، مقابلَ بعض القروش التي يوفّرها صاحب الحرفة بدلَ تشغيل عمّال ذوي خبرة وعلمٍ بهذه الحرفة. وعند إصابة «العامل» الطفل يكون نصيبه بعض اللّيرات التي يتصدّق بها صاحب الحرفة كتعويضٍ عن إصابته التي لن تزول وتصبح عاهةً دائمة تلازم هذا الطفل مدى الحياة. هناك أيضاً العمل في مهن البناء المختلفة، حيث يرحِّلون الأتربة اللازمة للبناء إلى الطوابق المختلفة، أو حمل جبلات الباطون وصبّها... وغيرها من الأعمال الخطرة التي يتعرّضون لها.
إنّ حماية هؤلاء الأطفال ورعايتهم تقع بالدرجة الأولى على عاتق الجهات الحكومية، ومنها وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، والأهمّ هو أنْ تكفَّ قوى النهب بمختلف مسمّياتها عن نهب ذويهم حتى يتمكّنوا من تأمين حاجات أطفالهم ومتطلباتهم من كل النواحي الصحية والتعليمية والمعيشية، حيث يفتقد الأطفال العمّال كلَّ ذلك بسبب ذاك النهب غير المسبوق في ظروفنا العصيبة التي نعيشها ويعيشها كلّ فقراء شعبنا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194