مستويات مخيفة من البطالة

مستويات مخيفة من البطالة

إنّ مشكلة البطالة لا تزال تؤرّق الاقتصاد السوري منذ ما قبل انفجار الأزمة عام 2011، وازدادت أضعافاً مضاعفة بعد عام 2011، وخلال السنوات العشر الماضية. ولم تقتصر حالات البطالة على الطبقة العاملة فقط بل تعدّتها إلى مختلف القطاعات المهنية باعتبارها بطالةً مقنَّعة نتيجةً لتوقّف الأعمال في شتّى المجالات.

القطاع الخاص الذي تعوّل عليه الحكومة

يشهد القطاع الخاص تراجعاً عامّاً في الأداء وانخفاضاً بمعدلات الإنتاج إلى أدنى مستوياتها، وتتّجه العديدُ من المنشآت نحو تقليص العمالة أو الإغلاق بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين، ممّا جعل آلاف الأسر ينحدرون إلى مستنقع القفر المدقع وارتفاع معدل البطالة المرتفع أساساً.
تحدّث عضو غرفة تجارة دمشق عماد القباني أنّ القطاع الخاص يلجأ في الآونة الأخيرة إلى تقليص عدد الموظفين بسبب حالة الركود التي تشهدها الأسواق، وعدم القدرة على تصريف المنتجات، وضعف القدرة الشرائية، وأن الطبقة العاملة هي الخاسر الأكبر من تداعيات هذا التقليص بأعداد العمالة.
ومن جهته أكّد الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق مجدي جاموس أنّ نسبة البطالة تتجاوز 37% في حين أن نسبة البطالة المقنَّعة قد تجاوزت 85% وفي مختلف القطّاعات.
وفي سياقٍ متّصل، أشار الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق شفيق عربش إلى أنّ الاقتصاد بحالةٍ قريبة من الشلل الكامل، مؤكّداً أنّ سوق العمل في سوريا يعاني من خلل بنيويٍّ كبير، بسبب هجرة العمالة السورية، وأنّ كلَّ القطاعات تنتج بالحد الأدنى، وكما أشرنا في المقالة السابقة في صحيفة قاسيون فإنّ القطاع العام يعاني من انخفاضٍ بالعمالة بسبب ضعف الأجور، ومؤسسات القطاع العام شبه متوقفة عن العمل بسبب هجرة اليد العاملة من هذا القطاع نتيجة لسياسة الأجور المتبعة وسياسة الحكومة بعدم ضخّ الأموال اللازمة لإعادة عجلة الإنتاج إلى المعامل الحكومية.

تدهور القطاعات الإنتاجية

وبحسب بعض الباحثين والمختصين بالشأن الاقتصادي فإن الاقتصاد السوري وصل إلى حالة من الشلل التام نتيجة تدهور القطاع الصناعي، وضعف الإنتاج، وتراجع القطاع الزراعي، وخروج العديد من التجار من الأسواق، وفتح كثير من القطاعات للاستثمارات الخاصة، مثل القطاع الصحي والتعليم والتبغ. وتوقَّع تقريرٌ حديثٌ للبنك الدولي في 24 أيار الماضي انكماشَ الاقتصاد السوري بنسبة 1.5% مقابل 1.2% في 2023 مشيراً إلى أنّ أكثر من ربع السوريين يعيشون في فقر مدقع.
بينما أعلنت معاونةُ حاكم مصرف سوريا المركزي مها عبد الرحمن، في لقاء متلفز في 20 أيار الماضي، ارتفاعَ معدل التضخم بنسبة 122% حتى نيسان الماضي، وأرجعت ارتفاعَ معدلات التضخم إلى العقوبات الغربية وضعف الإنتاج وحالة التمويل بالعجز التي تلجأ إليها الحكومة.
ومن أسباب البطالة الاقتصادية ضعف الاستثمارات، فعندما يكون هناك قلة في الاستثمارات الاقتصادية ينخفض مستوى النشاط الاقتصادي ويتسبب ذلك في انخفاض فرص العمل المتاحة للأفراد، ناهيك عن حالة الركود الاقتصادي التي يعاني منها الاقتصاد السوري، فعندما ينخفض الناتج المحلّي لفترة معينة ممّا يؤدي إلى انخفاضٍ في الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وبالتالي زيادة في معدلات البطالة.

نتائج انتشار البطالة

وتجدر الإشارة إلى أنّ البطالة حينما تتفاقم فإنها تجرّ في أذيالها كثيراً من الخسائر والضياعات والآلام، سواء ما تعلّق بها بالفرد أو المجتمع، أو بالاقتصاد القومي، فبالنسبة للفرد لا يخفى أنّ البطالة تؤدّي إلى افتقاد الأمن الاقتصادي، حيث يفقد العامل دخلَه الأساسيّ وربما الوحيد، ممّا يعرّضه للفقر والحرمان هو وأسرته، ويجعله يعيش في حالةٍ يفتقد فيها الاطمئنان على يومه وغده، ويزداد الوضع سوءاً إذا لم يكن هناك نوعٌ من الحماية الاجتماعية للعاطل عن العمل، كما لا يجوز أنْ ننسى المعاناة الاجتماعية والعائلية والنفسية التي تنجم عن البطالة، فقد ثبت أنَّ استمرار حالة البطالة وما يرافقها من حرمان ومعاناة كثيراً ما تدفع الفرد إلى سلوك منحرف نتيجة للحالة النفسية التي يعانيها، فضلاً عن ممارسة العنف والتطرف والجريمة.
كذلك تؤثّر البطالة على المجتمع وهي تؤدّي إلى تفكك المجتمع وانحلاله وتدهوره، من خلال زيادة النشاط الإجرامي وانتشار العمل الأسود، وكما تؤدي إلى تأخّر سن الزواج عند الشباب وازديادٍ في نسبة العنوسة عند الإناث، وبالتالي انخفاض معدّلات الولادات ودخول المجتمع في حالة الكهولة.
أمّا عن الخسائر التي يتحمّلها الاقتصاد الوطني فهي كثيرةٌ ومتعددة؛ تأتي في مقدّمتها ما تمثّله البطالة من إهدارٍ لقيمة البشر، حيث يخسر البلد قيمة الناتج الذي كان من الممكن للعاطل إنتاجُه لو كان يعمل ويُستفاد من طاقاته الإنتاجية، عدا عن هجرة العمل إلى بلاد المهجر والنزوح وهو ما يعتبر خسارة لا تعوَّض للاقتصاد الوطني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1185