ما هو مستقبل النقابات العمالية؟

ما هو مستقبل النقابات العمالية؟

التحديات الهائلة التي تواجه النقابات في العالم في أوروبا وأمريكا وخاصة تلك المتعلقة بالتطور التكنولوجي، ودخول الذكاء الصناعي مجال التحكم في العمليات الإنتاجية، وتأثير ذلك على العمّال من حيث الاستخدام الكثيف لليد العاملة كما هو متعارف عليه، حيث دخول تلك التكنولوجيا غيّر الكثير ممّا نعرف حول دور النقابات وإمكانية إعادة تنظيم العمال، حيث لا بدّ للنقابات من أن تجد تلك الآليات الجديدة التي تمكنها من تنظيم العمال والدفاع عن مصالحهم وفقاً لما هو قائم من تطور في تكنولوجيا الإنتاج.

أصدرت منظمة العمل الدولية تقريراً موسعاً «النقابات العمالية في الميزان» ناقشت من خلاله العوامل والمؤثرات الجديدة وانعكاسها على دور النقابات اللاحق وطرحت العديد من الأسئلة وأجابت عن بعضها.

النقابات العمالية في الميزان

تواجه النقابات العمالية تحديات هائلة. فقد أضحى من الصعب أن تصبح نقابياً في الوقت الحالي، حيث تنتشر انتهاكات الحقوق النقابية على نطاق واسع. وتؤثر التغيرات التكنولوجية والاقتصادية على طبيعة الوظائف ونوعيتها ومن ثم تؤثر على إمكانية تنظيم وتمثيل العمال في بلدان الشمال وفي بلدان الجنوب.
وفي ضوء ما سبق، يتعين على النقابات العمالية إجراء مزيد من التقييم لاستراتيجيات التنظيم والدعوة. لكن كيف؟
تقوم بتعزيز علاقات العمل مع ضمان توفير الحماية الكافية للعمال كافةً، بما في ذلك توفير أجور المعيشة وتوفير السلامة والصحة في مجال العمل؟ وينبغي بذل الجهد لتنظيم وتمثيل الأشكال الجديدة من العمالة بما في ذلك العمال خارج نطاق علاقات العمل أو العمالة في الاقتصاد غير النظامي.
ما الذي يمكننا أن نتوقّعه من النقابات العمالية خلال العقد أو العقدين القادمين، وما الذي نتوقّع حدوثه لها؟ هل ستستمر في العمل كمنظّمات ذات عضوية كبيرة وتقوم بتمثيل كل أشكال التنوع الموجود في عالم العمل اليوم، أم أنها ستتراجع وتقوم بتمثيل أقلية صغيرة تتوفر لها الحماية؟ هل سيستمر التراجع الذي حدث في العقود الأخيرة، أم ستنتفض النقابات وتسترجع أهميتها بالنسبة لعلاقات العمال في العصر الرقمي كما كانت عليه في العصر الصناعي؟
ما زالت غيوم الشك تلوح في الأفق بالنسبة لمستقبل النقابات العمالية. ويمثل ذلك أحد محفزات منظمة العمل الدولية لإطلاق المبادرة المئوية حول مستقبل العمل وبخاصة «الخوف من أن يكون اتجاه التغيير في عالم العمل بعيداً عن، وليس متجهاً نحو، تحقيق العدالة الاجتماعية».
إنّ تراجع عدد الوظائف في مجال التصنيع وتنامي مختلف أشكال العمل غير القياسي والمرن، من خلال التعاقد من الباطن والتعهيد في كثير من أنحاء العالم المتقدم، واستمرار ونمو الاقتصاد غير النظامي في البلدان النامية، قد سبَّب انخفاضاً في معدلات الكثافة النقابية في كافة دول العالم تقريباً.
وما زالت تغطية التفاوض الجماعي في العديد من أجزاء العالم منخفضة بصورة خطيرة، وتتجه إلى المزيد من الانخفاض، وقد بدأت علاقات العمل تتسم بنمط جديد من «عدم الاستقرار في مجال العمل» في القرن الواحد والعشرين، «بما يقوض الأنظمة القانونية التي كانت تنظم وتحكم أسواق العمل وعلاقات العمل في معظم القرن العشرين، وتكمن تحت ذلك تغيراتٌ في التجارة الدولية والهجرة والهيكل الصناعي وسلوك الشركات والسياسة».
في ظل هذه الخلفية، يجب على النقابات العمالية أن تقوم بحسم اثنين من التحديات الكبرى: الاقتصاد الرقمي، والفارق الاجتماعي بين العمال الذين يتمتعون بوظائف مستقرة بأجور جيدة والعمال الذين يعملون في وظائف غير مستقرة بأجور ضعيفة وغير ثابتة أو الذين لا يعملون على الإطلاق.
ويمتلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات القدرة على خلق الوظائف أو القضاء عليها لكن يتم القضاء على الوظائف الخاطئة وفقاً لوجهة نظر النقابات.
وتشير إحصاءات العمل الحالية التي تعكس المرحلة الأولى من «الثورة الرقمية» إلى حدوث تراجع في حصة الوظائف الوسطى المتعلقة بالحرف ووظائف العمالة الماهرة وشبه الماهرة في مجال الصناعة – وهي الوظائف نفسها التي شاركت في تشكيلها النقابات العمالية عبر تاريخها الطويل، ووفرت لها العضوية الأساسية والتأثير في مجال السياسة والعلاقات الصناعية.
إن الوظائف الموجودة في مجال التدريس والتمريض ما زالت حالياً خارج نطاق إمكانات أجهزة الحاسوب، لكن قد يتغير ذلك الأمر في المستقبل القريب ويتهدد قطاع آخر من الوظائف التي تشارك بقوة في النقابات.
ويؤدي تفريغ الوسط إلى زيادة الضغط على النقابات العمالية كي تظلّ ذات صلة بالنسبة للعمال في المستويات العليا والدنيا من سوق العمل. وعلاوة على ذلك، فإن «اقتصاد المنصّة» ما يزال في مهده، لكنه ينمو بسرعة ويهدّد النقابات فيما يتعلق بنشاطها الأساسي المرتبط بتكييف العمل من خلال التفاوض الجماعي وإدارة النزاعات. وتيسّر وسائل التكنولوجيا الرقمية الجديدة عملية تقليل تكاليف المعاملات وهو أمرٌ لم يكن من المتصوَّر تحقيقُه منذ عدة سنوات، وتقوم بالقضاء على سبب أساسي لوجود الشركات والموظَّفين وعلاقات العمل نفسها.
ويمكن من خلال ذلك للمنصات الإلكترونية أنْ تجعل عملية اللامركزية، والتشبيك والتعهيد والتعاقد من الباطن، وتقسيم العمل إلى أداءات منفردة أو «وحدات»، تصل إلى حدود جديدة، بحيث يصبح كلّ ما يتبقى من الشركة مجرَّد طريقة لتحقيق الأرباح. وترتبط هذه الطريقة بالمنصّة أو البرنامج الذي يمكن للعملاء أو طالبي الخدمات من خلاله نشر مهامهم ويمكن للعمال أو المقاولين قبولها، وأداء وتقديم الخدمات والحصول على مقابل مادي – ويحدث كل ذلك خارج الهياكل التقليدية التي تحددها قوانين العمل والضمان الاجتماعي والعقود النقابية.
ويمكن الاستعانة بنموذج العمل هذا في كلّ أنواع المهام تقريباً، على المستويَين المحلي أو العالمي، سواء كانت عامة أو ذات علامة تجارية، في مجالات النقل والتسليم والغسيل والتدريب الشخصي والإصلاح والأثاثات وتجميع المطابخ، والتحرير وتصميم الغرافيكس والتصوير، والتدريس والجولات الإرشادية والترجمة والطهي.
يشبه ذلك من عدة نَواحٍ نظامَ «الاستخدام» القديم الخاص بالمرحلة الأولى من مراحل الرأسمالية، التي كان يتم فيها جلب العمال واستخدام أدواتهم لكن تم تحديث هذا النظام الآن من خلال الإشراف الإلكتروني.
ولأن هذا النظام لا يوجد لديه موظفون بالمعنى التقليدي، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستكون لهذا النظام نقاباتٌ عمالية؟ وما هي الأدوات التي ستستخدمها تلك النقابات للاستفادة من السلطة ولتوفير الحماية الاجتماعية؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1185
آخر تعديل على الإثنين, 05 آب/أغسطس 2024 12:32