بصراحة ... كل شيء بوقته حلو
التقيتُ بعاملٍ متقاعد وهو خرّيج معهد متوسّط أمضى ما يقارب الـ 34 عاماً في العمل، وبعدها أصبح متقاعداً بتعويض شهري يقارب الـ 300 ألف ليرة سورية بعد الزيادة الأخيرة التي طرأت على الأجور. يخرج من بيته باكراً ويعود مساءً لتأمين كفاف يومه وحاجة أسرته، حيث قال: «أنا أقبض 300 ألف ليرة كمعاش تقاعدي ماذا أعمل بهم وكم يوماً تكفيني بالله عليك أجبْني؟». لم أكمل جوابي له عن سؤاله لأنه تابع قائلاً: «لا تكفي سوى أيام لهذا أنا مضطرٌّ غصباً عني إلى البحث عن عمل آخر يؤمّن لي ولعائلتي بعض ما نحتاجه».
وجَّهتُ له سؤالاً عن عمله الإضافي الذي يعمل به منذ الصباح حتى المساء قبل أن يجيبني قائلاً: «لم ترَ ماذا أحمل من أكياس، أنها تحوي بعض أنواع من الدخان المتنوّع أبسُطُها في الشارع وأبيعُ منها ما أبيعه، وأذهب إلى الموزّع لأسدّد له حسابه عن ثمن الدخان الذي استدنتُه منه، ويبقى معي بعض النقود التي أحتاجها عند عودتي إلى البيت، لأحضر ما يلزم البيت من مواد ضرورية تؤمّن لنا غداءً وبعض الأشياء الأخرى التي يحتاجها أيّ بيت من بيوتنا التي تعيش على الحدّ الأدنى من حاجاتها».
أثناء الحديث مع صديقنا عبّر بمرارة وغضب شديدَين عن واقعه الذي يعيشه وواقع ملايين العمال والفقراء، الذي وصل حالهم إلى ما وصل إليه من بؤس وحرمان، وعبّر عن الحاجة إلى أيّة بارقة أمل، وتابع يقول: «عندما كنت في عملي قبل التقاعد، كانت هناك بعض التعويضات مع الأجر تعيننا على قضاء حوائجنا، والآن بعد التقاعد خسرنا كل شيء وكان الحلّ الوحيد للعمل الذي يمكن أن أكسب منه هو بيع الدخان، مستفيداً من ارتفاع أسعاره وكثرة المدخّنين الذين لا يستغنون عنه مهما بلغ سعره».
إنّ حال صديقنا هذا هو ليس حال المتقاعدين فقط، بل هو حال العاملين بأجر الذين لم يصلوا إلى سنّ التقاعد بعد، والبسطات المنتشرة في كل زوايا المدن والبلدات تحوي عدداً كبيراً من هؤلاء الذين لم يصلوا بعد لسن التقاعد، خاصة وأنّ هؤلاء العمال قد خسروا الكثير من التعويضات التي كانت (الحوافز الإنتاجية، تعويض طبيعة العمل، العمل الإضافي، جزء من الطبابة، إلخ)، بسبب عدم إنتاجية المعامل وتوقف جزء مهمّ منها عن العمل لأسباب كثيرة. وهذا الواقع المُعاش سيرفع منسوب الاستياء وعدم الرضا وسيدفع العمّال إلى التفكير والبحث عن مخارج لواقعهم وكما قال صديقي المتقاعد «كل شي بوقته حلو».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1184