القطاع العام يدخل العناية المشددة
على ما يبدو أن الحكومة ومَن وراءها من قوى الفساد، والتي باتت متحكمة في مفاصل الدولة والاقتصاد والمجتمع، يهدفون من خلال اتباع سياسة تجميد الأجور إلى تجريف العمال والموظفين من القطاع العام.
فقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط العربية مقالاً منذ أشهر تحت عنوان «الموظفون في القطاع الحكومي السوري مهددون بالتلاشي»، تتحدث فيه عن نقص الكوادر البشرية في القطاع العام بسبب ظاهرة التسرب الكبير الذي يعانيه القطاع العام والذي قد يؤدي إلى شلل القطاع العام وتوقف مؤسساته عن العمل.
وأرجعت المقالة السبب الرئيسي لتسرب العمال والموظفين إلى تدني قيمة الأجور والرواتب وعدم قدرتها على تأمين أبسط متطلبات المعيشة للعمال مع انتشار ظاهرة الفقر في المجتمع والتي شكلت 90% من المجتمع السوري والذي حذرت منه جريدة قاسيون في عدة مقالات.
وأدرجت المقالة عدة أمثلة عن نقص الكوادر البشرية في عدة مؤسسات، وقالت مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، إن النتائج الكارثية لظاهرة تسرب عدد كبير من الموظفين الإداريين والكوادر الفنية المحلية بدأت بالظهور في مختلف القطاعات الحكومية.
تراجع أداء المؤسسات الحكومية
وفي وقت سابق، حذرت صحيفة «تشرين» المحلية الرسمية من «انعدام العمالة الخبيرة قريباً»، ونقلت عن رئيس نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية، سمير حيدر، قوله إن الوضع في القطاع البحري ليس جيداً «إذ لا يوجد عمال ولا آليات ولا بنى تحتية»، لافتاً إلى أن الباخرة التي كانت تؤم المرفأ ويستغرق تفريغ حمولتها البالغة 25 ألف طن، يومين فقط، بات يستغرق تفريغها حالياً 15 يوماً بسبب قلة الإمكانات والخدمات من عمال وآليات وبنى تحتية، بالإضافة للإجراءات الإدارية والقانونية، مؤكداً وجود استقالات كثيرة في القطاع البحري، مع عدم تعيين عمال لديهم خبرة لشغل شواغر المتسربين والمتقاعدين.
ولا يبدو الوضع أفضل في مجالات أخرى، وبحسب تصريحات إعلامية لمعاون وزير الاتصالات، فإن أكبر عقبة تواجه التحول الرقمي في سورية، تتمثل في «قلة الكوادر المتخصصة، خصوصاً في القطاع العام، بسبب ضعف التحفيز المادي»، لافتاً إلى أنه في أحد الاجتماعات جرت «مناقشة إمكانية إنجاز رقمنة السجل العقاري إنجازاً مكتملاً، فكانت الإجابة أنه يحتاج إلى 25 عاماً»، وذلك لنقص الكادر المتخصص في إدخال البيانات.
بينما يعاني القطاع الصحي في سورية من نقص حاد في الكوادر الطبية بسبب هجرة الأطباء والممرضين ولا سيّما الشباب، حيث تشير تقارير إعلامية رسمية، إلى أن الآلاف من العاملين في القطاع الصحي استقالوا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
استقالات جماعية
وجرى الكشف بداية العام الجاري عن نقص يقدر بـ600 عامل في مؤسسة تصنيع وتجارة الحبوب في حماة وسط البلاد، في مختلف المواقع، بينهم 45 سائقاً لنقل القمح والطحين، علماً بأن نحو 327 عاملاً في جهات حكومية بحماة معظمهم في القطاع الزراعي قدّموا استقالاتهم العام الماضي.
وبدأت الاستقالات الجماعية في القطاع العام السوري بالتحول إلى ظاهرة، منذ العام الماضي، مع بلوغ عدد الاستقالات في أول 6 أشهر منه نحو 1800 استقالة، رغم قرار الحكومة وقف منح الاستقالات والإجازات غير المأجورة إلا في حالات خاصة واضطرارية جداً.
وأفادت دراسة نشرها المعهد الوطني للإدارة العامة (INA) في أبريل الماضي، أن أكثر من 50% من موظفي ست وزارات، تسرّبوا، خلال الفترة (2010- 2022).
وقالت إن نسبة التسرب في خمس وزارات بلغت أكثر من 50% وأن التسرب الأكبر كان لدى الذكور، إذ تراوح ما بين ضعفين وخمسة أضعاف مقارنة بالإناث. كما أشارت الدراسة إلى وجود زيادة في عدد الإناث داخل وزارات النفط والثروة المعدنية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والكهرباء، والتربية، والداخلية، والمالية، واعتبرت أن قوة العمل تتجه نحو التأنيث، لأن معدل التسرب لدى الذكور بشكل عام بلغ 32.7% من مؤسسات القطاع الحكومي والعام، وبلغت الزيادة في الإناث نسبة 9.7%.
تعنت حكومي
وبالرغم من التحذيرات الكثيرة والخطر الذي لحق بالقطاع العام بسبب ظاهرة التسرب والذي سيؤثر على المجتمع نتيجة لتراجع القطاع العام وتدني مستوى أدائه في مختلف المجالات، تبقى الحكومة صامتة ومصرّة على السير بالسياسات نفسها لناحية تخفيض الأجور وتجميدها، ولا تتجه لزيادتها والتي تبقى القضية الأساسية والجوهرية في حل أي أزمة يعاني منها القطاع العام رغم الحديث الحكومي المتكرر والندوات والاجتماعات التي تعقد تحت يافطة الإصلاح الإداري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1184