عمال وعاملات حقوقهم في مهب الريح

عمال وعاملات حقوقهم في مهب الريح

يبدو التشابه في أوضاع العمّال للمهن المختلفة كبيراً، وتبقى الاختلافات كامنة بالتفاصيل التي تفرضها كل مهنة من حيث الصعوبات والأمراض المهنية وغيرها، ويتوحدون بضعف الأجور، وعدم شمولهم بالتأمينات الاجتماعية أو بالرعاية الصحية، وتعرضهم لسيف التسريح التعسفي في أية لحظة يرى فيها ربّ العمل عدم الحاجة إليهم، خاصة في هذه الأوقات الصعبة التي تعيش فيها الصناعة أو الحرف أسوأ حالاتها بسبب التضييق المتعمّد عليهم من جهات عدة، سواء بالضرائب التي يعاد النظر بها حالياً وفق آليّة جديدة في التقييم والتحصيل وبالتالي تكاليف مضاعفة أو خوّات أو ارتفاع بأسعار المواد الأولية اللازمة لهم لتبقى صناعاتهم مستمرة، والجهات المختلفة التي من المفترض أن ترعى مصالحهم وتدافع عنها، مثل اتحاد الحرفيين ونقابات العمال وحتى وزارة الصناعة يغطّون في نوم عميق غير مكترثين لما هو حاصل للعمال والصناعيين من كوارث تؤدي إلى مزيد من تعميق الأزمة سياسياً واقتصادياً واجتماعيا.ً

عمّال الخياطة

يعمل العمال في مشاغل الخياطة في وضع صعب، بعيداً عن أعين الجهات الرقابية من النقابات، وبعيداً عن أنظار مفتشي التأمينات ووزارة العمل، وأغلب مشاغل الخياطة تفتتح في أقبية الأبنية التي تفتقد أدنى شروط العمل الصحية والإنسانية، وهذا يكون بشكل مموّه، وليس هناك من دلالات على أنه مكان عمل، ويضع صاحب العمل كاميرات على أبواب مشغله ولا يفتح باب مشغله إلا لمن يريد، متهرباً من الضرائب ومن مفتشي العمل والنقابات.

عمال الحمل والعتالة

ينتشر عمال الحمل والعتالة في أسواق الهال وكذلك في مراكز تحميل وتنزيل سيارات الشحن المحملة بالبضائع يضاف إليهم منذ فترة ليست بالبعيدة عاملات للحمل والعتالة يمارسن شقاءهن في أسواق الهال بتنزيل وتحميل كل ما يأتي إلى سوق الهال من بضائع وجاء انضمامهن إلى هذا العمل المضني والشاق خلال سنوات الأزمة بسبب الظروف القاهرة التي وضعتهن فيها الحرب واضطرارهن للعمل من أجل تحصيل لقمة عيشهن وأطفالهن.
هذه الشريحة من العمال نساءً ورجالاً لديهم نقابة وليس لديهم أشياء أخرى كما بقية العمال.

العمال محرمون من حقوقهم

طبعاً العمال في مثل هذه المشاغل ومواقع التحميل والتنزيل لا يتمتعون بأية حقوق، فهم ليسوا مسجلين في النقابات مثل عمال مشاغل الخياطة ولا في التأمينات الاجتماعية وهذا ينطبق على الجميع، مع العلم أن هذه المهن غالباً ما يُصاب بها العمال بإصابات عمل، أو حتى أمراض مهنية منها أمراض العمود الفقري والنظر وأمراض الرقبة نتيجة لجلوسهم الطويل خلف مكناتهم والآخرون نتيجة حملهم للأحمال الثقيلة، ومتى تعرض أحدهم لعارض صحي بسيط أدى إلى تباطؤ إنتاجه، يستبدله رب العمل مباشرة ويستغني عن خدماته.
عند انخفاض الطلبيات بالنسبة لعمال المشاغل لدى رب العمل، فإنه تلقائياً يقوم بتسريح عمّاله ويُبقي على قلة منهم ليخفّض من مصاريفه، حتى يستدعيهم متى أتته طلبية أخرى وهكذا دواليك، فصاحب العمل دائماً هو الرابح وفي مختلف الظروف على حساب عمّاله طبعاً، الذين يستغلهم ثم يستغني عنهم متى أراد وهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يستطيعون مطالبته بأي شيء لأن مصيرهم الطرد من العمل مباشرة، ولا يأخذون زيادة على أجورهم سوى ما يتصدق عليهم «الحجي» صاحب المشغل في فترة الأعياد والمناسبات، وهو الذي يسرق تعبهم طوال العام.
هذه كانت أحوال هؤلاء العمال سابقاً، واليوم ازدادت معاناتهم أكثر نتيجة للمنافسة والفارق في الأجور بين العمال والعاملات وخاصة مع اضطرار الكثير من النساء والفتيات للعمل في هذه المشاغل وفي الحمل والعتالة لمساعدة ذويهنّ، وتلقفتهنّ سوق العمل، وبدأت في استغلال حاجتهن للعمل، وظروف الأزمة وتداعياتها أجبرتهنّ على قبول العمل في هذا الوضع الاستغلالي.

استغلال أم مساعدة؟

خلال الأزمة دخلت العديد من الجمعيات ومنظمات «المجتمع المدني» وأيضاً النقابات لتقوم بتدريب أسر العمال في مراكز تدريب خاصة بها، حيث تعتمد هذه المنظمات على افتتاح مراكز لتدريب النساء من الأرامل والمطلقات والنساء اللاتي أجبرتهن الأزمة على العمل، فتستهدف الجمعيات هذه الفئة من المجتمع وتعمل على تعليمهن الأعمال اليدوية كالخياطة أو حياكة الصوف، وتقوم بافتتاح مشاغل خياطة يتم من خلالها تشغيل هؤلاء النساء لساعات طويلة ودون إعطائهن أية حقوق أخرى سوى الأجر البسيط، تحت حجة العمل الخيري والإنساني لمساعدتهن.
ومن ترفض منهنّ العمل في هذه الشروط والظروف الصعبة يتم استبعادها من العمل في المشغل، وتركها دون تأمين فرصة عمل لها، ودون تأمين رأسمال يمكّنها من فتح مشروعها الخاص، وبالتالي لا تعود هذه المشاريع والدورات بأية فائدة حقيقية على هؤلاء سوى أنها تساعد هذه المنظمات في اختراق المجتمع عبر «العمل» الخيري والإنساني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1182
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2024 19:23