مزيد من الإفقار لأصحاب الأجور

مزيد من الإفقار لأصحاب الأجور

تتجه الحكومة عبر تحويل الدعم إلى دعم نقدي إلى إلغاء الدعم تدريجياً، وهو ما يعني مزيداً من الإفقار لذوي الدخل المحدود وأصحاب الأجور. كما تترافق سياسة إلغاء الدعم مع رفعٍ مستمر لكافة الخدمات الحكومية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، رغم تراجع هذه الخدمات أو فقدانها في مختلف الأحوال، بينما تبقى الأجور ثابتة دون تحريكها لتعويض أصحاب الأجور عن إلغاء الدعم، مع العلم أن الدعم هو تعويض عن عجز الأجور لتأمين متطلبات المعيشة، وإلغاءه يعني أنه يجب أن يترافق مع زيادة أجور حقيقية تؤمن الحد الأدنى لمستوى المعيشة ووفق ما نصَّ عليه الدستور.

فإلغاء الدعم دون زيادة الأجور يعني الإمعان في نهب أصحاب الأجور وزيادةً في إفقار المجتمع وتعميقاً للأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي يعتبر فيها انخفاض الاستهلاك، وبالتالي تراجع الإنتاج إلى مستويات مخيفة، أحد أهم أسبابها نتيجةً لانخفاض الأجور. فبالرغم من الكلام الحكومي عن ضرورة زيادة الإنتاج ورفع مستوياته إلّا أنّ سياستها على أرض الواقع وعلى مختلف الصعد تساهم في تراجع الإنتاج وتؤدي إلى إغلاق المعامل نتيجةً لتراجع الطلب.

فانخفاض قيمة الأجور في البلاد هو من أهم الأزمات الاقتصادية التي نواجهها، وهو يتطلّب سياسةً اقتصادية تعمل على زيادة حقيقية في قيمة الأجور من خلال زيادة حصة أصحاب الأجور من الدخل الوطني على حساب حصة أصحاب الأرباح، وليس تمويل زيادة وهمية للأجور من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية أو من خلال طباعة مزيدٍ من النقود ما يؤدي إلى مزيدٍ من الانخفاض في قيمة العملة.
إلغاء الدعم وانخفاض قيمة الأجور يعني تخفيض حصة أصحاب الأجور من الدخل الوطني والتي هي منخفضة أساساً حيث لا تتجاوز اليوم 13% من الثروة، وهذا يعني أننا مقبلون على مزيدٍ من الأزمات الاقتصادية، نتيجةً لإفقار المجتمع، وليس كما تروج بعض المواقع الحكومية والصفحات الموالية لها بأنّ البلاد مقبلةٌ على انفتاح اقتصادي وتطوّرات مهمّة على الصعيد الاقتصادي، حيث ترافقت مثل هذه الأخبار مع الإعلان الحكومي عن تحويل الدعم إلى دعمٍ نقدي.

عادةً ما تحاول الدول، حتى الرأسمالية الغربية، زيادة المساعدات الاجتماعية وخاصة في أوقات الأزمات والحروب، وتأميم المؤسسات التي تواجه خطر الإفلاس تحت ضغط الشارع والأحزاب اليسارية. واستطاعت هذه القوى تأمين حدٍّ أدنى من المساعدات للعاطلين عن العمل وأصحاب الأجور، وتعتمد برامج مختلف قوى اليسار في الغرب على زيادة المساعدات الاجتماعية، ولكن في منطقتنا ورغم مرورها بأزمات وحروب خطيرة هدّدت مستقبل وجودها، ما زالت الحكومات تسير وفق سياسات وبرامج صندوق النقد الدولي، وتقوم بإلغاء الدعم وزيادة إفقار المجتمع، وسحب يد الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وخصخصة القطاع العام تحت عناوين إصلاحية كاذبة مثل الإصلاح الإداري وإيصال الدعم لمستحقيه ومكافحة الفساد!

الحكومات السورية المتعاقبة منذ عام 2005 التي تتبنّى سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين بشكل كامل وتطبق تعليماتهما بحذافيرها، ليست في وارد تغيير سياساتها، وإنّ اتباع عكس هذه السياسات التي تعمل على إفقار المجتمع يتطلّب تغييراً في ميزان توزيع الثروة لمصلحة أصحاب الأجور، وهذا يحتاج إلى تغييرٍ جذريّ وشامل في بنية الدولة والمجتمع، وهذا يؤمّنه فقط الحلُّ السياسيّ للأزمة السورية الذي يفتح الباب واسعاً أمام قوى المجتمع، وخاصةً أصحاب الأجور الذين يمثلون غالبية المجتمع، ليقولوا كلمتهم الفصل ويناضلوا من أجل الدفاع عن مصالحهم في وجه قوى الفساد التي باتت تسيطر على كل شيء، حتى على جهاز الدولة، وتسيِّره وفق مصالحها وبما يتوافق مع السياسات الغربية المعادية لسورية وشعبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1182
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2024 19:24