قانون الشركات الجديد... تحويل أم تفريط وخصخصة؟!
أديب خالد أديب خالد

قانون الشركات الجديد... تحويل أم تفريط وخصخصة؟!

صدر القانون رقم (3) نهاية الشهر الماضي والخاص بإحداث وحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، والذي تم الإيضاح بأن الهدف منه هو الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي، من خلال تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة، التي تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو المؤسسات والشركات العامة في ملكية أو إدارة تلك الشركات، مع الأخذ في الحسبان معايير الحوكمة، وذلك ضماناً لتحقيق الكفاءة الإدارية والاقتصادية، حسبما جاء في نص القانون.

الجديد في هذا القانون أنه سمح لمؤسسات وشركات القطاع العام بالتحول إلى (شركات مساهمة عمومية) أو إلى (شركات مساهمة عمومية قابضة)، وفي كلا هذين الشكلين تكون كامل ملكية هذه الشركات للدولة (أي من أملاك الدولة الخاصة) ولا شراكة فيها مع أي فريق آخر.
والشكل الثالث من الشركات الذي ورد في أحكام القانون 3 هو (الشركات المشتركة) مع آخرين... تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة أو بالمؤسسات أو الشركات العامة أو العمومية أو شركات مشتركة أخرى أو وحدات الإدارة المحلية فيها.
لكن لم يحدِّد النص القانوني ماهية الشريك أو الشركاء الآخرين، فيما إذا كانوا أشخاصاً اعتباريين، ولا حتى طبيعة القطاع الذي يمكنه المشاركة (من أصحاب الخبرة والتخصص في مجال الشركة؟ أم المشاركة ممكنة مع أي كان من القطاع الخاص؟! وهل المعني أن يكون الشريك الخاص شريكاً استراتيجياً عليه أن يشارك بحصة لا تقل عن نسبة معينة؟).
بينما بيّن د.عابد فضلية أن الأهم هو هل سيتم طرح الشركة المشتركة الجديدة على الاكتتاب العام بحيث يستطيع من يشاء من المواطنين الاكتتاب على الأسهم المطروحة؟ وكم هي النسبة الأدنى أو الأعلى لحصة الدولة؟ ولحصة الشريك الخاص الواحد؛ كشريك استراتيجي أو كشريك عادي أو كمُكتتب من الأشخاص العاديين في مثل هذه الشركات؟
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد صرحت للإعلام حول القانون أنه: ينظم عمل المؤسسات العامة ويعطيها المرونة الكافية لتطوير ذاتها بما يسهم في زيادة الإنتاج وتحسين سوق العمل. كما نفت الوزارة في تصريحها وجود خصخصة للشركات العامة مع التأكيد أن: هذا القانون هو تحديث للمال العام والمؤسسات العامة، حيث سيسهم في إعادة الشركات التي ترتئيها الحكومة وتقترحها الوزارات المختصة لتتحول إلى شركات مساهمة مشتركة أو شركات قابضة، لتكون أكثر إيجابية وفاعلية ويكون لها دور في الإنتاج وتشغيل اليد العاملة وتطوير الطاقات العلمية والابتكارية.

خصخصة مبطنة

ورغم نفي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وجود خصخصة للشركات العامة، إلا أن الهدف العملي والنهائي هو التمهيد لخصخصة معامل ومنشآت القطاع العام وسيطرة القطاع الخاص عليها من خلال تحويل الشركات إلى شركات مساهمة، وطرح أسهمها للاكتتاب والتي سيستأثر بها القطاع الخاص وقوى الفساد. ورغم ترويج فكرة طرح بعض الأسهم للاكتتاب من قبل أشخاص عاديين أو من العمال أنفسهم فهذا مجرد ذر للرماد في العيون، فمالك أكبر الأسهم في الشركات عادة هو الذي يملك ويقود تلك الشركات، هذا أولاً. ثانياً، مَن يملك مِن الأشخاص العاديين أو العمال المال الكافي للاكتتاب في أسهم تلك الشركات؟!
هذه هي السياسات الحكومية المتبعة منذ سنوات والتي تعمل على تهيئة البيئة التشريعية المناسبة لخصخصة القطاع العام.
والجدير بالذكر ما قد جاء في نص المادة 11 من القانون بأن إيرادات ونفقات الشركات المساهمة العمومية لا تدخل في الموازنة العامة للدولة، أي أنّ الدولة أصبحت غير معنية بهذه الشركات التي قد تتعرض للخسارة وفق منطق السوق ورفع الغطاء عنها.

الحل الأمثل

إذا كانت الشركات العامة تعاني من الخسارة وتوقف الإنتاج فيها فهذا يعود إلى السياسات الحكومية التي أدت إلى تخسير تلك الشركات، نتيجة الفساد المنتشر فيها وعدم قيام الحكومة بتمويلها وضخ الاستثمارات فيها، وما تحتاجه تلك الشركات ليس تغيير شكلها القانوني بل تغيير طريقة التعامل معها ومكافحة الفساد وتقديم التسهيلات لها أسوة بمعامل القطاع الخاص وضخ الأموال اللازمة لإعادة إقلاع العمل فيها.

حقوق العمال

والأهم فيما يتعلق بالعمالة، وهو ما غاب عن ذهن أغلب المتابعين لهذا القانون هنا، هو ما نص عليه في القانون الجديد؛ حيث ستتحول عقود العمال في تلك المنشآت والمعامل إلى العمل وفق القانون العمل رقم 17 لعام 2010، وهو ما يعني إمكانية تسريحهم في أي وقت حسب رغبة الشريك الجديد طبعاً، وهذه تضحية بحقوق العمال وبحقوقهم التي كسبوها خلال السنوات الماضية، ناهيك عن فقد عامل الاستقرار في العمل الذي يتمتع به الموظفون في القطاع الحكومي وهذا ليس متوفراً في قانون العمل.

الخطر الأكبر!

بقي أن نشير، وبغض النظر عن إمكانية طرح أسهم الشركات المشتركة المساهمة العمومية، المحدثة بموجب القانون الجديد، على الاكتتاب العام من عدمها، كبوابة للخصخصة المباشرة وغير المباشرة، إلى أن القانون منح مرونة وصلاحيات واسعة للحكومة، على مستوى (دمج الشركات المساهمة العمومية أو تجزئتها أو حلها أو تغيير جهة ارتباطها)، وبقرار من رئيس الحكومة استناداً إلى مذكرة تبريرية من الوزارة المعنية فقط!
ولعل هذه المرونة والصلاحيات الواسعة هي البوابة الأخطر، ليس على مستوى الخصخصة الجزئية أو الكلية، بل على مستوى حل وتصفية الجهات العامة التي ترتئيها الحكومة، خاصة وأن مروحة القانون تشمل جميع الجهات العامة دون استثناء!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1166
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:56