مشاهد حيّة من مصانعنا
بينما يقبض رب العمل أرباحه من زبائنه ويحملها بأكياس كبيرة يصعب حملها، يخرج العمال من باب المنشأة وهم يحملون قروشاً بسيطة لا تكفيهم سوى لعدة أيام معدودة، مخصوماً منها ما قد استلفوه من رب العمل خلال الأسبوع من بعض ألوف بسيطة، رغم أن هذا الأجر هو من يحدد له حياته ويؤمن معيشة عائلته، وأموال رب العمل تلك تتراكم في الحسابات والبنوك ويتراكم الفقر والبؤس عند العامل مع كل مرة يقبض فيها أجره الذي يتناقص يومياً مع الارتفاع اليومي للأسعار وانخفاض قيمة العملة ورفع الدعم.
وبينما يأتي رب العمل إلى منشأته في سيارته الفخمة ليجلس في مكتبه وتحت مكيفه مصدراً الأوامر لعماله مرجعاً نجاح منشأته وزيادة أرباحها إلى ذكائه المحض فقط وحسن إدارته، أو بالأصح حسن استغلاله لعماله، بينما يصل العمال إلى عملهم بعد أن عانوا مشقة الطريق والمواصلات المتقطعة ليجلسوا خلف آلاتهم يعانون البرد في الشتاء والحر الشديد في فصل الصيف وهم يرتدون ملابس مهترئة وفوق رؤوسهم زرعت كاميرات لمراقبتهم ومراقبة تحركاتهم وللتجسس عليهم لمنعهم حتى من تبادل الأحاديث فيما بينهم، وهناك من زرع عدادات على آلات عماله لتعد عليهم تعبهم وما ينجزونه خلال فترة عملهم وكأنهم في معسكرات للاعتقال وكأنهم ليسوا بشراً أو أحراراً.
العمال هم الطرف الأضعف
ومع كل ذلك لا يرى أرباب العمل سوى حقوق العمال للانتقاص منها حتى يعوضوا ما يدفعونه من ضرائب أو التزامات تفرض عليهم فمن هذه الناحية معهم كل الحق لأن العمال وحقوقهم هم الطرف الأضعف في العلاقة الإنتاجية غير المحمية، ولا يوجد من يدافع عنها ولا توجد نقابات وازنة يحسب لها حساب مما يتيح لأرباب العمل أسهل طريقة لزيادة معدلات الربح.
غالبية المنشآت وأرباب العمل لا يسجلون عمالهم بمؤسسة التأمينات الاجتماعية مغيبين عنهم هذا الحق الطبيعي والإنساني الذي يحميهم في الشيخوخة ويوفر لهم العلاج في حال إصابتهم أثناء العمل، بينما يتسابق أرباب العمل لرشوة مفتشي العمل لمنعهم من دخول منشآتهم والتفتيش على عمالهم، لا بل أرسل أرباب العمل عدة كتب إلى الحكومة لإعفائهم من تسديد التزاماتهم لمؤسسة التأمينات الاجتماعية بحجة ظروف الأزمة والإنتاج وكأن الأزمة يجب تحميل وزرها للعمال فقط.
حوادث العمل
وعندما يتعرض أي عامل للإصابة يسارع رب العمل وبأحسن الأحوال إلى دفع مبلغ إرضاء للعامل لا يساوي نفقات علاجه أو لا يتلاءم مع مدى إصابته وما تسببت له من خسارة جسدية أو نفسية قد تجعله مقعداً غير قادر على العمل بينما يدفع رب العمل مبالغ طائلة للملمة الموضوع وضمان عدم علم السلطات المختصة به أو تلفيق حوادث لا علاقة لها بالعمل تسببت بإصابة العامل، ليتهرب من مسؤوليته.
ممنوع الاعتراض
وإذا اتفق العمال على التصدي لإجراءات رب العمل والعمل على تحسين شروط وظروف عملهم يسلط رب العمل عليهم سيف التسريح التعسفي ويرميهم خارج معمله دون إعطائهم أي حقوق بحجة إخلالهم بواجبات العمل وقد أعطاه قانون العمل هذا الحق للأسف والذي سرح بناء عليه آلاف العمال.
أما القضاء العمالي الذي يجب أن تكون له الكلمة الفصل في علاقة العمل فحدّث ولا حرج، فعدم اللجوء إليه أوفر بكثير من اللجوء إليه بسبب بطء إجراءاته التي تجعل قراراته بلا قيمة، هذا من جهة، وبسبب نصوص قانون العمل نفسه من جهة أخرى، الذي فصّل على مقاس مصالح أرباب العمل فقط.
سياسات مقصودة
كل ما يتعرض له العمال في بلادنا يعود إلى السياسات الليبرالية للحكومات السورية المتعاقبة وتنفيذها لتوصيات البنك الدولي التي تسببت في ازدياد معدلات الفقر والبطالة، مع اتباع سياسة تجميد الأجور ورفع الدعم وسن قوانين عمل ليبرالية يختفي الشيطان في طياتها، مع اتخاذ كافة الأساليب القمعية ضد العمال ونقاباتهم ومنعهم من مجرد التعبير عن معاناتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160