إذا بقي الحال على ما هو عليه
تعتبر النقابات في كل بلدان العالم الشكل الأمثل للنضال من أجل الدفاع عن مصالح من تمثلهم، حيث تمثل شرائح مختلفة في المجتمع من كافة المهن، سواء كانت نقابات مهنية مثل نقابات المهندسين والمعلمين والصحفيين المحامين والأطباء وغيرهم. أو كانت نقابات عمالية.
وكل هذه النقابات لها دورها الهام الخاص بمن تمثلهم، وخاصة النقابات العمالية، وهي طرف أساسي في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم في كافة البلدان، وهي تسهم بدورها في تأمين حقوق ومتطلبات من تمثلهم، من خلال أعضائها بطرق وأساليب وأدوات مختلفة، من أجل عمل لائق وكريم يكفل الحياة الكريمة والاستقرار المعيشي في المجتمع للعاملين، من الجوانب التشريعية وبالأخص منها الاقتصادية والاجتماعية.
كانت النقابات العمالية في سورية نموذجاً يحتذى به للعديد من النقابات على مستوى البلاد، استطاعت هذه النقابات أن توفق ما بين دورها النضالي الوطني في مقارعة الاحتلال، وما بين نضالها المطلبي والنقابي من أجل تحسين ظروف العاملين وشروط عملهم، وتنظيم عمال القطاعات المهنية المختلفة في نقابات مستقلة. دافعت النقابات عن حقوق العاملين واستطاعت خلق توازنات في المجتمع ما بين النقابات العمالية وأرباب العمال مما ساهم في تعزيز دور ومكانة هذه النقابات.
حالياً مازالت النقابات تدور في وعاء الحكومة وكأنه لا فرق بينها وبين الحكومة التي تعمل بالتضاد مع مصالح الطبقة، حيث من المفترض أن هذه النقابات، نقابات مستقلة وديمقراطية وحرة ومنتخبة بشكل ديمقراطي من بين قطاعاتها العمالية وغير مسيسة، وهي تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للعاملين بأجر. والنقابات القوية هي القادرة على اتخاذ القرارات التي تصب في مصالح ومطالب العاملين التي تمثلهم وتنظيم أعضائها وحشدهم من أجلها والقيام بمفاوضات جماعية مع الجهات المعنية سواء حكومة أو أرباب العمل من أجل صيانة حقوقهم وتحقيق مطالبهم العادلة. لكن النقابات عندما تعمل وفق منهج السلطة التنفيذية يؤدي ذلك إلى إضعاف هذا الدور المنوط بها وكذلك يؤدي إلى الإخلال بعلاقات العمل بين أطرافه الثلاثة نقابات وأرباب عمل وحكومة. وبسبب سياسات الحكومة وأجهزتها المختلفة التي تعمل لاحتواء النقابات والسيطرة عليها، عبر انتخابات شكلية وأشكال من المحاصصة المختلفة، بعيدة عن عيون العمال، وكذلك عن أصحاب المهن الأخرى من جهة ثانية، مما أضعف دور النقابات، في مجابهة قوى الفساد والنهب، وأصبح ولاؤها مرتبطاً بمصالح تلك الأجهزة، ما شكل فجوة كبيرة تتسع بين أعضاء هذه النقابات وقياداتها وساهم في إضعاف الثقة بالنقابات القائمة. ونلاحظ ذلك أيضاً في «تطنيش» الحكومة لمطالب العمال الأساسية وخاصة قضية الأجور والحياة المعيشية التي تطرحها دائماً في مؤتمراتها السنوية، بينما تعمل على إظهار بعض المطالب الثانوية والشكلية التي لا تقدم أو تؤخر في شيء على أنها إنجازات كبرى. وهذا ساهم في كتم الأصوات المعبرة عن معاناة ومشكلات الطبقة العاملة الكادحة، وتجفيف الحركة النقابية من الكوادر والطاقات العمالية النضالية. لا تزال أسئلة كثيرة تطرح على ألسنة العمال والنقابيين في قواعد الحركة النقابية بالنسبة لمستقبل نقابات العمال إذا ما بقي الحال على ما هو عليه، ما هو المصير الذي يمكن أن نتوقعه من النقابات العمالية خلال الفترة القادمة، وما الذي سيحدث أكثر مما هو حادث؟ هل ستعود إلى الكفاح والنضال كمنظمة لها وزنها النوعي كما كانت خلال الفترات السابقة، وتقوم بتمثيل كافة العمال في القطاع الخاص المنظم منه وغير المنظم، وكذلك كافة العاملين في قطاع الدولة الخدمي منه والإنتاجي، أم إنها ستستمر بالتراجع وتصبح تمثل أقلية صغيرة من العمال ولا تستطيع توفير الحماية لهم؟ هل سيستمر التراجع الذي حدث في العقود الأخيرة والذي تحدثنا عنه كثيراً فيما سبق، أم إنها أي النقابات سوف تنهض من جديد وتستعيد وزنها وأهميتها بالنسبة لعلاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل في الأيام القادمة تماشياً مع ضرورات المرحلة القادمة بشكل أفضل مما كانت عليه في العقود السابقة؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1114