الراتب ما بكفيني حق أدوية

الراتب ما بكفيني حق أدوية

يعمل محمد في أحد معامل صنع البرادات المنزلية الموجودة في منطقة صحنايا، وتحديداً في أحد أقسام الإنتاج (قسم الفوم). وكما هو معروف عن هذه المهنة بشكل عام أنها ذات تأثيرات سلبية متعددة على الجسد البشري وبدرجات متفاوتة، إلا أن القسم الذي يعمل به محمد يتميز بأعلى مستويات الخطورة التي تعاني منها المهنة، ويكفي أن يقول العامل إنه يعمل في قسم الفوم حتى يتبين حجم المعاناة النفسية والجسدية التي يعاني منها، وذلك نظراً للاحتكاك المباشر مع المواد الكيميائية عالية الخطورة وذات الأضرار الوخيمة على صحة العمال، وتحديداً مادتي (الفوم، الكلور الخام) علماً أن أضرار هذه المواد تنقسم إلى أضرار قصيرة الأجل (كالسعال المستمر، الصداع،...إلخ) إضافة إلى أضرارها على المدى الطويل المتمثلة برفع نسبة الإصابة بسرطان الرئة أو سرطان الدم، وذلك إذا ما تم استخدام الأدوات اللازمة للتعامل مع هذا النوع من المواد الخطيرة، فكيف هو الحال إذا تم الاحتكاك مع هذه المواد بدون أدنى وسائل السلامة المهنية؟ وحتى بدون تقديم كمامة للعاملين بهذا القسم.

ضغط العمل

تمتد فترة عمل محمد إلى ما يقارب 10 ساعات يومياً بشكل وسطي، ضمن ظروف عمل لا تأخذ بعين الاعتبار أن من معايير السلامة المهنية، فالمعايير التي يهتم بها صاحب المعمل هي فقط المتعلقة بظروف الإنتاج وتخفيض التكاليف لحدها الأدنى، فناهيك عن تعامل العمال مع المواد الكيميائية عالية الخطورة إلا أن قسم الفوم هذا له عدة ميزات تزيد من أضراره أضعافاً مضاعفة فمثلاً يمنع تشغيل المراوح بشكل تام، المساحة الضيقة والأسقف منخفضة الارتفاع، الحرارة العالية، إلخ.

إضافة إلى الضغوطات آنفة الذكر، فإن العامل في هذا القسم يجد نفسه تحت ضغط الوقت بشكل دائم، فبعد خروج البراد من آلة صب الفوم في البراد من أجل العزل يجب على محمد أن يقوم بإتمام هذه المرحلة من تنظيف البراد من الفوم المتسرب، وتركيب القواعد اللازمة وتجهيزه وأخذه إلى المرحلة التالية (الغسيل) وكل ذلك في ظرف أربع دقائق ليجاري سرعة الآلة وطاقتها الإنتاجية. علماً أن فترات الراحة معتمدة على فقط على كم الأعطال ونوعيتها، فتوجد بعض الأعطال التي يقوم بها العامل بمساعدة عمال الصيانة أيضاً. فتعطل الآلة هو بمثابة فترة راحة ليست جسدية فقط، بل نفسية، بسبب خروج العامل من ضغط الدقائق الأربعة المرعب.

الأجر وتجديد قوة العمل

يتقاضى محمد أجراً شهرياً لا يتجاوز 450,000 ليرة فقط لاغير أي إن الأجر اليومي 17,307 ليرات تقريباً وبالتالي فإن أجر الساعة لا يتجاوز 1730.7 ليرة فقط لاغير، على الجهة المقابلة يساهم محمد في إنتاج براد واحد كل 10 دقائق بشكل وسطي إذا ما تم أخذ زمن الصيانة بعين الاعتبار، وبالتالي فإنه يساهم في إنتاج 6 برادات كل ساعة، ويقدر سعر البراد الواحد بحوالي 3,500,000 ليرة، وبالتالي فإن القيمة التي يساهم في إضافتها محمد تقدر بحوالي 21,000,000 ليرة قيمة 6 برادات بالساعة الواحدة، وعلى الجهة المقابلة يتقاضى محمد بالساعة الواحدة أجراً لا يتجاوز 1730.7 ليرة فقط لاغير.

إضافة إلى كل ما سبق فإن هذا النوع من المهن يتميز بحالات خاصة من تجديد قوة العمل، وذلك بسبب الإرهاق الجسدي اللحظي، بالإضافة إلى الحاجة المستمرة إلى الأدوية والطبابة بسبب نوعية العمل وعدم التعامل معه بالأدوات اللازمة، ناهيك عن المواصلات والطعام والشراب ومجمل تكاليف المعيشة العادية. فتكاليف المعيشة بالحد الأدنى وفقاً لمؤشر قاسيون لا تقل عن 2,500,000 ليرة سورية شهرياً، في حين أن الأجر الذي يتقاضاه العامل هنا لا يتجاوز 450,000 ليرة وبالتالي فإنه غير قادر على تغطية تكاليف تجديد قوة عمله وإبقائه على قيد الحياة إلا بنسبة 18% فقط لاغير. بناء على ما سبق أنهى محمد حديثه بجملة اختزلت كل ما يمكن اختزاله (الراتب ما بكفي حق الأدوية).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111