النقابات وحدّ الفقر

النقابات وحدّ الفقر

الأجر الذي يحتاج فيه العامل للحاجات الضروريّة التي تكفل له أدنى مستوىً من الحياة المعيشية، ويعتبر مقبولاً على نحو ما في المجتمع الذي يعيش فيه العاملون بأجر، يطلق عليه في معظم الأدبيات الاقتصادية بحد الفقر، ويقاس الفقر عادةً بناءً على دخل الفرد المعيل للأسرة التي يعيلها وليس الفرد، كي يستطيع هذا الدخل تلبية الحاجات الأساسيّة والضرورية لأفرادها.

يُقاس الفقر بناءً على مقدار الدخل اللازم لتلبية الاحتياجات الأساسيّة والضرورية وهي الغذاء ومياه الشرب الصحية والملبس والسكن والعلاج، أما المستوى العام لعدم المساواة في المجتمع، من فقدان الحريات الديمقراطية والسياسة، وتخلف التشريعات العمالية من قوانين عمل نافذة، وبعدها عن التشريعات العمالية الدولية من منظمة العمل الدولية والعربية والاتفاقيات الصادرة عنها وغيرها من تشريعات الأمم المتحدة، فهذا شأن آخر رغم ارتباطه بطبيعة السياسات والعلاقات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في المجتمع المنتجة للفقر، وكذلك لا يأخذ بعين الاعتبار بأن الأفراد لديهم احتياجات أخرى اجتماعية وثقافيّة وترفيهية ذات أهمية أيضاً تختلف من فرد لآخر.
يعاني العاملون بأجر في البلاد وبالأخص منهم العاملين في القطاعات الإنتاجية، الصناعية منها والزراعية في قطاعي الدولة والخاص على حد سواء، منذ أن تبنت الحكومات المتعاقبة السياسات الاقتصادية التي تلبي مصالح طغم الفساد والنهب الكبير، من الهجوم على مكتسباتهم وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وما زالت تستمر بقضم ما تبقى من هذه الحقوق والذي يأتي في المقدمة منها الهجوم المستمر على الأجور، عبر زيادة الأسعار على السلع الضرورية في حياة العباد، من خلال رفع أسعار المحروقات وحوامل الطاقة المختلفة لهذين القطاعين الأساسيين في عملية الإنتاج.
إن أهم قضية تشغل بال العمال والبعض من الكوادر النقابية اليوم، هي غياب التنظيم النقابي، وكيفية النضال اليومي من أجل رفع الأجور للعمال بما يتناسب مع هذا الوضع المعيشي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وتحقيق التوزيع العادل للثروة الاجتماعية، فإعطاء العمال حقوقهم الواجبة لهم دستورياً، هو الأساس في أي نهوض اقتصادي واجتماعي.
إن زيادة الأجور الآن ضرورة ملحة ومطلب وطني بامتياز، وتوجد معايير دولية للحد الأدنى للأجر تم تحديدها من خلال المواثيق الدولية والعربية كمنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كما ذكرنا آنفاً، والتي وقّعت سورية على العديد منها، وأيضاً لحظها الدستور.
لذلك يجب أن يكون تحديد الأجر مرتبطاً بالتكاليف الحقيقية لمتطلبات المعيشة التي تضمن حياة كريمة للعامل وأسرته، وتتناسب مع ظروف المعيشة، التي يحتاجها العامل يومياً من الغذاء والدواء والخدمات المختلفة التي يحتاجها العامل من نقل وكهرباء ومياه واتصالات وغيرها. وبمعنىً أدق يجب ألّا يقل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة للعامل وأسرته المعفى من كافة الضرائب المفروضة عليه، إن اختلال هذه المعادلة يكشف عن خلل كبير اقتصادي واجتماعي وهو يعبر عن مستوى عالٍ من النهب والفساد الكبير.
وبالعودة إلى النقابات فهي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه من تمثلهم، وزيادة أجورهم زيادة مجزية متناسبة مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وإن التأخر في تحمل هذه المسؤولية، يعني مزيداً من الإفقار ومزيداً من تسلط وتحكم قوى النهب بمصير الملايين من الكادحين والعاملين بأجر.
الطبقة العاملة هي المنتجة للخيرات في المجتمع سواء في الصناعة أو الزراعة، وهذه الأجور الهزيلة هي تبديد لجهدها وطاقتها وللثروة الوطنية. إن هذا الوضع العام الكارثي الذي تعيشه الطبقة العاملة والبلاد عامة، التي أوصلتها إليه السياسات الحكومية حيث تصب ضمن هدف معيّن واتجاه واحد، وهو إضعاف الاقتصاد الوطني ويبقى السؤال مطروحاً هل تستطيع النقابات أن تعيد تنظيمها تنظيماً جديداً وفعالاً، بالاستفادة من تطوير وتحديث تجاربها التاريخية وأدواتها الكفاحية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080