حق الإضراب لم يرُق لأحد

حق الإضراب لم يرُق لأحد

إن أرباب العمل ومن ورائهم الحكومة وسلطاتها التنفيذية المرتبطة بتنظيم علاقات العمل لا يعجبهم نص المادة 44 من الدستور السوري التي أعطت حق الإضراب للطبقة العاملة، وهم يحاولون جاهدين حجبه عن العمال، أو على الأقل تجميده من خلال منع العمال من اللجوء إليه ومعاقبتهم عند استخدامه ومحاربتهم بلقمة عيشهم وطردهم من أعمالهم إذا لجأوا إليه مستندين إلى المادة 65 من قانون العمل رقم 17 لعام 2010، والتي أعطت حق التسريح التعسفي لرب العمل، ورغم أن قانون العمل بأغلب مواده لا يتوافق وروح الدستور الجديد إلا أن الحكومة ومؤسساتها وأرباب العمل يفضلونه على نصوص الدستور، لأنه وضع خصيصاً ليناسب مصالح أرباب العمل ومفصلاً على قياسهم، ضارباً بحقوق العمال الدستورية عرض الحائط.

حيث لم يؤسس قانون العمل لعلاقة عمل متوازنة كما يدعي واضعوه في أسبابه الموجبة، بل دمر علاقات العمل وجعل العمال مكبلين بشروط رب العمل ومزاجيته وسحب الرقابة القضائية المسبقة واللاحقة على قضايا التسريح من العمل وسحب من يد القضاء السلطة في الفصل في منازعات العمل وأعطاها إلى لجنة ثلاثية استثنائية، اثنان من أعضائها كممثلين للعمال وأرباب العمل هم ليسوا بقضاة.

الدستور الجديد

وعندما انفجرت الأزمة السورية عام 2011 أقر الدستور الجديد عام 2012 وكان المطلوب من هذا التغيير معالجة الأسباب التي أدت إلى انفجار الأزمة وخاصة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية ومن أجل ذلك نص في الدستور الجديد على العدالة الاجتماعية وحماية العمال وقوة العمل وأعطى لهم حق الإضراب الذي نص عليه لأول مرة بشكل واضح لا لبس فيه في المادة 44 من الدستور ومن المفترض حسب الدستور نفسه أن تعدل كافة القوانين التي تخالف أحكامه خلال مدة ثلاث سنوات من إصداره ولكن للأسف لم يتم تعديل قانون العمل، والذي يدور الحديث اليوم عن مشروع جديد له ولكن التسريبات التي سربت منه تقول إنه لا يوجد تعديل جوهري وحقيقي للقانون يجعله متوافقاً وأحكام الدستور ولم تجرِ مناقشة وضع حق الإضراب بنصوص القانون الجديد، بل هي مجرد تغييرات شكلية لا تغير من حقيقية القانون أنه وضع لمصلحة أرباب العمل فقط، وأن مصلحتهم على ما يبدو فوق أي دستور حسب سياسات الحكومة.

نقابات بائسة

ربما من المقبول نظرياً أن تقف الحكومة وأرباب العمل ضد حق الإضراب ولكن أن نرى هذا الموقف المهادن من نقابات العمال فهذه الكارثة التي من المفترض منها أنها تدافع عن حقوق العمال وتتولى قيادة الإضراب إلا أن العجيب بأمرها وعكس وظيفتها لا يعجبها ممارسة العمال لحقهم بالإضراب ولا تعترف به ولا تشجع العمال على استخدامه، بل وتهمل المطالبة بتطبيق نصوص الدستور التي تنصف الطبقة العاملة لأنها ترفع شعار «نحن والحكومة شركاء» وهي لا تمثل نفسها بالنهاية ولا تستطيع ولا تريد أن تظهر بمظهر المعارض لسياسات الحكومة المقدسة بنظرها رغم كل المعاناة التي يعانيها العمال من فقر بسبب أجورهم البخسة.
ولكن وبالرغم من أن أغلب العمال بسطاء وبعضهم لم يقرأ ربما الدستور ونصوصه إلا أنه وجد نفسه أمام واقع مجبرٍ فيه على الدفاع عن لقمة عيشه، ولم يجد حلاً أكثر نفعاً سوى استخدام حق الإضراب للتعبير عن احتجاجه وهو ما بدأ ينتشر في الكثير في مواقع العمل رغم التعتيم الإعلامي على هذه الحوادث والتغطية عليها لإظهارها وكأن المجتمع في وئام تام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080