ما يشغل بال العمال

ما يشغل بال العمال

ما زالت السياسات الاقتصادية والقوانين السائدة لا ترتقي إلى حجم المستجدات والمتغيرات والأزمات التي ألمّت بالبلاد واستمرار الحصار على بلادنا، والتي أظهرت هشاشة الاقتصاد في ظل غياب الحماية الاجتماعية، حيث تعرّض ألاف العمال لمزيد من الاستغلال بلقمة العيش ومزيد من الانتهاك لحقوقهم، بمن فيهم الداخلون إلى سوق العمل، الأمر الذي يتطلب تقييم هذا الواقع، والعمل على وضع خطة حقيقية وفعالة للتدخل لحماية العمال والعمل، وهذه مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف في سوق العمل، والمسؤولية الأكبر تقع على الحكومة ودورها في تعزيز الحوار الاجتماعي وتطوير برامجها وسياساتها الوطنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وذلك ضمن خطوات عملية وفعالة ومؤثرة تساعد على استقرار علاقات العمل، وحماية مصالح وحقوق العمال الذين يشكلون قوة إنتاجية ومصدراً أساسياً للثروة الوطنية لدعم الاقتصاد.

تزداد اليوم الظروف المعيشية قسوة، وتتآكل القوة الشرائية للطبقة العاملة يوماً بعد يوم، وتتراجع الخدمات العامة، وتفقد الطبقة العاملة الحقوق تلو الحقوق التي حصلت عليها بنضالاتها وتضحياتها، وتُصر الحكومة على المضي بسياساتها الاقتصادية المنحازة لقوى النهب والفاسدين، أما إمساك العصا من منتصفها الذي يقوم به التنظيم النقابي لم يعد يجدي نفعاً، ونذكّر دائماً بأن ضرورة العمل النقابي تنبع من مبررات وجوده، وأهدافه التي تنسجم مع تحقيق تطلعات مصالح وحقوق الطبقة العاملة الوطنية والاجتماعية والدفاع عنها، والمساهمة في نهوض المجتمع وتقدمه، وإيجاد حالة من التوازن في توزيع الثروة الوطنية على الجميع بعدالة ومساواة وبدون تمييز بكل أشكال النضال المطلبية، لكن الحركة النقابية بدأت بفقدان الاستقلالية منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي ومازالت تفقد هذه الاستقلالية شيئاً فشيئاً حتى أصبحت على ما آلت إليه اليوم حيث استخدمت ضغوطات عدة على الحركة النقابية للحد من استخدام الأساليب الكفاحية والنضالية الأساسية المعروفة لدى كل العمال والحركات النقابية في العالم للدفاع عن حقوق العمال، حتى فقدت الحركة النقابية السورية دورها الوظيفي وأصبحت مجرد جهاز تابع لأجهزة السلطة التنفيذية المختلفة، ويخضع لما تمليه عليه هذه الأجهزة وهو ما ينطبق على كل التنظيمات النقابية الأخرى في البلاد، مما أفقدها حقها الدستوري الذي عبر عنه الدستور في المادة الرابعة والأربعين.
إن أهم قضية تشغل بال العمال اليوم والعديد من الكوادر النقابية التي مازالت مرتبطة بقواعدها العمالية، هي رفع الأجور للعمال بما يتناسب مع هذا الوضع المعاشي المزري وتحقيق التوزيع العادل للثروة الاجتماعية، وضرورة العمل على تعديل القوانين الخاصة المتعلقة بالعمل، وموائمتها مع المعايير الدولية بما ينسجم مع المصالح العمالية وتحقيق العدالة والمساواة وعدم التمييز فيها بين عمال القطاع الخاص وعمال قطاع الدولة وتوفير الحماية الاجتماعية والعمل اللائق والكريم وتنظيم العمل. غير أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبعها السلطات التنفيذية ما زالت تتنكر لحقوق العمال، وتتجاهل تضحياتهم ودورهم في عملية البناء والتطور في البلاد، فالطبقة العاملة تناضل بعملها وبانتمائها الوطني وبإخلاصها وبصبرها على الظروف الصعبة وعلى التحديات والمتغيرات والمستجدات التي طالما كانت هي الحلقة الأضعف فيها، ومازالت هذه الطبقة وكل الكادحين العاملين بأجر تدفع كل الفواتير، ولكنها على ثقة بأن التغيير قادم، ولن تستمر هذه الأوضاع السيئة التي أنهكت العمال، وجعلتهم يعانون ما يعانون من المشكلات والأمراض الاجتماعية.
إن القضايا الاجتماعية والاقتصادية وخاصة المعيشية منها من القضايا الوطنية الأساسية التي تستوجب النضال من أجلها لتغييرها، ويعتبر العمال عمادها بما يمثلون من قواعد عريضة في المجتمع، لذا ونحن نحيي الأول من أيار يوم العمال العالمي، نحمّل المسؤولية للسياسات الاقتصادية المتبعة التي أنهكت الاقتصاد الوطني وجعلته ضعيفاً أكثر لا يستطيع تأمين حاجات العمال الأساسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1069
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 11:02