كيف واجهت الحكومة الفقر
إذا كانت الأحوال المعيشية السيئة للغالبية المفقرة هي نتيجة لعوامل خارجية فقط كالمؤامرة الكونية والحصار الغربي التي يستهدف اقتصاد البلاد حسب ما تكرره السلطة في كل يوم وفي كل مناسبة مرجعة لهذه الأسباب تدهور معيشة وحياة غالبية السوريّين وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة، وبالتالي تدني مستوى الأجور والرواتب فما هي الإجراءات الحكومية الاستثنائية التي اتخذتها لحماية الغالبية المفقرة من آثار المؤامرة ونتائجها والتي أوصلتهم إلى المجاعة واليأس على مختلف الصعد.
الأحوال المعيشية
نبدأ من الأحوال والمعيشية كيف تصدت الحكومة للفقر، فعلى مستوى الأسعار لم نرَ تشريعاً حكومياً أو عملاً لخفض الأسعار، بل كانت دائماً تسير الحكومات على مبدأ تحرير الأسعار وعدم التدخل بالأسواق، تاركة الفقراء في مواجهة شجع التجار وحدهم دون رقيب ولا حسيب مكتفية بإصدار فقط نشرات للأسعار لا تلزم أحداً بها ولا أحد يعيرها أي اهتمام وغابت عن موائد الفقراء كثير من الأغذية الأساسية كاللحوم والألبان والأجبان واعتمدت الأسر على المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، وعملت التشريعات الحكومية على حصر الاستيراد بفئات معينة مما زاد من الاحتكارات وأدى إلى رفع الأسعار أضعافاً مضاعفة، وظلت مؤسسات التدخل الإيجابي التابعة لوزارة التموين وحماية المستهلك تستجر بضائعها من التجار وأسعارها مساوية لأسعار السوق أي لم يستفد المواطن من هذه المؤسسات بشيء يذكر، هذا وبات الأجر لا يكفي سوى ليومين أو ثلاثة فقط، وانخفض الاستهلاك إلى أدنى مستوياته مما أدى إلى توقف الإنتاج وارتفعت نسبة الفقر إلى 90% والبطالة تجاوزت 60% وهجرّت ملايين الشباب بسبب ذلك، ناهيك عن البدء بسياسة رفع الدعم عن المواطن والتي ستزيد من معدلات الفقر والجوع.
السكن
منذ ما قبل انفجار الأزمة السورية مشكلة السكن موجودة والحصول على منزل كان بمثابة الحلم وبعد الأزمة اضطر الملايين للنزوح من منازلهم التي تمت سرقتها «وتعفيش» محتوياتها تحت أنظار الحكومة وأجهزتها مما زاد من الطين بلة ومع ما كلفه النزوح من تكاليف أجار وشراء مستلزمات للمنازل كل هذه المآسي التي مرت على الغالبية المفقرة لم نرَ خلالها أي تدخل حكومي جدّي لوقف هذه المعاناة، فبدلاً من التدخل في قوانين الإيجار وتأمين مساكن بأجارات مقبولة ومناسبة للمهجرين رأينا انسحاباً حكومياً كاملاً تاركة المهجرين لقانون العرض والطلب ولتجار العقارات ولمبدأ الحرية التعاقدية الذي أدى إلى إفقار المزيد من المواطنين عبر دفع كامل مدخراتهم خلال السنين الماضية لدفع مبالغ الإيجارات لمنازل لا تصلح للسكن أساساً والتي مع ذلك وصلت قيمة إيجاراتها إلى أرقام فلكية مع انعدام لوسائل الحياة كالكهرباء وانقطاع المياه وفقدان المحروقات وارتفاع أسعارها وتردي مستوى الخدمات ومع ذلك ارتفعت أسعار العقارات إلى المليارات وبات الحصول على منزل ملك ليس بالحلم كما كان سابقاً بل بات من سابع المستحيلات ومع ذلك تستمر الحكومة في رفع أسعار الإسمنت والحديد كل فترة مما يؤدي إلى ارتفاع إضافي لأسعار العقارات دون وجود مشاريع سكنية جديدة حكومية أو خاصة بل قامت الحكومة بتهجير مئات السكان من منازلهم ومنعت في كثير من المناطق عودة أهلها إليها تمهيداً لتقديمها للمستثمرين لبناء مجمعات سياحية لهم.
تدني مستوى الخدمات الصحية والاجتماعية
ناهيك عن تراجع وتدني الخدمات الصحية والمشافي الحكومية وانخفاض الإنفاق الحكومي على صحة الفرد بنسبة 89% لتبلغ حسب موازنة 2021 ما يقارب 3.6 دولارات سنوياً حسب إحصائية لقاسيون وهجرة الكثير من الأطباء وارتفاع أسعار المشافي الخاصة التي باتت خيالية ومع ذلك لم تتدخل الحكومة لضبطها أو تحديدها مراعاة لمصالح مستثمريها وللحفاظ على أرباحهم.
وتراجع مستوى التعليم في المدارس والجامعات الحكومية الذي وصل إلى أدنى مستوياته خلال الأزمة لم نرَ إجراء حكومياً يحافظ على هذه المدارس بل فرضت مزيداً من العقبات أمام الطلاب بحجة رفع مستوياتهم دون مراعاة لظروفهم، ناهيك عن تسرب ملايين الأطفال من المدارس والتوجه نحو سوق العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية والتهجير، واليوم تقدم لنا الحكومة فاتورة التعليم المجاني وكم يكلف في خطوة لا يفهم منها سوى التمهيد للقضاء على التعليم المجاني مع إعطاء كافة التسهيلات الحكومية لدعم المدارس الخاصة ومشاريعها ذات التكاليف العالية والتي تخص أبناء الطبقة المخملية فقط.
تحرك حكومي
ولكن ولنكون صريحين فإن الحكومة لا تفوّت فرصة إلا وتتدخل كل يوم من خلال فرض المزيد من الضرائب ابتداء من فرض رسوم جمركية على الجوالات والتي تربح من خلالها الحكومة أضعاف الشركات المصنعة إلى فرض تصريف 100$ على المواطنين السوريين عند الدخول إلى الأراضي السورية وفرض ضرائب على بيع العقارات والسيارات وأخيراً تم فرض ضريبة على نبش القمامة مبررة أن تلك المهنة تدر مرابح جيدة على أصحابها تاركة التهرب الضريبي لكبار التجار والمستثمرين وتمنع الاقتراب من أموال الفاسدين وتقدم لهم الإعفاءات الضريبية لاستثمار أموالهم وتسهيل تهريبها نحو الخارج.
من خلال العرض أعلاه نرى أن الحكومة لم تفعل أي شيء لوقف تدهور حياة الغالبية المفقرة خلال سنوات الماضية ولم تتخذ أي اجراء استثنائي يخفف من وطأة الحرب ولم تستطع حل أية أزمة من تلك الأزمات التي يعانيها الشعب بل جلّ ما فعلته هو إدارة هذه الأزمات والاستفادة منها لتمرير وتبرير سياساتها الاقتصادية وغيبت صوت الفقراء عبر السيطرة على منظماتهم وإعلامهم، واليوم أقرت قانون الجريمة المعلوماتية لتكمل سياسة تكميم الأفواه مع الاستمرار بحرماننا من حقوقنا الدستورية المشروعة في حياة كريمة واقتصاد قائم على العدالة الاجتماعية واستقلالية نقاباتنا وحقنا بالإضراب والتعبير عن رأينا بكل حرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1062