قاعدة خاسر- خاسر
«من وين بدنا نجيب عمال؟ بدنا نضل نشتغل لغيرنا؟ ما بكفي الضغط اللي علينا من المالية والضرايب والجمارك ومن هون ومن هون»؟ بهذه الأسئلة المتلاحقة حدثنا أحد أصحاب المعامل الخاصة بصناعة الألبسة والذي أضاف «منجيب هالشباب ما بيعرفوا يشتغلوا شي، منعلمهم ومندربهم وبس يصيروا معلمين بسافروا على تركيا ومصر وبيشتغلوا هنيك، نحنا منعلم ومندرب هن بياخدوهم ع باب المستريح، والأسوأ من هيك أنو بنافسونا بالأسواق اللي كنا نصدرلها، يعني خسرانة معنا كيف ما توجهنا».
يدخل الفتية إلى سوق العمل مبكراً جداً نتيجة الوضع المعيشي الكارثي لأسرهم، ويتوزعون على القطاعات الخدمية والإنتاجية وفق الأهداف الموضوعة من قبلهم وعائلاتهم الواقعة تحت ضغوط الحياة المعيشية القاسية، وتلجأ الغالبية منهم إلى العمل في الحرف والصناعات انطلاقاً من الوعي السائد للمجتمع السوري وخاصة سكان المدن والضواحي الذين يصرون على أن يتعلم أطفالهم مصالح وحرف ضمن مقولة تسليح الشباب بمصلحة تحميهم من العوز، ورغم أن هذه الظاهرة ليست بجديدة على المجتمع السوري وسوق العمل فيه، إلا أنها شهدت تغيّراً كبيراً من حيث المحتوى والشكل والأسباب والنتائج والغايات، كيف لا وقد كانت فيما مضى خياراً مستمدّاً من واقع تغير بشدة وفرض ضروراته الجديدة وبالتالي خياراته الجديدة.
كمن يزرع الطرخوم
منذ بداية الأزمة ارتفعت هجرة اليد العاملة المهنية إلى الخارج تلك اليد المتدربة والخبيرة التي راكمت خبراتها في معامل وورشات السوق المحلية وكانت هذه الفئة الأكثر جرأة والأسرع قراراً بالهجرة والهروب بعيداً عن الأوضاع الاقتصادية الآخذة في التراجع والتي صاحبتها انهيارات كبرى بالقدرة الشرائية والأحوال المعيشية، واستمرت النسبة بالارتفاع مع مرور سنوات الأزمة واستمرار الانهيار، حتى كادت المناطق الصناعية والحرفية تخلو من أصحاب الكفاءات والخبرات وهذا ما أفسح المجال للصف الثاني- إن جاز التعبير- في تعبئة الفراغ الحاصل ليرمّم أرباب العمل هذا النقص الشديد بفتح أبوابهم لأولئك الشباب الصغار الباحثين عن عمل، حيث ارتفعت نسبتهم كثيراً جرّاء حركة النزوح الداخلية المرافقة لتعقد الأوضاع العسكرية في مناطق سكنهم، ولحاجة عائلاتهم لدخول إضافية مع تراجع قدرتهم على إعالة أفراد أسرتهم، ومع دخول هذه الأعداد الكبيرة من الفتية والشباب الصغار إلى سوق العمل وتدريبهم بشكل مكثف وسريع لتغطية الحاجة المرجوة من الإنتاج، لترتفع كفاءتهم المهنية والفنية ويساهموا بشكل فعّال في الحفاظ على استمرار العملية الإنتاجية بالحد المقبول، ولكن ما إن تمضي سنتان أو ثلاثة حتى يلحق هؤلاء الشباب المدرّبون والمهنيون بمن سبقهم ويقصدون سوق العمل في الخارج بشكل عام ومصر وتركيا بشكل خاص لسماته الصناعية والحرفية، وبذلك تخسر الصناعة الوطنية أهم عناصر قوتها واستمرارها، دون أي أفق بتوقف هذا النزيف المستمر للأيدي العاملة لتضاف إلى نزيف الموارد البشرية العلمية والأكاديمية والفكرية في مقص أسعار من نوع خاص لا نحصد منه سوى الخسائر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058