قمع السلطة للدستور

قمع السلطة للدستور

يعد الدستور القانون الأسمَى في الدولة، فهو العقد الاجتماعي الذي يحدد الأطر العامة للعلاقة بين المجتمع والدولة، ويرسم الخطوط العامة للسياسات العامة للدولة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يجب ألّا تحيد عنها، خاصة وأن دستور عام 2012 جاء نتيجة لانفجار الأزمة ولمعالجة أخطاء السياسات السابقة والقطع الكامل معها، وهو ما أكد عليه في نصوص الدستور، ولكن على أرض الواقع جرى عكس ذلك.

قوانين وسياسات غير دستورية

ولكن الدولة تتصرف اليوم على مبدأ شريعة الغاب، وكأنه لا يوجد دستور يجب الالتزام به والعمل بأحكامه متناسية وظيفتها الحقيقية كدولة متحولة إلى دولة جباية وتأمين مصالح قوى الفساد فقط.
وأكبر دليل على ذلك الإبقاء على القوانين المتناقضة مع الدستور الجديد الصادر في سورية عام 2012 الذي أكد في المادة الثالثة والخمسين بعد المئة على أنه: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع أحكامه على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية) ولكن ومع مرور ثلاث سنوات على انتهاء المهلة الدستورية، لم يتم لغاية إلا تعديل بضعة قوانين، وعلى العكس عُمِل على إصدار قوانين جديدة تخالف الدستور، ولا سيما قانون التشاركية والاستثمار، حتى السياسات الاقتصادية والقوانين الحكومية ومشاريع القوانين التي تحال إلى مجلس الشعب تخالف الدستور بشكل واضح، ومع ذلك يتم إقرارها والعمل بها، وخصوصاً بما يتعلق منها بالنظام السياسي ووصولاً إلى مستوى معيشة المواطن والأجور والعدالة الاجتماعية وقرارات فرض الضرائب واستقلال النقابات والحرّيّات والسياسة الاقتصادية للدولة.

سياسات لا دستورية

جاء الدستور الجديد بتأكيد على أن هدف السياسة الاقتصادية للدولة هي العدالة الاجتماعية وعلى ضرورة ربط الأجور بالأسعار وتنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص، لكن ما نراه على أرض الواقع عكس ما نص عليه الدستور تماماً فالسياسة الاقتصادية المتبعة تهدف إلى رفع الدعم عن المواطن نهائياً وهو ما ينذر بازدياد حالة الفقر والجوع في المجتمع ناهيك عن رفع الأسعار المستمر لمختلف المواد الأساسية ومنها رفع أسعار الطاقة من محروقات وكهرباء واحتكار استيراد المواد الأولية مما يسبب في زيادة تكاليف الإنتاج وعرقلة قدرة المصانع على الإنتاج وربما عن الاستمرار مما يسبب في رفع مستويات الفقر والبطالة.

فرض ضرائب عشوائية

ويترافق ذلك مع فرض المزيد من الضرائب على المواطنين حتى وصلت إلى فرض الضريبة على الطعام والشراب ناهيك عن استنزاف الصناعيين وسحب الأموال منهم تحت حجج مختلفة منها فرض ضريبة عليهم بأثر رجعي مما حملهم كثيراً من الخسائر في وقت ينعدم فيه التسويق الداخلي للمنتجات لانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وإغلاق أسواق التصدير الخارجية بوجههم بسبب العقوبات، مما دفع الكثير منهم إلى الإغلاق والهجرة ومجمل تلك السياسات يجري تطبيقها تحت شعار دعم الإنتاج ورفع المستوى المعيشي للمواطن وتوجيه الدعم إلى مستحقيه وتقليل عجز الموازنة وقلة الموارد.
ولكن ألا يحق لنا السؤال عن مصير آلاف المليارات التي تجنى من فرض الضرائب ورفع الدعم؟ أين سيتم صرف هذه الأموال ولمصلحة من؟؟ إذا كانت الدولة تسعى إلى الانسحاب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية وإلغاء أي دور للدولة والإبقاء على دور الجباية والقمع فقط!!

سياسات كارثية على البلاد

هذه السياسات ليست فقط غير دستورية من الناحية القانونية بل وناهبة ومهددة لمستقبل البلاد بمجملها وتهدد بانفجار أزمة أكثر وأشد شراسة من التي نعانيها اليوم نتيجة لرفع معدلات الاحتقان بالمجتمع وانسداد الأفق أمام أي تغيير حقيقي، فهذه السياسات الناهبة للمجتمع ككل أوصلت البلاد والعباد إلى مجاعة حقيقية حسب تقارير الأمم المتحدة التي أكّدت أن 90% من السوريين باتوا تحت خط الفقر وأنّ 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وكل ذلك يترافق مع اشتداد قمع الحريات السياسية والإعلامية والصحفية وتغييب صوت النقابات عبر استخدام المادة الثامنة من الدستور السابق ومنع العمال والفقراء من إيصال صوتهم والتعبير عن أوجاعهم رغم أن الدستور أعطاهم حق المطالبة بحقوقهم بطرق حضارية منها الإضراب والتظاهر السلمي، ولكن حتى هذه الحقوق ما زالت أجهزة الدولة تعتبرها محرمة ومجرمة وتعكّر صفو المجتمع وتطبق الحصار على المجتمع وتمنعه من الاحتجاج وانتقاد الفساد حتى على مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة وهن نفسية الأمّة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1058