العمل الجبري
الحق في العمل من أول الحقوق التي أقرتها الشرائع الدولية فالعمل وباعتباره حقاً لا بدّ لكل إنسان أن يتمتع بهذا الحق وهو لا يقل أهمية عن الحق في التعليم والحق في الغذاء وغيرها من الحقوق الأساسية للإنسان.
تطور مفهوم العمل خلال مراحل التاريخ، وكانت أبرزها مرحلة الثورة الصناعية التي أدت إلى ظهور الطبقة العاملة والتي كانت تعمل على الآلات الحديثة في ظروف وشروط عمل أقل ما يقال عنها أنها صعبة، وذلك من خلال الأجور وساعات العمل وتدابير السلامة والصحة المهنية والأمان في مكان العمل إلى غيرها من الشروط والظروف، الأمر الذي أدى إلى ضرورة إيجاد تشريعات توفر الحماية القانونية اللازمة لحقوق العمال، وتنظم علاقات العمل بينهم وبين أصحاب العمل، وكان ذلك عبر نضالات الحركة العمالية والنقابية، حيث نتج عن ذلك ظهور قوانين العمل الخاصة بعلاقات العمل وغيرها من التشريعات ذات الصلة بتنظيم هذه العلاقة.
وقد اكتسبت التشريعات المنظمة لعلاقات العمل أهمية كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فعلى الصعيد الاجتماعي نجد أن هذه التشريعات قد أخذت بعين الاعتبار الحياة الإنسانية والاجتماعية المتمثلة في تحسين أحوال العمال وظروف معيشتهم، وتوفير حياة كريمة لهم ولأفراد أسرهم، مما يساهم في خلق مجتمع مستقر، يسود فيه الاطمئنان وحالة من الرضا عن القضايا الاجتماعية كالبطالة، التي لا يمكن غض النظر عن آثارها السلبية إذ انتشرت في المجتمع نتيجة إحساس طالب العمل بالظلم، وما يمكن أن يؤدي إليه من تهديد لأمن المجتمع، أما على الصعيد الاقتصادي فإن حماية الأجور تعني في جوهرها رفع القدرة الشرائية للعامل وزيادة دخله، وخاصة أن طبقة العاملين بأجر تمثل نسبة كبيرة من المستهلكين في المجتمع.
العمل الجبري هو وسيلة إجبار العامل على العمل رغماً عن إرادته، ويتناقض العمل الجبري تناقضاً تاماً مع العمل اللائق، ويتضمّن العمل الجبري أنواعاً متعددة من الإكراه المباشر أو غير المباشر، مثل الامتناع عن تسديد الأجور أو غيرها من التعويضات التي وعدوا بها أو تضمنتها التشريعات النافذة أو الحقوق التي اكتسبها العمّال من خلال نضالاتهم ونضال نقاباتهم، أو تهديد العامل بالسلطات التنفيذية، في حال مطالبة العمال بحقوقهم ومكتسباتهم المختلفة المسلوبة، وممارسة العنف ضدّ العامل عبر التهديد بأيّة عقوبة كالفصل وغيرها من الإجراءات التعسفية وتُعتبَر ظروف العمل السيئة وعدم توفر العمل اللائق للعاملين نوعاً من أنواع العمل الجبري والاستغلال في العمل، فالعاملون الواقعون ضحية العمل الجبري سواء كانوا عمالاً أو عاملات لا يُحرَمون من كرامتهم فحسب، بل من حرّيتهم أيضاً، فتوفير العمل اللائق للعمال يحقق الاستقرار في سوق العمل والارتقاء بالظروف الاقتصادية للعمال، يعزز القوة الشرائية لهم، وهذا بدوره ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
هذا وقد اعتبرت معظم التشريعات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية، العمل الجبري جرماً جنائياً وانتهاكاً لحقوق الإنسان وهو يتساوى مع مفهوم الإتجار بالبشر لغرض الاستغلال في العمل. إن مئات الآلاف من العمال اليوم يعيشون في ظروف استغلال لاإنسانية. ويجب على الحكومة والنقابات أن تسارع للعمل من أجل وقف هذه الانتهاكات وبالأخص منها أجورهم المتدنية التي لا تلبّي أدنى متطلبات المعيشة اليومية التي يتعرض لها العمال. وعلى الرغم من اعتراف الدولة من خلال الدستور وتوقيعها على كل الاتفاقيات الدولية بشأن الحق في العمل والحق في ظروف العمل التي تصون الكرامة، حيث وقعت سورية على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المعنية بحقوق الإنسان المختصة بالقضاء على السخرة والعمل الإجباري والتمييز في شغل الوظائف، ومنع استخدام الأطفال والقاصرين نلاحظ على أرض الواقع ما يخالف ذلك تماماً من عدم الالتزام بما ورد في تلك الاتفاقيات فلا يزال ينتهك الحق في الكرامة وخاصة في الأجر الذي لا يتناسب مع مستوى المعيشة، ويمثل النساء والأطفال الغالبية في استغلالهم في أعمال محرمة أو غير مقبولة اجتماعياً ويجري في بعض الأحيان استرقاق العمال، مثل الاسترقاق في العمل المنزلي أو فرض شروط تعسفية على العامل من أجل الحصول على فرصة العمل مثل الضمان لطاعة صاحب العمل وعدم الشكوى أو التقاضي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1048